عمر حلي – كلية الآداب – أگادير
إن التفكير في حدود الأنواع مسألة شائكة رغم البساطة التي قد توحي بها في الظاهر. ومهما تحدثنا عن القضايا النوعية، فلن نفيها حقها الكامل من الدراسة ولن نلمَّ بكل جوانبها، نظرا لارتباط التفكير في الأنواع باستراتيجيات نظرية ومنهجية تحكمها وجهات النظر وتحتم الاستناد إلى مقولات دون غيرها وتفرض من ثم خلاصات تعبر في الواقع عن الاختيارات التي نحملها عنها أكثر مما تعبر عن الواقع التجريبي للنصوص الأدبية ذاتها. ضمن هذا المنظور، نقترح الحديث في هذا المقال المركز عن السيرة الذاتية باعتبارها نص سرديا، محاولين إثارة بعض الاشكاليات المنهجية العامة التي يثيرها عادة الاهتمام النقدي بها.
لقد عهِد الدارسون في العقدين الأخيرين اتباع الطروحات النظرية التي تراكمت حول السيرة الذاتية، واطلعوا بذلك على أهم الإضافات المنهجية التي اصطحبتها الموجة الجديدة في النقد الشعري، خاصة في مجاله الفرنسي لدى فيليب لوجون مثلا. ولن نُقْدِم هنا على تركيز النظريات أو المفاهيم التي همت الموضوع، بقدر ما سنسعى إلى مساءلة أولية للاستراتيجيات العامة التي تولدت من جراء التأثر بهذه الدراسات رغم تضمن الكثير منها لإشراقات منهجية وتطبيقات مستحسنة لعدد من هذه المفاهيم التي غدت اليوم معروفة ومتداولة في نقد النوع مثل العقد والميثاق والتطابق وغيرها.
إن ما نلاحظه في راهن دراسة النوع يحمل علامات عديدة على ارتكاس في المجال التطبيقي الذي يشمل السيرة الذاتية. ونعتقد أن ذلك ناتج بالأساس عن تمفصل الاهتمام بالسيرة الذاتية إلى شقين، يستدعي أحدهما المفاهيم العامة التي تضبط عقود القراءة، ويتطلب الثاني الخروج من دائرة شروط الميثاق للبحث عن أفق ( آفاق ) لتعميق الممارسة النقدية في اتجاه الإلمام بمستويات النص السيرذاتي بعد تجاوز عتباته. وقد اكتسى هذا التمفصل طابعا إشكاليا يُملي تعديل التفكير في النوع من خلال مراعاة الإضافات الأساسية التي قدمتها الساحة الأدبية وتطويع الأداة النقدية لخدمة هذا التراكم.
في هذا الإطار، نعتقد أن الاعتماد في تناول السيرة الذاتية على خلاصات نظرية لاتجاه واحد لم تعد كافية، كما لم يعد من المستساغ الاكتفاء بأحاديث لا تتجاوز مواثيق النصوص إلى عوالمها الداخلية ولا تهتم ببنيات النصوص السيرية الذاتية التي قدمت ( وتقدم ) العديد من الإمكانات السردية الداعية إلى التأمل والتبصر. وبذلك، أصبحت حدود الممارسة النصية تتطلب التفكير ضمن أفق تأسيس تقليد تحليلي للنصوص الأوطبيوغرافية يحترم تحققاتها التجريبية ولا يتجاهل في الوقت ذاته حقها في اختراق مجهولات ممكناتها.
إن من يطلع على النقد العربي حول السيرة الذاتية بوجه عام، والنقد المغربي بوجه خاص، يلاحظ تأثرهما النظري بأعمال المنظر الفرنسي ف . لوجون ؛ وغير خاف أن هذا التأثر خرج بنقد النوع من الحكم العام الذي كان سائدا حول السيرة الذاتية باعتبارها مجرد جسر للعبور إلى كتابة الرواية، أي السيرة الذاتية باعتبارها مجرد مرحلة انتقالية نحو تأسيس النوع الروائي التخييلي ستزول بزوال مبرر وجودها، إلى حكم أكثر نسبية يدعوإلى معالجة النصوص في ذاتها والحديث عنها باعتبارها كلا مستقلا بكيانه. غير أن التطور الذي حققته الممارسة النقدية لم يغير في شيء التهميش الذي تعاني منه السيرة الذاتية في خريطة الأنواع والاستصغار الذي ما زالت تمثله في عيون الباحث و الناقد إلى حد جعلها تنكمش وتكاد تندثر لولا الطفرة التي حققتها النصوص السردية في السنوات الأخيرة بعودتها إلى عوالم الذات تنهل منها وتؤسس انطلاقا من التغني بها لاستراتيجيتها الخطابية الجديدة.
