فلاديمير كريزنسكي
ترجمة: عبد الحميد عقار وحسن بحراوي
ليست الفكرة المؤسِّسَة لوجودنا الفكري الخاص بالفكرة البسيطة وإنما هي مركَّبة من عدد هائل من الأفكار. سبينوزا: كتاب الأخلاق
إن الجدل هو الوعي الحادّ باللاّهوية، فهو لا يتبنى أي وجهة نظر سلفا. ويأتي نزوع الفكر إلى الجدل بفعل قصوره الذي لا يمكن تلافيه، وبسبب شعوره بالذنب إزاء ما يفكر فيه. ت أدورنو: الجدل السلبي
لقد أتيح لباختين أن يكون أعظم متفحص لأسرار الكلام الإنساني. ذلك الكلام الذي، إذا ما نظر إليه في بعده التوليدي، ألفيناه قوة نابذة وجاذبة في نفس الآن. فباختين هو الذي أبرز أن الذات الإنسانية كائن حواري إلى حد بعيد. ولكن الذات المتكلمة التي تتحاور باستمرار مع الآخر، حتى في لحظات الصمت، هذه الذات تعتبر مركز وهْمٍ وخيال تأتي اللغة لكي تُخلخِله وتُفْقِدَه التوازن، فيعيش زمن انفلات كلمته ولحظات استعادتها. على أن الكلمة التي تتلفظ بها الذات ليست ملْكا خاصا لها. فالمادة الخطابية تتصف بالخصوصية بالقدر الذي تتصف فيه بالعمومية. إنها مبعثرة فيما هو اجتماعي وما هو استشهادي وما هو سجالي وفيما هو متقارب و متباعد تبعا لضغوط العوامل الاجتماعية. فكيف يمكننا أن نأخذ في الاعتبار كل هذه العناصر ونتناولها نظريا بشكل دقيق؟. ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال سيحاول باختين أن يجعل من العبر لسانيات التي دعا إليها علما للإيديولوجيات، بل سيميائيات للإيديولوجيا. ومن المؤكد أن هذا العلم سيصطدم هو الآخر، بحواجز إيديولوجية، ذلك أن باختين نفسه لن ينجو من النظرة التقديسية للإيديولوجيا. ومن هنا، وأمام إغراء النزعة الإيديولوجَوِية(أ) سوف تخفق إرادته في تحقيق صوغ جدلي دقيق للكلام الإنساني. وسأركز هنا على العناصر البارزة في هذة النزعة راسما نتائجها وحدودها.
ومن الواضح، أن هناك، في البنية العامة للخطاب النقدي لدى باختين، وكذلك في افتراضاته الإبستيمولوجية، قرابة بين الذات الحوارية والذات الإيديولوجية. وبالفعل فهاتان الذاتان تتعايشان معا ضمن حركة واحدة للتواصل الاجتماعي. إن الإنتاج النقدي لمؤلِّف (رابلي) (ب) يسعى نحو صياغة متزايدة الدقة للعلاقات الحوارية المسيّجة بالمضامين الإيديولوجية. فمن الحوار إلى الإيديولوجيا ليس هناك سوى خطوة واحدة. ومن المستغرب ملاحظة أن باختين في إنتاجه النقدي لم يستطع أن يخطو هذه الخطوة بدون مساعدة أو على الأقل بدون وساطة كل من فولوشينوف Volochinov (ت) وميدفيديف (ث) Medvedev. وفي >شعرية دوستويفسكي< يتعلق الأمر خاصة بالأفكار والإيديولوجيات التي تمثلها الشخصيات الدوستويفسكية (ج)، بينما في (الماركسية وفلسفة اللغة) (ح) وفي >المنهج الشكلي< تتحول الإيديولوجيا إلى مقولة طاغية، بل وكاسحة.
ويستهوينا أن نرى في هذا الخليط، وفي هذا التبادل القائم بين أسماء باختين وميدفيديف وفولوشينوف حالة من حالات انتحال الأسماء Hétéronymie (خ)، شبيهة بحالة فرناندو بِسُوَا Fernando Pessoa أكبر شعراء البرتغال في القرن العشرين. فمن المعروف أن بسوا سعى من أجل أن يخفف من قوة شخصيته الإبداعية والنفسية إلى اختلاق أسماء وسير لشعراء مبدعين وجعلهم يحلّون محله.
وبالفعل، فإن بسوا قد أبدع عمله الشعري باستعمال أشعار مستعارة سخَّرها لذلك. ولكن كل ما كتبه ألبرتو كاييرو Alberto Caeiro، وريكاردو ريس Ricardo Reis وألفاور دوكامبوس Alvaro De Campos، وبيرناردو سواريس Bernardo Soares يحيلنا على بسوا. إن بسوا، بتعديده للأسماء التي يخلعها على نفسه، كان يُصفِّي حسابه مع الشيزوفرينيا، بل ومع الذهان. وكان كذلك يؤسِّس، بطريقة عبقرية، فضاء متعدد النصوص والأسماء وغير متجانس عن قصد. ذلك الفضاء الذي يشير في الحقيقة إلى قواسمه المشتركة، أي إلى بسوا.
على أن أصل المسألة لدى باختين مختلف عنه في حالة بسوا. فنحن نعرف أن كلاًّ من ميدفيديف وفولوشينوف قد وجدا بالفعل، وساهما في الأنشطة النقدية التي استلهماها من باختين. وكيف ما كانت معرفة شراح باختين ومحاولاتهم الاستدلال بها، فإن مشكلة التوقيعات المزدوجة تظل مطروحة. ونحن لن نحل هذه المعضلة بأن ننسب إلى باختين كلا من >المنهج الشكلي< و>الماركسية وفلسفة اللغة<؛ ولا حتى بالتأكيد على أن ذلك الإنتاج الثقافي لم يكن ملكية خاصة موقوفة على باختين. كل هذه الحجج مستساغة ولا يمكننا التغاضي عنها، وفي نفس الوقت فنحن نتجنب إثارة مشكلة هامة، إذا ما نسبنا تلك الأعمال إلى باختين بمفرده مع ما يصاحب ذلك من احتمال إقصاء الإسمين الآخرين تحت تأثير الرواج الكبير لأفكار باختين.
إن ما يبدو جديرا بالاهتمام في هذه المزاوجات الإسمية، هو ما سأسميه ب>السلسلة المنحدرة من فولوشينوف< لأنها هي أيضا كما نعرف تنحدر من >السلسلة الماركسية<. ولكي نتعرف بالتدريج على هذه المشكلة المتضمنة لعدة جوانب، سنستند مرة أخرى لحالة بسوا عبر المنعطف الباختيني.
لم يكن فولوشينوف بالنسبة لباختين ماكانه ألفارو دو كامبوس بالنسبة لبسوا. فبسوا هو الذي تصور وألّف >أشعار ألفارو دو كامبوس<. بينما لم يكن باختين هو الذي أوجد فولوشينوف. وما وصل إلينا موقعا باسم باختين ربما كان فولوشينوف هو الذي أملاه عليه.
أما الشق الثاني من المشكلة، فيتلخص في أننا نعرف بأن الإيديولوجيا أو على الأصح الإيديولوجيات توجد في مركز أعمال باختين. ولكن على عكس الافتراضات والتأكيدات النظرية في >الماركسة وفلسفة اللغة<، فإن تلك الإيديولوجيات تندرج في مراقي ضمن بناء نقدي معقد حيث تضطلع، في سياق تعدد الأصوات، بوظيفة نقل النزعات الذاتية وأنماط الوعي المتصادمة. وعند باختين الأصلي، فإن الإيديولوجيا قبل كل شيء هي النبرات والمواد الحوارية للشخصيات الدوستويفسكية. هؤلاء الشخوص هم منتجو إيديولوجيا Idéologues باعتبارهم يساهمون في مناقشات الأفكار التي ينظمها تعدد الأصوات في الرواية الدوستويفسكية ضمن وحدات منفصلة. وعند هذا الباختين الآخر (من دون فولوشينوف) فإن الإيديولوجيا تصبح بمثابة بنية خلافية وفردية، وتعمل أساسا على نقل آثار الوعي الزائف إلى تيمات على المستوى الفردي.