وبذلك، فإن ظهور العناوين الجديدة للنصوص السيرية الذاتية التي نشرت في أواخر عقد الثمانينات والجزء الذي عشناه من عقد التسعينات (1) هو الذي يبرر تعديل التقويم العام الذي يؤطر الاهتمام بالنوع، لأن حضور هذه النصوص أصبح ملْزِما بتفكير حقيقي في ماهية التجربة ومساراتها الإبداعية وفق منظور يسمح لنا بالانتقال من مواثيقها العامة إلى بنياتها، ومن عقودها إلى تحققاتها النصية.
لنبادر بالقول إذن بأن ما أنتجه الاتجاه الشعري من مقولات حول السيرة الذاتية يمتاز بكونه غيَّر العديد من البديهيات التي كانت سائدة حول الكتابة عن الذات التي كانت تدور في الجزء المهم منها في فلك مفاهيم أخلاقية من قبيل ” الأمانة” و”الصدق”. فقد نقلتنا التجربة الشعرية الجديدة إلى مفاهيم أكثر علمية ومدت الدراسات النقدية المعاصرة بالعديد من المفاهيم والأسس التي أصبح في مقدور الباحث ضبطها عن طريق أدوات إجرائية علمية لا نشك في نجاعتها، ولكن يجب ألا ننسى أن تجاوز عتبات النصوص، يقود حتما إلى العودة للنهل من مفاهيم وأدوات لا تخص السيرة الذاتية بمفردها، بل هي نفسها المفاهيم المعتمدة في السرديات عموما، سواء أتعلق الأمر بالرواية أم بالسيرة الذاتية. كما لو أننا نقف اليوم عند مدلول السؤال النظري الذكي الذي تضمنه عمل فيليب لوجون التأسيسي: > كيف نميز السيرة الذاتية عن رواية السيرة الذاتية؟ يجب أن نعترف بأنه لاوجود لأي فارق إذا بقينا عند مستوى التحليل الداخلي للنص. فكل الأساليب التي تستعملها السيرة الذاتية من أجل إقناعنا بواقعية محكيها، يمكن أن تقلدها الرواية، بل وقد قلدتها في كثير من الأحيان <(2).
هنا إذن، يكمن موطن الالتباس المنهجي الجوهري في قراءة النصوص السيرية الذاتية. وسيكون على الممارسة النقدية أن تستبدل التداخلات النصية المفترضة بين الخطاب الروائي والكتابة السيرية الذاتية بوعي يُمارس على صعيد التلقي الخاص للأنواع المرجعية الشخصية ( مذكرات-سيرة-سيرة ذاتية- يوميات – اعترافات- رسائل …)، علما بأن التداخلات التي تحدث عنها لوجون لم تكن وقتئذ قد برزت بما فيه الكفاية، وزادها مرور الأيام بروزا مع ظهور نصوص جديدة لا تخضع لكل الإكراهات النوعية السابقة، كما حصل في الكتابات السردية العربية مع ظهور نصوص ذات ميولات جمالية خاصة مثل نصوص إدوارد الخراط أو سليم بركات مثلا.
فالسؤال الذي أصبح ملحا اليوم في مجال التمييزات النوعية لم يعد متعلقا بكل حال من الأحوال بالحدود الخارجية العامة للأنواع، بقدر ما أصبح يستدعي تأملا في بنية الأعمال الأدبية وحيطة من الوقوع في التباسات منهجية تؤثر سلبا على تلقي تلك الأنواع. وما الدلائل العديدة التي تقدمها قراءات النصوص الروائية المغربية- مثلا- سوى نموذج واضح على مثل هذه الالتباسات، تماما كما حدث مع نص: دليل العنفوان لعبد القادر الشاوي مثلا، عندما رأت بعض القراءات النقدية أن ” لا شيء يمنع من أن نتعامل معه كرواية …] مثلما لا حاجز يمنع من مقاربة النص باعتباره سيرة ذاتية< (3)، أو كما يتجلى ذلك في العديد من النقاشات التي أثارها نص كان وأخواتها لنفس الكاتب، أو لعبة النسيان لمحمد برادة وغيرهما. وكلما خرج نص تجريبي جديد إلى الوجود هب الناقد إلى البحث عن مسوغات تبيح له إدراجه في سجل الكتابة الأطوبيوغرافية، ليبرر بعد ذلك ما ستجود به قريحته النقدية وجعبته النظرية من مفاهيم قد توحي في بداية الأمر بانشغالات سردية علمية، ولكن تفحصها عن قرب يعري في أغلب الأحيان طابعها المشوش والمصطنع. ومما يثير الاستغراب أثناء تقليب أوجه التداخلات بين الروائي والسيري الذاتي في الدراسات النقدية، هو اطلاعها وإحالتها على الإنجازات النظرية السردية التي تراكمت حول السيرة الذاتية وحول الرواية وإصرارها – مع ذلك- على الخلط بينهما. وما كان لها أن تقع في ارتباكات منهجية عديدة لولا استخفافها بغواية الشكل وسقوطها في حبال التضليل الجمالي الذي تمارسه النصوص.