إن المظهر الآخر المهم لمشكلة الإيديولوجيا في النسق النقدي لدى باختين هو ذاك المتصل بالعلاقات بين الفعل الجمالي في بعده المعرفي، وبين إشكالية القيم. فهناك فرق مهم، من جهة، بين التأملات الدقيقة والبارزة حول >المضمون القيمي للواقع المعيش< وكذلك حول >المساهمة القيمية في أحداث الواقع< (1)؛ ومن جهة أخرى بين الطريقة القَبْلية والوثوقية التي تطبع تناول الإيديولوجيا في >الماركسية وفلسفة اللغة<.
إن التناول القبْلي الوثوقي يكمن في اعتبار الإيديولوجيا بنية فوقية مُبْهمة عقيمة وموحِّدة، إنها مظلة ذهنية تقي من الأفكار الموغلة في النزعة الفردية والنقدية. وهكذا تصبح الإيديولوجيا مسألة حتمية بقدر ما هي ضرورية. إنها لا تستثني أحدا من مجالها، فهي تأمر وتنصّ على ما ينبغي أن يكون، وهي التي تقود دفة الكلام الإنساني.
من هنا يطرح هذا السؤال، وهوالشق الثالث للمشكلة، مَن منهما كان بحاجة إلى ماركسية كهذه ورؤية للإيديولوجيا من هذا القبيل؛ فولوشينوف أم باختين؟ لنجب بدون تهكم: ليس هو باختين بالتأكيد، والذي سبق له أن كتب سنة 1924 تلك الدراسة الرئيسية المسماة >مشكلة المضمون ومادة التأليف والشكل في العمل الأدبي< (د). هذه الدراسة، لماذا هي رئيسية؟ ولماذا تشكل في اعتقادنا حجة مضادة وقاطعة تدحض الرأي القائل بأن أطروحات ومنهج >الماركسية وفلسفة اللغة< كلاهما لا ينتمي تحديدا للفكر الباختيني؟. ففي هذه الدراسة يتصدى باختين لمشكلة خصوصية الإبداع والفعل الجمالي. إن باختين، ومع اعترافه بأن الفنان يجابه مادة التأليف، يصف سيرورة الإبداع التي يميّز فيها بين العناصر الأخلاقية والمعرفية والقيمية Axiologique دون إلحاح منه، كما يحدث ذلك في >الماركسية…<، على الجوهر الإيديولوجي. إن تصوّر باختين للإبداع الفني لهو أكثر بروزا وتعقيدا في هذه الدراسة منه في >الماركسية…<. فالإبداع الفني لا يعتبر بشكل جوهري نشاطا إيديولوجيا. إن الفنان، أكثر مما هو منتج إيديولوجيا ينظر إليه بوصفه مشاركا في سيرورة فيها تتم التقييمات الأخلاقية والقيمية للواقع الذي في مواجهته ُُيمارَس النشاط المعرفي. فالإبداع الفني ينبثق عن نزوع نحو التوحد والتفرد والشمول والعزلة والاكتمال. وكل هذه الأنساق لا تنتج عن مادة التأليف. وبالفعل فهذه الإنساق مرتبطة بتقويمٍ >للمضمون القيمي للواقع المعيش في كل أشكاله وفي حدث من أحداث الواقع<(2).
لقد كانت السنوات الخمس الفاصلة بين ظهور دراسة >مشكلة المضمون…< وصدور كتاب >شعرية دوستويفسكي< وكذلك >الماركسية وفلسفة اللغة< غنية بالأحداث في تاريخ الاتحاد السوفييتي سابقا]. فهل كانت حاسمة في تطور الفكر الباختيني إلى الحد الذي يمكن معه الاعتقاد بأن الريشة التي تبرز وتوضح السيرورة المعقدة للإبداع الفني في هذه الدراسة، هي نفسها الريشة التي تقعّد وتبسّط وتميل إلى التعميم في كتاب >الماركسية …<؟ فهل نحن أمام إغراء إيديولوجَوِي وقع باختين تحت تأثيره أم أن فولشينوف هو الذي كان بحاجة إلى الحديث عن الإيديولوجيا المتشدّدة؟ وهذه الإيديولوجوية التي تخترق الكتاب، أليست ناجمة عن دواع اجتماعية وسياسية وأيضا عن ظروف تاريخية؟ ذلك هو ما يجب أن يكون الجواب الصحيح على وجه التقريب. إن الواقع السائد في الاتحاد السوفييتي آنئذ] وفي الأجهزة الإيديولوجية للدولة والحزب هي التي كانت لها حاجة ملحة إلى خطاب يدعو إلى التوحيد ويحقق التجانس، في الوقت الذي كان فيه ماركسيون آخرون في تلك الأثناء ينشغلون بالتفكير في هذه الظاهرة الغريبة القابلة للإدراك والخادعة في نفس الوقت والتي هي الإيديولوجيا. فهل يكون الإغراء الإيديولوجوي لباختين ومساعده فولوشينوف ضريبةً مدفوعة رسميا للأرثودوكسية الماركسية للمرحلة؟. فليفكّرْ مليا في ذلك أولئك الذين سيختصون مستقبلا في باختين وأعماله.
فما هو إذن هذا الواقع السائد؟. نحن في سنة 1929. وهذه السنة ليست بدون دلالة في تاريخ الاتحاد السوفييتي (د). فالبرغم من التحذيرات التي أوصى بها لينين، فإن الشبح الستاليني كان قد استشرى منذ خمس سنوات. وهي السنة نفسها التي ستشهد طرد تروتسكي، واتساع عملية تأميم الأراضي، مثلما ستزداد حدَّةُ الحملة الإيديولوجية اتساعا. وسيقوم ستالين السكرتير الأول بإدانة الثورة الدائمة. (3) إن كل هذه الوقائع تشكل سياقا إيديولوجيا – سياسيا ملائما لانتشار النزعة التبسيطية.
وإذاكان كتاب >الماركسية وفلسفة اللغة< في تفاصيله، كتابا مليئا بالاكتشافات والإثباتات الهامة والمقبولة، فإن أسسه النظرية بالمقابل تسير في خط مستقيم مع الخطاب التمهيدي الرسمي الذي يمنح تلك الأسس مشروعيتها. وهذه الأسس تبدو مفرطة التبسيط والوثوقية. ألم يكن هذا الكتاب كذلك نوعاً من الجواب الرسمي للموقِّعيْن عليه (باختين وصاحبه) وردّاً على مزاعم الفيلسوفين الماركسيين التحريفيين اللذين قامت صحيفة البرافدا بانتقادهما في عددها ليوم 25 يوليوز 1924 (4) ؟. هذان الفيلسوفان هما كارل كورش (Karl Korsch)وجورج لوكاش (Georges Lukàcs). وقد كانا يفكران في مسألة الإيديولوجيا بشكل مناهض لمقدسات الفلسفة الماركسية الرسمية. وقد نشر كورش ولوكاش سنة 1923 كتابين كبيرين ملعونين من طرف الماركسية الرسمية هما >الماركسية والفلسفة< و>التاريخ والوعي الطبقي<. وفي هذين الكتابين لا تظهر الإيديولوجية بالصورة التي كانت عليها في كتاب >الماركسية وفلسفة اللغة<. ذلك أن تحليلات كورش ولوكاش قد اتجهت نحو مقولة مركزية اعتقدا أنها يجب أن تميز الإيديولوجيا في نظرهما. وتلك هي مقولة >الوعي الزائف<. ومثلما يُذكّر بذلك كارل مانهايم Karl Mannheim في >الإيديولوجيا والأوطوبيا<، فإن مفهوم الوعي الزائف هو مفهوم ذو أصل ماركسي (5).لكن سيجري التغاضي عنه سريعاً من طرف أنصار الإيديولوجيا الماركسية الرسمية بوصفها الأداة التصوُّرية الناجعة للدولة الشيوعية. وبالتخلي عن مفهوم الوعي الزائف باعتباره القاسم المشترك بين الإيديولوجيات بكل أشكالها، ستصبح الإيديولوجيا الماركسية التي تقدِّمها الدولة إيديولوجيا عادلة، بينما تلك التي تقدمها >الرأسمالية< هي إيديولوجيا غير عادلة. وهكذا يجري ترسيم الإيديولوجيا، ويتم ذلك عبر تفريع ثنائي وعبر مانوية ربما يندرج ضمنها باختين كذلك. ويبقى علينا أن ندقق الكيفية التي حصل بها هذا التحول. ولكن لنحاول أولا تلخيص الأطروحات الأساسية عند كل من كورش ولوكاش. وسيكون ذلك بمثابة مقدمة مضادة لكتاب >الماركسية وفلسفة اللغة< .
يلاحظ كورش بأن : > ماركس وإنجلز لم يفكرا في الوعي الاجتماعي والحياة الروحية من حيث هما إيديولوجيا خالصة. إن الإيديولوجيا هي الوعي الزائف فقط، وبخاصة ذلك الوعي الذي يمنح لظاهرة جزئية من الحياة الاجتماعية وجودا مستقلا: وذلك من قبيل التصورات القانونية أو السياسية التي تعتبر القانون والدولة بمثابة قوى مستقلة مهيمنة على المجتمع <(6)
لنحتفظ من هذه الملاحظات بثلاث نقط أساسية :
1) إن ماركس وإنجلز لم يحددا الوعي الإجتماعي ولا الحياة الروحية بكونهما إيديولوجيا.
2) إن مصطلح الإيديولوجيا ينبغي قصر استعماله دالاّ على الوعي الزائف.
3) إن ظواهر الحياة الاجتماعية وخاصة المؤسسات وتبريراتها المكتوبة والرسمية ( التصورات القانونية أو السياسية ) لها طابع جزئي. ولم يكن لهذه التصورات أن ترقى لمرتبة >قوى مستقلة< لولا >التخصيص< الإيديولوجي المنبثق عن الوعي الزائف. وتحليل كورش هذا يلقي ضوءا كاشفا بصورة خاصة على الأسس النظرية لدى باختين وزميله فولوشينوف في كتاب >الماركسية … < وهي أسس ضمنية أكثر مما هي صريحة لديهما. وبالفعل ففي هذا الكتاب يُطرَح الوعي الاجتماعي مثلما تُطرح الحياة الروحية بوصفهما كيانات إيديولوجية بشكل جوهري . صحيح أن هذه الكيانات تلتقي مع ما يسميه بليخالوف وبوخارين بالسيكولوجيا الإجتماعية ؛ (7) ومن هنا ينشأ، ربما، نوع من سوء التفاهم. ومع ذلك فالإيديولوجيا تظل مهيمنة على خطاب باختين ـ فولوشينوف . وهذه الإيديولوجيا ضرورية بقدر ما هي حتمية بحيث لا يمكن تفاديها. على أن المحتوى التصوري الأساسي للإيديولوجيا >أي الوعي الزائف< يظل مكبوتا. إن الإغراء الإيديولوجوي يصبح لعبة صعبة ومخسورة سلفا. إنها، فضلا عن ذلك ، تُشَيًّئُ ما كان يستحق معالجة أكثر وضوحا مما هي عليه في القسم الأول من >الماركسية..<، ولاسيما مشكلة العلاقات بين الإيديولوجيا والإيديولوجيات من جهة، ومسألة تأليف النص وبناء العلامات الإيديولوجية من جهة أخرى. إن سيميائيات الإيديولوجيا، كما تصورها باختين وفولوشينوف، هي سيميائيات إيديولوجوية إلى حد كبير. إنها تتأصل في مجال مفهومي محدَّد ومقيَّد.
وبالنسبة للوكاش فإن تشيُّؤ الوعي، مثلما هو الشأن في تشيُّؤ مصدره الاقتصادي وتقديس السلعة، يحدد الإيديولوجيا باعتبارها وعيا زائفا. ويحاول لوكاش أن يمسك بالوضع الذي كان عليه وعي البروليتاريا الأوروبية في السنوات التي أعقبت ثورة أكتوبر. إن وعي البروليتاريا مَثَلُه مَثَلُ الوعي البورجوازي متحجر يتشابك فيه التقديس والتشيُّؤ. ف>وحده وعي طبقة البروليتاريا، يلاحظ لوكاش، وقد أصبح وعيا عمليا، يمتلك هذه الوظيفة المحوِّلة< (8) . إن لوكاش يقيم إذن تمييزا بين الوعي الطبقي الذي سيكون ذا طابع معرفي مما سيجعله وعيا عمليا، وبين تشيُّؤ الوعي وهو من طبيعة إيديولوجية. وإجمالا، فإن المفاهيم المتكررة لدى كورش ولوكاش، أي مفاهيم الوعي الزائف، والتشيُّؤ وتقديس السلعة، لا تحدد فقط الإيديولوجيا بطريقة قيمية، وإنما تجعل منها مقولة سلْبية وحاجزا أمام المعرفة. وكلما اقتربنا من الخطاب الحديث المتزايد الخصوبة حول الإيديولوجيا، لاحظنا أن هذه الأخيرة تكتسب تارة سمات سياسية نفعية، وتارة سمات سلبية مرَضية. ولن تصبح الإيديولوجيا بنية ذهنية متحجّرة سوى في أعمال جوزيف گابِل Joseph Gabel، (9) حيث ستصبح وعيا ليس زائفا فحسب بل ومرَضيا كذلك . إن الإيديولوجيا ليست فقط هي الإلتباس وتعتيم الوعي وتحقير الجدل ، ولكنها أيضا اختيار لاعقلاني للقيم، ومكان فيه تتشكل الحالات المرَضية. وقد أوضح جوزيف گابل كيف أن الإيديولوجيات السياسية تتضمن نواة >العقلانية المرَضية< التي كشف عنها يوجين مينكوفسكي في علم الأعراض (Symptomatologie) الخاص بحالات الشيزوفرينيا (10) .
إن لوكاش وكورش اللذين هاجمتهما صحيفة البرافدا، قاما بإزالة الوهم عن ظاهرة أرادت الأورثوذوكسية الرسمية أن تبطل مفعولها وأن تختزلها في ممميزاتها الوظيفية. وإذا أخذنا الإيديولوجيا باعتبارها بنية فوقية تعكس قاعدة الإنتاج وعلاقات الإنتاج عن طريق المؤسسات والدولة والفلسفة والأعمال الفنية، فإنها لن تكون سوى عودة وتذكير بالوضع الإقتصادي الإجتماعي والسياسي للأشياء.