ومن بين هذه التضليلات الجمالية وأكثرها تواترا في حالة السيرة الداتية، ما يتعلق بالضمير الشخصي النحوي المعتمد في النصوص، خاصة في حالة اللجوء إلى ضمير لم يُعتد استخدامه في نوع سردي ما مثلما يقع بالنسبة لاستخدام ضميرالغائب في السيرة الذاتية، أو للجوء الرواية إلى ضميرالمتكلم مع أن البحث اللساني أوضح بما فيه الكفاية أن للضمائر الشخصية موقعا غير قار في البنية الخطابية يجعلها مكونا ” فارغا” يحتاج لمن يمنحه دلالاته. هذا بالاضافة إلى أن النصوص نفسها قد تجاوزت معيار الضمير بانتقالاتها وتنويعاتها. وبذلك، فإن ما نعيشه في نقد السيرة الذاتية والرواية العربية هو بصمات لأوهام في طريقها إلى الاندثار، على اعتبار أن السرديات خلُصت منذ سنوات إلى أن >استعمال ضمير المتكلم لا يعني بالضرورة أن السارد متماثل حكائيا، إذ يجب بالإضافة إلى ذلك أن يكون أحد شخصيات عالم الحكاية …] وعلى العكس من ذلك، فإن تبني ضمير الغائب لا يعني أن السارد ليس شخصية< (4).
هكذا لن نضيف شيئا جديدا إن قلنا بأن التجربة النصية العربية وتنويعاتها هي التي تستدعي الآن نقاشا مثل هذا بدأت تباشيره منذ الاهتمام النصي بالسيرة الذاتية الأولى في الأدب الحديث، مثلماوقع مع سيرة طه حسين الذاتية ” الأيام ” التي اعتبرت مساسا بأسس السيرة الذاتية ومخاتلة اربكت النقاد لتخلي النص عن ضمير المتكلم، وقد يستمراليوم بالنسبة لنص مثل ” سِفر التكوين ” لعبد الكريم غلاب إذا لم يتخل النقد عن معيار الضمير ليهتم بالأصوات السردية. كما سيظل آثما كلما جعل قراءته مخاتلة وكلما سعى إلى تجاهل مواثيق القراءة التي تقترحها النصوص في علاقة مع نحت تضاريس جديدة لشعاب العالم السردي المستعاد.
ففي الوقت الذي لا تطرح فيه النصوص الروائية التي أشرنا إلى بعضها مشكلا أثناء قراءتها رغم المشابهات الجائزة بين حيوات شخصياتها وحيوات مؤلفيها، نجد أن النقد يميل إلى تأسيس تشويشات في مقامات تلقيها بإقحامه لنقاشات تحكمها خلفيات التحقيق أكثر مما تخضع لآليات التحليل السردي، ويمكن أن نعود إلى المواثيق التي تقترحها تلك النصوص لنتبين كيف أن أغلبها واضحة لا غبار على انتماءاتها النوعية ( مثلا ” رواية” بالنسبة دليل العنفوان ولعبة النسيان أو ” سيرة ذاتية روائية ” بالنسبة الخبز الحافي أو زمن الأخطاء لمحمد شكري أو الضريح لعبد الغني أبو العزم )، ولكن جحود النقد مصر على المشاكسة التي تصل إلى حد العبث.