إن التفاوت بين الوعي الزائف والعرض المرآوي لقاعدة الإنتاج لهو تفاوت ذو دلالة . إنه يفتح الطريق أمام كل أنواع التقديس والتشيُّؤ. ويبدو أن باختين يَسْقُُطُ بالرغم عنه في هذه الفخاخ دفاعا عن نفسه. إن كتاب > الماركسية وفلسفة اللغة< كتاب مفارِق. ففيه يجري البحث عن منهج وعن مجال كذلك، والسعي نحو ترسيخ علم للإيديولوجيات. ولكن بين باختين الأصلي الذي ألف >شعرية دوستويفسكي< ودراسات من قبيل >مشكلة المضمون ومادة التأليف والشكل في العمل الأدبي < و>الخطاب الروائي< (ر) ، وبين باختين فولوشينوف مؤلف >الماركسية…< هناك فرق كبير في الأهداف والمقاصد وفي صياغة المفاهيم واتخاذ المواقف. وإذا غضضنا الطرف لحظة عن فولوشينوف، شريك المؤلف، فإننا لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من التفكير في أن الخطة التي اتبعها باختين تكشف عن ضيق شديد في الأفق الإبستيمولوجي بالقياس إلى أفق المؤلِّف في الدراسات السابقة عن كتاب >الماركسية…<. وهذا الضيق في الأفق آت في تقديرنا من كون الإيديولوجيا تحمل أعراضاً مرَضية متزامنة (Syndrome) تُضْعِف كثيرا من المدى المعرفي لأقوال باختين. وهذه الأعراض المرَضية المتزامنة هي التي تضفي على الخطاب النقدي وعلى الرؤية في الإنتاج الفني طابعا إيديولوجويا مفرطاً. إن المصدر الخفي لهذه الأعراض وتبريرها الوحيد إنما هو التصور الرسمي للإيديولوجيا الذي يبدو أن باختين لم يستطع أن يتحول عنه مخافة أن يتعرض لما تعرض له لوكاش وكورش من إهانة وتحقير. فمن البديهي إذن أن لا يظهر اسماهما في كتاب > الماركسية وفلسفة اللغة< .
إنه لأمر بالغ الدلالة أن لايرد للإيديولوجيا بمعناها الخاص تعريف في كتاب باختين، وإنما هناك فقط إشارات وإحالات على تعريف متسق وجيد الصياغة. وبالفعل فإن ما هو مُسَلَّم به ضمنيا في هذا الخطاب إنما هو الصيغة المرآوية الخالصة للإيديولوجيا، وإسقاط القاعدة على البنية الفوقية .
>إن الواقع الإيديولوجي هو بنية فوقية تقوم مباشرة فوق القاعدة الاقتصادية. وليس الوعي الفردي هو مهندس هذه البنية الفوقية الإيديولوجية ولكنه مجرد مستأجر يسكن البناء الاجتماعي للعلامات الإيديولوجية < (11).
إن ما يسترعي الإنتباه في وجهة النظر هذه هو التأكيد على أسبقية العنصر الإقتصادي وتسخير الفردي لخدمة العام والشامل. فما يبرر وجود الوعي الفردي إنما هو عقد الإيجار الذي أمضاه هذا الأخير مع مالك >البناء الإجتماعي للعلامات الإيديولوجية<. لكن من هو هذا المالك ؟ . إنه المجتمع، تلك الخليّة الضخمة والمُبْهَمَة والمنتِجة للعلامات الإيديولوجية ولأنماط الوعي الفردية، والتي تَأْوِيهِمَا في نفس الوقت. على أن هذه العلامات والأوعاء إنما هي في وضع المستأجر للبناء، وليست قطعا هي التي صمَّمَتْه. إننا نوجد إذن في الحلقة المفرغة للبنية الفوقية، وللبناء الاجتماعي والعلامات الإيديولوجية. ومن ثمة، فسيكون من العبث البحث عن جواب للأسئلة التالية: كيف يتأسس البناء الاجتماعي للعلامات الإيديولوجية ؟. وهل هو ناتج عن مجموع أو كتلة من الأوعاء الفردية التي تخلت عن فرديتها لتستظل ببناء لم تختره بحرية؟. وإذا كان هذا هو الشأن هنا، فإنه لا يبقى من معنى لمفهوم الوعي الفردي، ويصبح الأمر مجرد خُدْعَة.
توجد هناك في خطاب باختين مساواة بين أنماط الوعي، مثلما توجد هناك إوالية ذاتيةُ الحركة تستعين بها قاعدة الإنتاج لتوليد الإيديولوجيا. إن المساواة القائمة على الشمولية والتعميم لا تبشر بخير للمبدع. ولن يكون هذا الأخير سوى وسيط بغير إرادته أو ناطق باسم الإيديولوجيا. ليكن. لكن ما يثير في هذا الصوغ النظري للعلاقات بين >الوعي الفردي< و>بناء العلامات الإيديولوجية< هو طابعه المُؤَسّسِي والاختزالي على نحو مؤكد. ويبدو بدهيا أن تكون الإيديولوجيا انطلاقا من هذا الصوغ مُدَجَّنَة تماما، إنها تشتغل كما لوكانت لعبة للبنيات الحتمية والحاسمة. إن الإيديولوجيا لا تحمل دلالة الوعي الزائف.
ومن المدهش حقا ملاحظة أن كتاب >الإيديولوجيا الألمانية< يكشف عن كثير من التلوينات أوالفروق عند تناوله لمسألة الإيديولوجيا. فماركس وإنجلز هما اللذان نزعا الأوهام بحق عن استقلال الوعي والحياة الروحية . ومع أنهما يظلان في مستوى الاستعارات المكانية، مثل باختين، إلا أنهما يتحدثان عن >غرفة مظلمة< أكثر مما يتحدثان عن بناء اجتماعي. إن رهان الإيديولوجيا، وهي مفهوم إجرائي مركزي في خطاب هؤلاء، هو الوعي الزائف لدى ماركس وإنجلز، بينما يكون الرهان لدى باختين هو الموطن الاجتماعي للوعي حيث تجتذبنا فيه، بلاانقطاع، العلاماتُ الإيديولوجية أيّا كان مصدر انبعاثها . وأمام التعريفات التي يقدمها ماركس وإنجلز للإيديولوجيا يمكننا التساؤل عن مصير خطاب باختين ـ فولوشينوف بعد قراءة هذا النص . وللأسف فإننا نعرف أن كتاب >الإيديولوجيا الألمانية<، كان قد نشر سنة 1932 في صيغته الأصلية بعناية معهد الماركسية اللينينية.
وهذه فيمايلي الفروق والتدقيقات التي قدمها ماركس وإنجلز وهي مجردة من التدجين المؤسِسي للإيديولوجيا:
>إننا لا ننطلق مما يقوله الناس أو يتخيلونه أو يتمثلونه، ولا مما هم عليه في كلمات الآخرين وفكرهم وتخيلهم وتصورهم، لكي نصل فيما بعد إلى الناس بلحمهم وعظمهم. لا، إننا ننطلق من الناس في نشاطهم الواقعي، فانطلاقا من سيرورة حياتهم الواقعية نصل أيضا إلى تشخيص تطور الانعكاسات والأصداء الإيديولوجية لهذه السيرورة الحيوية. وفي نفس الوقت فإن الاستشباحات Fantasmagories الكامنة في الدماغ البشري إنما هي عمليات تصعيد أو تسام ناجمة بالضرورة عن سيرورة حياتهم المادية التي يمكن التحقق منها تجريبيا، لكنها تقوم على قواعد مادية. وعليه، فإن الأخلاق والدين والميتافيزيقا وباقي عناصر الإيديولوجيا وكذلك كل أشكال الوعي التي تقابلها، كل ذلك يفقد في الحال كل أثر للاستقلال<. (12)
ونحن نلاحظ بأن الأمر لم يعد يتعلق لدى ماركس وإنجلز بـ >الانعكاسات والأصداء الإيديولوجية<، وإنما يتعلق بإعادة إنتاج إيديولوجي كلية وشاملة للنشاط الواقعي أو للسيرورة الحيوية للناس، وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن فقدان الأخلاق والدين والميتافيزيقا و>باقي عناصر الإيديولوجيا< للاستقلال، يحيل على سببية مادية دونما إقصاء لبعض البنيات الأخرى غير الإيديولوجية. إن تساميات الفكر البشري تنجم في الحقيقة عن استناد العالم الواقعي إلى الخيال، على أن هذا الخيال هو بدوره يجتاز فترة تخلّق، هي أيضا مادية. إن تلك التساميات والإعلاءات تقوم كذلك على أسس مادية دون أن تلتبس بالضرورة مع العلامات الإيديولوجية. إن خطاب ماركس وإنجلز يبرز الفرق الذي يفصل الظاهرة الإيديولوجية وكثافَتَها عن باقي طرائق تمثّل صورة العالم وسيرورة الحياة الواقعية. وهكذا فالإيديولوجيا تتميز بكونها صيغة للوجود في العالم، ذات طبيعة روحية أو لاعقلانية. الإيديولوجيا مبنية على شكل انعكاسات وأصداءأكثر مما هي مكونة من كليات عضوية موَلِّدة لكليات أخرى.