لماذا أثرنا هذا النقاش ووجهناه هذه الوجهة ؟
1- ربما لغيرة وهمية على حدود مفتعلة بين الأنواع الأدبية. ولكن السبب الأهم يكمن في أن الإبقاء على التداخلات بين السيرة الذاتية و الرواية لن يسهم في تطوير العمل النقدي المنشغل بقضايا هذين النوعين؛ ولن نجانب الصواب إن قلنا بأن السيرة الذاتية تعاني أكثر من الرواية من النتائج السلبية لهذا التداخل. ويكفي لندرك ذلك، أن نعلم بأن الاختيارات المنهجية المتولدة عن تعويم الحدود تؤدي حتما إلى تبني آراء سريعة من قبيل أن > الرواية مركب تخييلي معقد، لأن الاستعارة تقوم فيه بدور كبير، أما السيرة الذاتية فهي مركب بسيط < (5). ولهذه الأسباب، نعتقد أن علينا أن نستفيد منهجيا من الخطوة التي أقدمت عليها تجارب نقدية شجاعة، كتلك التي عبر عنها أحمد اليبوري في ” دينامية النص ” عندما اختار مسلكا منهجيا قلما نعثر عليه في ممارستنا النقدية، هو مسلك تصويب ذاتي أتاح له إعادة النظر في تصنيف سابق لنص ” لعبة النسيان ” التي كان قد رأى ” شخصيا في فترة معينة أنها تتأرجح في بنيتها العامة بين السيرة الذاتية و الرواية؛ لكن بدا لـ ه] بعد قراءتها من جديد، أنها لا تختلف عن جل الروايات المغربية، حتى لا نقول العالمية في انطلاقها من التجربة الشخصية “، ثم توج ذلك بإرجاع الأمور إلى نصابها من خلال التمسك بأن > جل السير الذاتية توحي بطاقة خلاقة، وبالتالي تخييلية تدفع الكاتب ألا يحتفظ من حوادث وتجارب حياته إلا ما يمكن أن يدخل في تشييد نموذج متبنين < (6)
وهكذا يتجاوز اليبوري رأيه السابق ويصوبه، ثم يسهم في توجيه الممارسة النقدية نحو البحث عن الفروق الجوهرية بين التجربة الحياتية التي يمكن أن تمد المادة القصصية التخييلية ببعض عوالمها، وبين السيرة الذاتية باعتبارها اختيارا جماليا لاستعادة المعيش الشخصي وفق مسارات ليست دائما بسيطة كما نتصورها؛ وهما أمران يحتاجان إلى تأمل منهجي ونظري بعيدا عن الأساليب الفجة لعقد مشابهات بين الحياة التجريبية للمؤلفين والإيحاءات المرجعية للنصوص دون اعتبار للسياقات التواصلية والتلفظية لهذه الاخيرة.
لذلك، لن ندافع هنا عن النوع، بل سنكتفي بالإشارة إلى وجود نصوص سيرية ذاتية عربية تفند الرأي السائد حول الكتابة الذاتية، لما فيها من حضور مكثف للاستعارة وللحلم، واعتماد على اللعب الشكلي والسردي وتوظيف لتداخلات الأصوات السردية مضاهية بذلك نوع الرواية. في الوقت الذي توجد فيه روايات لا تغدو أن تكون ” مركبا بسيطا “. وهذا الواقع كاف ليبعث على إعادة ترتيب أوراقنا النقدية في هذا المجال.
2- ربما خوفا من إحداث تمويه مفهومي يسهم في إفقاد المصطلح حدوده المنهجية. فهناك دراسات لم تراع حدود الأنواع، وذهبت إلى استخدام مفاهيم لم نعثر لها على أصل نظري مثل “السارد الأوطوبيوغرافي ” و ” السارد بضمير الغائب ” في نص روائي. واستبدلت البحث في الأصوات السردية داخل الكتابة الروائية والسيرية الذاتية بسذاجة تبسيطية تختزل العالم السردي في الضمائر البارزةعلى سطح النص. ولنذكر هنا بإبداء العديد من أهل الدراية والعلم بالسرد لتحفظات واضحة من استخدام تعبير” السرد بضمير المتكلم ” أو ” السرد بضمير الغائب “(7)، واجتناب العديد منهم للخلط الذي يمكن أن ينتج عن مثل هذه التعارضات، كما يتضح ذلك في الفقرة الآتية :>بالغ النقد الأدبي، دون شك، فيما يتعلق بالتعارض بين المحكي بضمير المتكلم والمحكي بضمير الغائب …] ، فالتعبير الشائع : بـ “ضمير المتكلم ” غير دقيق، لأن هناك، من جهة، محكيات سيرية ذاتية بضمير الغائب …] ولأن السارد يمكنه من جهة ثانية في النظام المسمى بـ” ضمير الغائب ” أن يتدخل بضمير المتكلم: وتفضل السرديات أن تقيم تعارضا بين السارد الحاضر في القصة ( مثلي القصة ) التي يرويها والسارد الذي يغيب فيها ( غيري القصة < (8).
3- نظرا لأن الدفع بالبحث في السيرة الذاتية نحو الأمام لا يمكن أن يتم إلا :
أ- بصيانة مبدأ التطابق الذي تقوم عليه. وهو تطابق تتحقق أهم عناصره في مرحلة ما قبل النص، أي في العتبات ( العنوان، العنوان الفرعي، اسم المؤلف، السلسلة ..)
ب- العمل بموازاة ذلك، على معالجة عوالمها النصية بناء على تحليل بنياتها الداخلية التي قد تحتوي على تتمة لعناصر ذلك التطابق، دون أن يلغي عناصرها السردية الأخرى التي لا يليق بالباحث أن يتحاشى الخوض فيها.
4- ومن شأن ذلك كله أن يقدم في نظرنا ترسيمة أولية للبحث في السيرة الذاتية، تبدأ بالاستناد إلى نظرية التلقي وتنتهي إلى النظرية التداولية مرورا بإفادات الشعريات والسرديات. ويعني ذلك أن السيرة الذاتية :
أ- تفترض التقليص من الإيمان المطلق بالنص باعتباره عالما مغلقا ومكتفيا بذاته، لأنها تعيد الاعتبار للمؤلف وللعناصر المصاحبة للعمل ( هذه المرة بمفهوم مغاير ومثمر منهجيا )؛
ب- تستدعي تنسبيا للقراءات الآلية، وعودة حقيقية إلى تأمل علاقة المعالجة النقدية بالنصوص في ضوء مستجدات التداولية التي تراعي التغيرية في الإنجازات النصية وتدفع بذلك في اتجاه نفي وجود أشكال فطرية مطلقة للنوع الأدبي.
وما دامت النصوص الروائية ونصوص السيرة الذاتية قد سارت في اتجاه تعميق الوعي بالكتابة، وأصبح العديد منها يمثل حلقات تجريبية ذات أبعاد شكلية ودلالية جديدة، فإن على النقد أن ينصت لنبضها وأن يصقل مفاهيمه ليس لضبط حدود النصوص بل لإدراك مواطن تنطعها على الإكراهات السابقة .
———————————————-
الهوامش
1 – ” رحلة جبلية… رحلة صعبة – ” ” الرحلة الأصعب “لفدوى طوقان، ” زمن الاخطاء ” لمحمد شكري، ” شارع الأميرات ” لجبرا ابراهيم جبرا، “الضريح ” لعبد الغني أبو العزم ، ” صور من الماضي ” لهشام شرابي “، “كناسة الدكان ” ليحيى حقي، ” الرحيل ” للعربي باطما، ” سفر التكوين ” لعبد الكرييم غلاب .
2- Lejeune , Philippe :” Le pacte autobiographique “, ed Seuil ;coll Poétique Paris 1975 , p 26
3- محمد علوط : في الخطاب الروائي المغربي، نص الذات وأوهام الشكل. قراءة نقدية في “دليل العنفوان ” لعبد القادر الشاوي. مجلة آفاق، عدد 1 – 1990 ص: 186، ويستند محمد علوط إلى ما كان عبد الحميد عقار قد كتبه بشأن النص المقصود معتبرا إياه سيرة ذاتية.
4- واين بوث : “نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير”، ضمن كتاب نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير. ( مؤلف جماعي ) ترجمة مصطفى ناجي، منشورات الحوار الاكاديمي والجامعي ط 1 1989 ص 103.
5- محمد علوط ، م. س . ص 188
6- احمد اليبوري: دينامية النص الروائي ، منشورات اتحاد كتاب المغرب، ط 1 الرباط 1993، ص 56. و الرآي الاخير في القولة هو لنورثروب فراي كما يشير إلى ذلك أ . اليابوري.
7- voir: G Genette : ” Discours du récit ” in Figures III ed Seuil, coll poétique Paris 1972 p 251. et Nouveau discours du récit ed seuil Paris 1983 p 65
8- Massimo Fusillo : Naissance du roman ; Ed Seuil ; coll Poétique Paris 1991 p 166
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6749