لنعد الآن إلى تأكيدات باختين. فانطلاقا منها تبرز ثلاث شبكات استدلالية:
1) الوعي الفردي كله إيديولوجيا. (13)
2) الإبداع الفني نشاط إيديولوجي. (14)
3) الكلمة ظاهرة إيديولوجية بامتياز.إنها ليست سوى تسْمية أخرى للعلامة الإيديولوجية. فكل علامة هي علامة إيديولوجية. وكل علامة سيميائية هي كذلك وبصورة حتمية علامة إيديولوجية.(15)
إن هذه الإثباتات، ليست لها على صعيد التصور المرآوي للإيديولوجيا، المنظور إليها باعتبارها بنية فوقية، سوى قيمة استكشافية ومعرفية ضئيلة. وعلى أقصى تقدير فهي مجرد طوطولوجيات، ولاتعمل سوى على تأبيد الدوران الرتيب للإيقاعات الإجتماعية حيث تَتبادلُ المواقع كلٌّ من العلامة والإيديولوجيا والوعي والإبداع واللغة. وبناء على ذلك فالإيديولوجيا إذن، ليست سوى منبع للغة، ونقطة وصول ومحطة لها وللخطاب وللإبداع الفني ولإنتاج العلامات.
وعلى العكس من ذلك، فإذا نحن نظرنا إلى الإيديولوجيا من زاوية كونها وعيا زائفا وهيمنة لعوامل مشوِّهة، فإن أقوال باختين وأطروحاته ستصبح نسْبية بقدر كبير. لماذا لا نسلِّم بأن الوعي الفردي يمكن أن يكون موجَّها توجيها معرفيا أكثر منه توجيها إيديولوجيا ؟. إن الوعي الجدلي بوسعه أن ينتهك الحلقة المفرغة للإيديولوجوية. ومثلما يمكن للإبداع الفني أن يكون فعلا مضادا للإيديولوجيا أو إيديولوجيا واصفة، فهو يعمل، على كل حال، على تَنْسيب مأزق الإيديولوجيات بإخضاعها للعبة الإنتهاك. إن شعرية العمل الأدبي القائم على الإنتهاك تصدر عن إبراز قيم تُدْرَجُ في فهرس يقوم على الاستبدال أكثر مما يقوم على الإيديولوجيا. وفي رأي باختين فكل علامة وكل كلمة هي من طبيعة إيديولوجية، وهو رأي مثير للنقاش. ففي الحقول التركيبية والدلالية والتداولية للغة، تبدو وقائع الخطاب وتأثيراته غير مُتَوَقَّعة بحيث يحتمل أن تكون مُوجَّهة معرفيا. وهذا مثال بالغ الدلالة على الاتصال القائم بين الإيديولوجيا والمعرفة؛ فقد استعانت روزا لوكسمبورغ في الخطاب الذي ألقته يوم 20 فبراير 1914 أمام محكمة فرانكفورت بعلامات إيديولوجية لكي تُشَهِّر على نحو أقوى بالإيديولوجيا العسكرية للدولة البروسية. وهي تختتم مرافعتها كالتالي: >والآن أدينوني<(16). إن روزا لوكسمبورغ تستخدم تداولية معرفية ضد الإيديولوجيا المتحَجِّرة للدولة. إن ما يسميه تيودور أدورنو بـ >مضمون الحقيقة< للعمل الفني، أو بـ >التفكيك< والعمل الشذري في مقابل العمل الهالي Auratique (ز)، يبرز رفضا للعلامات الإيديولوجية التي تحيل على البنيات الجامدة لـ >اليومي المتكرر<. وموزيل وبيكيت وبروخ يشهدون على ذلك.
إن نظرية الفن الحديث التي صاغها أدورنو تقتضي أن يقوم المبدع بتفكيك ما هو جامد شكليا وإيديولوجيا. وهذا الشرط الأساسي يستدعي وجود جدل وتوجه نحو رفض الإيديولوجيا باعتبارها انغلاقا للبنيات الذهنية المهيمنة. وضد إيديولوجيا الانغلاق هذه، يجب أن يعمل المبدع. وبهذا الصدد يؤكد مارك جيمنيز Marc Jimenez قائلا:
يتوقف الجدل عن الوجود حينما يحصل ذلك التفكك بدوره على وضع ثابت. إن الثورة الشكلية لا يمكنها أن تكون دائمة، شرط أن لا يتحول هذا الدوام نفسه إلى نظام (17).
ويبدو أن باختين يمكن أن يندرج ضمن الآخذين بهذه الطريقة في طرح مشكلة الفن الحديث أو بشكل أدق، مشكلة أصالته التي تمثل رمزيا تجاوزا للنظام القائم. إن نظرية الرواية لدى باختين تؤكد بقوة على اللحظة الجدلية الانتهاكية التي تتحكم في المسعى الروائي بوصفه تفاعلا صراعيا بين القوى الاجتماعية والحوارية مثلما يحصل في الأهجية المينيپية. غير أن الطريقة التي يتناول بها باختين مشكلة التفاعل هاته بين الإيديولوجيا وبين ما هو نفسي Le psychisme من شأنها أن تدهشنا. ويمكن القول بأن جميع عناصر جَدَلٍ انتهاكي قد طُرحت لديه باستثناء الهدف من انتهاك النظام الإيديولوجي. فلنستمع إلى باختين:
يوجد بين ما هو نفسي وبين الإيديولوجيا تفاعل جدلي لا تنفصم عراه. فما هو نفسي يعتزل ويتقوض لكي يصير إيديولوجيا والعكس صحيح. وعلى العلامة الداخلية أن تتحرر من اندماجها في السياق النفسي (البيولوجي والبيوغرافي)، وأن تكف عن أن تكون موضوع اختبار ذاتي لكي تتحول إلى علامة إيديولوجية. ويجب على هذه الأخيرة أن تندمج في مجال العلامات الداخلية، الذاتية، وأن ترِِنَّ وتُُصْدِيَ بنغماتٍ ذاتية لكي تظل علامة حية وتتجنب الوضع التشريفي الذي يحنِّطها في متحف الذخائر المبهَمة. (18)
وكذلك حين يقول:
إن كل كلمة، كما نعلم، تقدم نفسها بمثابة حَلَبَة مصغرة تتلاقى فيها وتتشابك وتتصارع النبرات الاجتماعية المتعارضة التوجه. وتظهر الكلمة على لسان الفرد بمثابة نتاج للتفاعل الحي بين القوى الاجتماعية. وهكذا فإن ما هو نفسي والإيديولوجيا يتبادلان التأثير ضمن السيرورة الوحيدة والموضوعية للعلاقات الاجتماعية. (19)
إن هذا الخطاب يدَجِّن ما هو نفسي عبر مواربات الإيديولوجيا. ويبدو للوهلة الأولى أن باختين يبشر بـ >جدل غير منفصم< بين الإثنين. وإذا أمعنا النظر فإننا سندرك بأن >العلامات الداخلية الذاتية< هي على نحو ما علامات تُُغذِّي وتخدم العلامات الإيديولوجية. وفي المحصلة النهائية فإن ما هو نفسي مطالَب بأن يكون في خدمة الإيديولوجيا حتى تتمكن تلك العلامات من أن >ترنَّ وتصدي بنغمات ذاتية لكي تظل علامة حية وتتجنب الوضع التشريفي الذي يحنطها في متحف الذخائر المبهمة<. وإذا افترضنا أن الإيديولوجيا وعلاماتها هما من مستوى ما هو عام، وأن ما هو نفسي من المستوى الخاص، فعلينا أن نعترف بأنه في هذا الجدل غير المنفصم يكون ما هو نفسي معرَّضا لأن يفقد كل شيء، بينما تكون الإيديولوجيا مهيَّأة لتفوز بكل شيء. ويبدو أن باختين لا يتصور الوضع الذي منه يرسل ما هو نفسي علاماتٍ مضادةً للإيديولوجيا. >إن الجدل هو الوعي باللاَّهوية< كما يلاحظ ذلك أدورنو في كتابه >الجدل السلبي<. وبالنسبة لباختين فالجدل هوالوعــــي بالتبــــادل القائـــم بين ما هو نفسي والإيديولوجيا. وهو يعترف ضمنيا بلاهويتهما، ولكنه يؤكد في نفس الوقت على أولوية الإيديولوجيا على ما هو نفسي وما هو ذاتي، لكي ينتهي إلى أن >ما هو نفسي والإيديولوجيا يتبادلان التأثير ضمن السيرورة الوحيدة والموضوعية للعلاقات الاجتماعية<. إن باختين يثبت هويةً لسيرورة العلاقات الاجتماعية التي تشارك فيها إيديولوجيته بوصفها بنية فوقية. فعلى ذاتية المبدع أن تستسلم لضغوط العلامات الإيديولوجية. وهكذا فالفن ليس شيئا آخر غير إعادة إنتاج الإيديولوجيا بتلوين ذي رنين ذاتي. وليس الفن أبدا تفكيكا للهوية الثابتة، وإجمالا الهوية الثابتة للإيديولوجيا.
لقد كانت الماركسية إذن هي القالب المؤسّسي الذي حاول باختين أن يصب فيه إشكاليةً غايةً في التعقيد هي إشكالية التبادل بين الذاتي والاجتماعي، اللغوي والإيديولوجي، الفني والجماعي، إننا نلاحظ بشكل أفضل مما لوحظ حوالي 1929 بأننا لا نعرف ما نقوله بصورة مؤكدة عن هذا التبادل وهذا الجدل سوى ما يلي ربما: إذا كانت الإيديولوجيات المهيمنة والإيديولوجيات الطبقية قابلة للتمييز والوصف، فإن تعبيراتها الفنية والفردية لهي غاية في التنوع، وتتكون من عناصر منفصلة، وبإمكاننا أن نتوفر على نظرية شاملة للمجتمع، وأن نرصّف أحد عشر تعريفا للإيديولوجيا (20) من دون أن نصل مع ذلك إلى حل لمشكلة الإيديولوجيا. من هنا فإن مشكلة الإيديولوجيا هي مشكلة منظور معيَّن. وهذا المنظور لا يستطيع وما ينبغي له أن يخفي المشهد في كليته. والعمل الفني لا يمكن اعتباره إديولوجيا بصورة كلية ولا باعتباره نتاجا خالصا للإديولوجيا.
وعندئذ، فكيف سيكون الاستعمال الصحيح لماركسية باختين، أخذا بعين الاعتبار الإغراء الإديولوجوي الذي تنطوي عليه والذي يحكم منظور الجدل السوسيوفردي؟. ربما كان من اللازم قراءة ماركسية باختين بوضعها بين قوسين أي بنوع من التحفظ. ففي كتاب( الماركسية وفلسفة اللغة ) تختزل حصة الماركسية في تقديري إلى هذه الإيديولوجوية التي لا تقيم فرقا بين الإيديولوجيا بوصفها بنية فوقية والإيديولوجيا من حيث هي وعي زائف. إن هناك نوعا من الانفصال بين القسم الأول الموسوم بـ>فلسفة اللغة وأهميتها بالنسبة للماركسية < والقسمين الآخرين. أي > نحو فلسفة ماركسية للغة< و> نحو تاريخ لأشكال التلفظ في الأبنية التركيبية <. ففي القسم الأول يكون الإغراء الإديولوجوي أكثر قوة مما هو في القسمين الآخرين. ولا تترك أدْلجة الكلام الإنساني أي خيار آخر سوى خيار ما هو نفسي. وقد حاولت أن أبرز أي مصير تخبئه له الإيديولوجيا في إطار> السيرورة الوحيدة والموضوعية للعلاقات الاجتماعية <. وعلى العكس من ذلك ففي القسمين التاليين المتسمين بسجال واضح غالبا، فإن باختين يبرز ويخصّص الافتراضات النظرية لسميائياته التي وضعها للإيديولوجيات.
لقد تعودنا على قراءة باختين قراءة مَقولية. فنحن نعرف تماما كيف ننتقل من الحوارية إلى تعدد الأصوات وكيف نبرز وظيفة الكرنفال(س). لكن الأشياء تتعقد عندما يتعلق الأمر بالإيديولوجيا. إن كتاب >شعرية دوستويفسكي< ودراسات باختين السابقة عليه تحاول أن تحلّ على أسس مادية مشكلة الإبداع الفني وبخاصة مشكلة الإبداع الروائي. والثوابت الأساسية في هذه الدراسة هي الأفكار، وتعدد الذاتيات، وأنماط الوعي. وفي الجملة، وابتداء من سنة 1924 فإن باختين سيحاول التنظير للبناء الفني للوغوس الإجتماعي والذاتي والنصي. وهو يخطو خطوة جبارة بالقياس إلى من تقدَّمه في مجال النقد وفي مجال الافتراضات الفلسفية بصدد مفهوم الفكرة كما طرحها هيجل. فبالنسبة لمؤلّف >فينومينولوجيا الروح<. فـ: >الفكرة هي المفهوم المطابق، الحقيقي الموضوعي أو هي عين الحقيقة. وعندما يتوفر شيء ما على الحقيقة فذلك بفضل فكرته: إن شيئا ما يتوفر على الحقيقة فقط باعتباره فكرة< (21). وتأتي هذه التأكيدات لدى هيجل مصحوبة بالإثبات الشهير: >يصل الكائن إلى معنى الحقيقة، عندما تكون الفكرة هي وحدة المفهوم والواقع. ومن الآن فصاعدا فهذا الكائن هو فقط ما تكون عليه الفكرة<. وسينقل باختين هذا التأكيد إلى اللغة المحسوسة للحوارية والغيريَّة Altérité. ودون أن يجعل من الرواية الدوستويفسكية رواية فلسفية، فهو يبرز كيف أن هذه الرواية هي مسرح لمناقشة الأفكار. والشخوص الدوستويفسكية هم منتجو إيديولوجيا طالما أنهم يحملون في ذواتهم حنينا إلى الحقيقي الموضوعي، وإلى المفاهيم المطابقة؛ لكن أفكارهم في الواقع هي أكثر إيديولوجية من الفكرة الهيجلية إذا أخذناها بمعنى >التمثلات< و>الآراء<. ويكفي أن نقارن >نظرية الرواية< للوكاش وهو كتاب هيجلي إلى حد كبير ويعود إلى سنة 1920، بكتاب >شعرية دوستويفسكي< لكي نلاحظ أن باختين يجعل الرواية تفقد وتتخلى عن مثاليتها. إنه يفعل ذلك مستعينا بوصف جِدَّة رواية دوستويفسكي التي تكمن في إبراز تصادم أنماط الوعي والذاتيات عبر مواربات الأفكار والآراء والتمثلات دون أن يقصي من الحقل الروائي البحثَ عن الحقيقة الموضوعية وعن المفهوم المطابق. إن هذا الاستدلال الحواري والمتعدِّد الأصوات الذي قام به باختين يقْلِب نظام التراتب الفلسفي للأفكار كما افترضه لوكاش في >نظرية الرواية<. فليس هناك تناقض بين >البطل الشيطاني< لدى لوكاش و>الشخصيات الحوارية< لدى باختين، ولكن أيضا لا يوجد بينهما تطابق. إن باختين يٍحَرِّر الرواية من ذلك الشعور بالذنب الذي يضعها فيه لوكاش عن حسن نية. (22). إن العودة إلى الإيديولوجيا بصيغتها في >الماركسية وفلسفة اللغة< تغيِّر نوعا ما الأهداف الحوارية والمتعدِّدة الأصوات. وهذه العودة تتم تحت راية إغراء إيديولوجَوِي سيكون وبالا على خصوصية الخطاب النقدي لدى باختين، تلك الخصوصية المؤكَّدة بقوة قبل هذه العودة إلى الإيديولوجيا بوصفها بنية فوقية. ومن البديهي أن النزعة الإيديولوجَوية السائدة في القسم الأول من الكتاب تكبح دينامية الإبستيمولوجيا الباختينية. وفي تقديري فإن هذا الكبح الذي يرجع إلى الأعراض المَرَضية المتزامنة يؤشر على الاحترام الواجب تجاه الأدلجة الرسمية لمفهوم الإيديولوجيا. وإذا تجاوزنا هذه الأعراض المرضية المتزامنة فإننا سنشهد أن مَلَكَاتِ باختين الحوارية والمتعددة الأصوات تتأكد وتتعزز وسوف يَظهَر باختين صاحب الكلام الجدلي حقا وصاحب التلفظ الذي يُلزِم نفسه دوما بمجابهة تجربة الآخر:
>إن كل تلفظ – مونولوج، حتى عندما يتعلق الأمر بكتابة على نصب تذكاري، يشكل جزءا لا يتجزأ من التواصل اللفظي. وكل تلفظ، حتى في شكله المكتوب الجامد، هو جواب على شيء ما ويكون مبنيا في ذاته مثلما هو. وليس التلفظ إذن سوى حلقة في سلسلة من أفعال الكلام. وكل كتابة تعد امتدادا لكتابات سبقتها تجادلها وتتوقع ردود فعل متفهمة وتظل في انتظارها، إلخ… إن كل كتابة تشكل جزءا لا يتجزأ من العلم أو الأدب أو الحياة السياسية<. (23)
إن الاستعمال الأمثل لباختين الماركسي يمر عبر تنْسِيب الإيديولوجيا بوصفها بنية فوقية، وعبر الاعتراف بكون الإغراء الإيديولوجَوِي هو الذي يقوم في الواقع وبواسطة مفاهيم مسخَّرَة لذلك بتأكيد الحركية الاجتماعية الكامنة في الكلام الإنساني.
ترجمـــة
حسـن بحــراوي – عبد الحميــد عقـــار
Wladimir Krysinski, Bakhtine et la question de l’idéologie, in Etudes *
françaises (Revue), vol. 20, N 1, Université de Montréal, Canada
والمقالة فصلة من المجلة بعث لنا بها المؤلف مشكـورا. وتجدر الإشارة إلى أن الهوامش المرموز إليها بالحروف الألفبائية هي من وضع المترجم، أما التي تحمل أرقاما فهي من وضع المؤلف. المترجـم.
—————————————–
هوامـــش الترجمـــــة
أ – نقترح الإيديولوجَوي مقابلاً مؤقتاً ل panidéologique . ويقصد كريزنسكي بالعبارة، المتعلِّق أوالمخصوص بالإيديولوجيا من حيث هي مقولة طاغية بل وكاسحة وتوجد موضع تقديس لأنها تشمل الكل وتوحِّد الكل وتعتبر مصدر الكل بالنسبة لحركة الذهن وإنتاج العلامات. ومن هذا المنظور ينتقد كريزنسكي تصور باختين للإيديولوجيا في ضوء تصورات أخرى، بعضها ماركسي، وبعضها سيميائي، وفي ضوء الاستعادة النقدية لتيمات كتاب الماركسية وفلسفة اللغة واصطلاحيته السائدة، والظروف السوسيوثقافية والإيديولوجية التي رافقت تأليف الكتاب ونشره في طبعته الأولى سنة 1929 موقّعا باسم فولوشينوف.
ب- Mikhail BAKHTINE, l’oeuvre de François Rabelais et la culture populaire au moyen âge et sous la renaissance, trad, du russe par Andrée Robel, Gallimard, Paris, 1970,
ت – ف . نيكولا ييفيتْش فولوشينوف (1895 -1936) . شاعر وعالم موسيقى حسب تودوروف (المبدأ الحواري، سوي باريس 1981) .ومؤرخ للموسيقى وشاعر رمزي مقلِّد بشكل سطحي بالنسبة لك . كلارك وم . هولْكيست (مجلة esprit ع 7 – 8، 1984 ص 121). وبعد عدة تقلبات في مساره الدراسي أصبح باحثاً بمعهد الدولة للثقافة الشفوية. وقد توفي سنة 1936 نتيجة إصابته بالسل خلافا لما أشيع عنه من أنه كان من ضحايا عمليات التطهير الستاليني. وقد شكل فولوشينوف مع أفراد آخرين أول حلْقة باختينية . وسيظل فولوشينوف هو الشخصيةالأكثر أهمية في البيوغرافيا الثقافية لباختين. وإذا كان من غير المقبول يلاحظ تودوروف أن نمحو ببساطة اسم فولوشينوف فالكتب أو الشذرات والمقالات الموقعة باسمه منفرداً أو بالاشتراك مع باختين تغلب عليها سمات الدوغمائية والتصلب المذهبي، وتميل نحو الإثباتات والتشديدات دون برهنة. ويذهب آخرون إلى أن دور فولوشينوف في المؤلفات المنشورة باسمه كان دوراً محدوداً جدا وبخاصة في مقال >الخطاب في الحياة والخطاب في الشعر< وكتاب > الماركسية وفلسفة اللغة< والذي كان العنوان من تأليفه. ويَبْرُز دور فولوشينوف أكثر في الكتاب المعنون ب > الفرويدية< .
ث – پافل نيكولا ييفيتش ميدفيديف (1891 – 1938) ناقد أدبي ذو شغف بالمسرح. كان خلال العشرينات بُلْشُفيا بمنطقة فيتسبك ، ورئيس تحرير مجلة >الفن< الموجهة للأنتلجيسيا المحلية. وقد تميز بين أعضاء الحلقة بطاقته الكبيرة على التنظيم. وكل ذلك وبسبب اهتماماته الثقافية سهَّل على الحلقة إنجاز عدة أنشطة وخاصة في مجال النشر. وقد توفي سنة 1938 حيث ذهب ضحية عمليات التطهير الستاليني بدعوى نزوعه الشكلاني وانحرافه الإيديولوجي، وقد أعيد له الاعتبار بعد وفاته . وباسمه نُشِر كتاب >المنهج الشكلي< سنة 1927 وكتاب >الشكلية والشكلانيون< سنة 1934، وهي آخر سنة يظهر فيها اسما فولوشينوف وميدفيدف باعتبارهما شريكين لباختين في التأليف، أو باعتبارهما اسمين مستعارين له. ويرى تودوروف أن كتاب >الشكلانية والشكلانيون< هو مجرد نسخة معدَّلة من الكتاب الأول، تتسم بالحِدَّة والقسوة في مهاجمة الشكلانيين وباللغة المبتذلة والفجة مداراة للسلطات الرسمية وإرضاء لها. في حين يعتبر كل من ك . كلارك وم هولكيست ان كتاب >الشكلية والشكلانيون< هو من تأليف ميدفيديف نفسه باستثناء شذرات مستلة من كتاب >المنهج الشكلي< الذي ألَّفه باختين ونشره باسم صديقه ميدفيديف للأسباب التالية :
* حاجة ميدفيديف إلى أن يعترف به في دوائر الحزب مثقفا مؤلِّفا ومساجلا ضد الانحراف الإيديولوجي الشكلاني.
* حاجة باختين إلى النقود لأن مداخيل زوجته من أعمال الخياطة لم تكن تكفي حتى لتأمين مؤونته من الشاي والدخان.
* ولأن باختين باعتباره >مؤمنا< معروفا لم يكن من السهل عليه ترويج بعض أطروحاته باسمه الشخصي.
ج – ميخائيل باختين، >شعرية دوستويفسكي<، ترجمة الدكتور جميل نصيف التكريتي، مراجعة الدكتورة حياة شرارة، دار توبقال للنشر الدار البيضاء، 1986 .
ح – ميخائيل باختين، >الماركسية وفلسفة اللغة<، ترجمة محمد البكري ويمنى العيد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1986 وقد حذف المترجمان من ظهر الغلاف اسم ف . ن فولوشينوف “شريك” المؤلف المثبت في الترجمة الفرنسية، باريس، مينوي 1977 والتي عنها تمت الترجمة إلى العربية .
ومعلوم أن الجدل الخاص بمسألة كتابات باختين المُوقَّعة باسماء مستعارة أو شريكة بدأ حسب تودوروف سنة 1973 عندما أكد ف . ف إيفانوف Ivanov السيميائي الروسي المعجب بباختين أن النص الأساسي للأعمال الموقعة باسم ميدفيديف أو فولوشينوف وضمنها كتاب “الماركسية وفلسفة اللغة” هو من تأليف باختين وأن حَواريَيْه مسؤولان فقط عن بعض التعديلات والتشذيبات، وهو نفس الرأي الذي سبق أن أكده رومان جاكبسون في تقديمه للكتاب.
خ – خلافا لكريزنسكي الذي يستعمل للدلالة على حالة الانتحال أو التأليف والنشر باسم الغير عبارة hétéronymie، يستعمل تودوروف في كتابه >المبدأ الحواري< للتعبير عن نفس الحالة عبارة pseudonymes أي الأسماء المستعارة. وبالنسبة لك . كلارك وم .هولكيست فالأمر يتعلق بكتاب من تأليف باختين وفولوشينوف. في حين أكَّد ر.جاكبسون أن كتاب > الماركسية وفلسفة اللغة< من تأليف باختين وقد صدرسنة 1929.1930 في لينينغراد باسم فولوشينوف قصد مواجهة الجعجعة اللفظية والوثوقية السائدة خلال هذه الحقبة. ويضيف جاكبسون قائلا إن تلامذة باختين وحوارييه قاموا ببعض التشذيبات على النص وحتى على العنوان لتمكين الكتاب من النشر والتداول.
د – هذه الدراسة تمثِّل اليوم القسم الأول من كتاب م . باختين >جمالية الرواية ونظريتها< ، غاليمار، باريس، 1978، وتغطي الصفحات (21 – 82) ، وهي أول دراسة صدرت لباختين وذلك سنة 1924 .
ذ – وهي ليست بدون دلالة حتى بالنسبة لسيرة باختين وحياته الشخصية والفكرية. ذلك أنه في سنة 1929 أعتُقل باختين لأسباب يٍُعتقد أنها ذات صلة بارتباطاته بالمسيحية الأورثوذوكسية، وقد حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، خُفِّفت لأسباب صحية إلى حكم بالنفي إلى قازاخستان (تودوروف ، المبدأ الحواري) .
ر – ميخائيل باختين، الخطاب الروائي ، ترجمة وتقديم محمد برادة، دار الأمان، الرباط، 1987، ودار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة1987. وهي القسم الثاني من كتاب >جمالية الرواية ونظريتها<، وقد كتبها باختين خلال سنوات 1934 – 1941 .
ز – العمل أو الفن الهالي Auratique عبارة اقتبسها أدورنو من والتر بنجَامين. وكان هذا الأخير يشير بها إلى الفن الكلاسيكي القليل القدرة على التواصل مع الجمهور، والمتسم بالتأمل ورفض الخلط بين الأساليب، وبالفردية والنزوع نحو التعالي والخصوصية. ويشير بها أدورنو في كتابيْه > فلسفة الموسيقى الجديدة< و>النظرية الجمالية< إلى الفن غير الشذري أي إلى الفن غير الحداثي .
س- Wladimir Krysinski, Variations sur Bakhtine et les limites du carnaval, in Carrefours de signes: essais sur le roman moderne, Mouton, 1981, pp. 311-344.
-ففي هذا النص يقدم كريزنسكي مراجعة نقدية لمفهوم باختين عن الكرنفال، ويدحض ما يتسم به تصور باختين من إطلاقية وتجزيئية أحياناً. وذلك من خلال التحليل النقدي لأعمال روائية معاصرة استوعبت الخصائص الكرنفالية، ومن خلال استظهار أعمال نقاد وشرّاح آخرين درسوا الكرنفال باعتباره ظاهرة ثقافية
هـــوامــش المولـــف:
1- M. Bakhtine , ”Le problème du contenu, du matériau et de la forme dans l’oeuvre littéraire”, dans Esthétique et théorie du roman, tr. du russe, Paris, Gallimard, 1978, p. 47.
2- Loc. cit., p. 47.
3- حول مسألة إدانة الثورة الدائمة لتروتسكي من طرف ستالين انظـر:
Issac deutscher,stalin, penguin books, 1982, surtout le chapitre “the general secretary” , p .232 -295
4- Cf. la préface de Kostas Axllos à Histoire et con
science de classe, Paris, Minuit, 1960, p. 4-5.
5- Cf., K. Mannheim, Ideology and utopia, London, Routledge , 1960, p. 66.
6- K. Korsch, Marxisme et philosophie. trad. de l’Allemand par Claude Orsoni, Paris, Minuit, 1964, p. 118.
7- Cf. à ce propos les observations de W. Marciniak dans son étude “De l’objectivité de la parole” (…) dans “Bakhtin, Dilalogue, Langue, Littérature”, édité par E. Czaplejezyk et E. Kasperski, Varsovie, PWN, 1983, p. 538.
8- G. Lucàcs, Histoire et conscience de classe, trad. de l’Allemand par K. Axelos et J. Bois, Paris, Minuit, 1960, p. 252.
9- . Cf. surtout La fausse Conscience, Paris, Minuit,
1962.
10- . Cf. Les études “Utopie et psychopathologique”, “Rêveries utopiques chez un schizophrène”, , , “Mensonge et maladie mentale”, “Le problème de la psychiatrie sociale” dans Idéologie, Paris, Anthropos, 1974.
11- A. M. Bakhtine (V.N. Volochinov), Le Marxisme et la philosophie du langage, Essai d’application de la méthode sociologique en linguistique, trad. du Russe et présenté par Marina Yaguello, Paris, Minuit, 1977, p. 31.
12- K. Marx et Fr. Engels, L’idéologie allemande (1ère partie), Paris, Ed. Sociales, 1972, p. 73.
13- Cf. Le Marxisme et la philosophie du langage, p. 42 .
14- Cf. op. cit., p. 43.
15- 15. Cf. op. cit., p. 42-43-44 .
16- Rosa Luxemburg, “Discours devant le tribunal de Francfort”, dans Textes, réforme, révolution sociale, démocratie, édité par G. Badia, Paris, Editions Sociales, 1982, p. 1976.
17- M. Jimenez, Adorno: Art, Idéologie et théorie de l’art, Paris, Editions 10/18, 1973, p. 313-314.
18- M. Bakhtine, op. cit., p. 65.
19 – M. Bakhtine, op. cit., p. 67.
20- .Cf. F. Rossi-Landi, Idéologie, Milano. ISEDI, 1979 .
21- 21 Lefebvre et H. Guterman, Paris, , Gallimard, Idées, 1969, p. 275.
22- Cf. G. Lukàcs, La théorie du roman, Paris, Ed. Gontier, bibliothèque Médiations, 1971, p. 155.
>إن الرواية هي الشكل المقابل للعهد الذي أطلق عليه فشته Fichte عهد الإثم الكامل. ولسوف يبقى هذا الشكل سائدا طالما بقيت سماء العالم مرصعة بهذه الكوكبة من النجوم<. انظر الترجمة العربية للكتاب، الحسين سحبـان، منشورات التل، الربــاط، 1988، ص. 149. (المترجـم)
23 M. Bakhtine, Le marxisme et la philosophie du langage, p. 105-106.
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6740