علال الحجام – جامعة الأخوين
1- عتبة أولى
في قراءة أولى للنص الموازي لمجموعة >أنين الأعالي< (ü) للشاعرة وفاء العمراني، تستوقفنا علامة دالة بدءا من الغلاف، هي تمييز الجنس الأدبي للكتاب، فقد وقع الناشر في إسار التلقي السائد فجرد كلمة >نصوص< من صفتها الافتراضية >شعرية<، وجعلها حلا لتصنيف نوعه ضمن جنس غامض مراوغ توحي به كلمة >نصوص< المجردة التي تحاصرالمجموعة وتجثم على غلافها، فاتحة باب التأويل على مصراعيه، وله عندنا عدة صيغ منها :
ا-إما أن هذه النصوص هي نصوص شعرية مطابقة للتحديدات التي كرستها الشعرية العربية القديمة0
ب – أو أنها نصوص أدبية غير شعرية توجد في منطقة أخرى مختلفة عما يكون عليه النص الشعري0
ج- أو أنها نصوص شعرية، لكنها في اختلافها، تستدعي صيغة من صيغ التحفظ، وكأنا بالناشر يجترح هذا الاختيار درءا لاحتمال كل رفض أواعتراض أوتأويل من طرف المتلقي الضمني للمجموعة الشعرية0
ونظن أن الناشر كان أميل إلى الصيغة الثالثة، لأنه ما كان ليقدم على نشر المجموعة لولا اقتناعه بقرابتها للشعر، علما بأنه قد سبق له أن نشر أكثر من قصيدة في مجلة >الآداب< تندرج ضمن قصيدة النثر، لكنه ربما ظل يشعر بعدم انسجام هذه المجموعة مع الشعر السائد، متوقعا الصدمة التي قد يحدثها لدى المتلقي النمطي0
وبدون أية نية مبيتة للحكم على هذا الصنيع حكم قيمة يصنفه في خانة الخطأ أوالصواب، فإن ما يمكن استخلاصه هو استمرار فهم الشعر على أنه الموزون المقفى مضافة إليه أشياء أخرى0
2- عتبة أخرى
والغريب أن الناقد العربي لا يزال لحد الساعة يستنكر وجود هذا النوع الجديد من الكتابة الشعرية، بجريرة جذوره الغربية، في وقت لا يجد فيه أي حرج في تقبل أجناس أدبية جديدة أخرى طارئة على الحياة الثقافية العربية مثل الرواية والمسرحية رغم أصولهما الغربية الصريحة، وسبب هذا يكمن في كون قصيدة النثر>تتعرض لقدس الأقداس الأدبي عند العرب، أي الشعر، بمفهوم جديد، مغايرله تماما<(1)0
وكيفما كانت الحال، فإن من أهم ما غنمه الأدب العربي الحديث هو تمكن النثر من التمرد على واقع تاريخي جارح >حرمه زمنا طويلا، من خصائص ظلت حكرا على الشعر وحده : تدنيه من نبض الروح، وتعلي من هيمنته الأخاذة الغامضة على أنماط التعبير الأدبي الأخرى، وتمنحه أفضلية تاريخية ساحقة في التصدي لمباهج البشر وتصدعاتهم والتعبير عنها بطريقة تحفل بالإثارة< (2)0
ولذلك تطرح المجموعة في نظرنا مشكلا لا يزال قائما في التلقي العربي للشعر، ألا وهو مشكل تجنيس قصيدة النثر الذي يطرح بدوره مشكلا ثانيا هو مشكل تلقيها بواسطة قناة ووسائط لا تخلو من تشوش0
فمن الناحية الأولى لا نعتقد أن ثمة وعيا ناضجا يحيط بقضايا قصيدة النثر النظرية، وإنما هناك فقط مغامرة إبداعية تشق مجراها وسط أساس شعري جعلته بنية البيت صلبا صلابة الحجر، وأضفى عليه نظام الشطر التفعيلي تمنعا ليس من السهل إسقاطه أو تخطيه0
ومن الناحية الثانية كان من الصعب على قارئ منمط -يجر وراءه تاريخا من تكريس نوع معين من الشعر، في وسائل الإعلام وآليات النشر، والأنظمة التربوية والثقافية- أن يتخلى عن تقاليده في قراءة الشعر وتمييزه ، فيقرأ قصيدة النثر ببرودة دم متناهية.
هكذا فإن أول ما يطرح في هذه المجموعة هو مسألة الشعر غير الموزون ولا المقفى، أو الشعر الخارج عن انضباط السرب التقليدي، وهو شعر يقدم نفسة بصور مختلفة ، أكثرها تداولا صيغة قصيدة النثر، إلى جانب صيغ أخرى مثل الكتابة الجديدة والحساسية الجديدة، أو في غير الحر ولا العمودي، وغيرها من الاصطلاحات0
لكننا إذا تأملنا هذا الخروج بتمعن، وبقطع النظر عن المزايدة به في حقل نقد الشعر العربي من طرف الشعراء النقاد أنفسهم، فسنجده يندرج ضمن سياق البحث عن وسائل جديدة للتعبير، وخلق أفق للتجريب الشعري، لا غرو أنه يطرح أسئلة كثيرة لم يُجَبْ عنها لحد الساعة الإجابةَ الكافية، نظرا لهيمنة الشعرية العربية القديمة من جهة، وعدم تفكير العاملين في حقل الشعرية العربية الحديثة في تأمل قضايا قصيدة النثر التأمل الهادئ- ولا أقول التقعيد لها- والتغلغل فى تخوم أرض مظلمة شاسعة تحتم إضاءتها، بدل السجال العقيم الذي يكتفي بأن يكون لحظةً للتغني بها، أو ردَّ فعل انفعالي لذمّها وإلغائها، فيما نحن في حاجة الآن إلى محاورتها برقة بعيدا عن سلطة المعيارية الفظة، قريبا من نسغ الإبداع0
3- ملكوت الذات
إن >اللعب يجمع ما بين البشر بحيث ينسى كل منهم ذاته في غمرة اللعب0 أما في الشعر فنحن نرى أن الإنسان ينكبّ على عمق أعماق وجوده في العالم، وبذلك يتوصل إلى الدعة< (3)0 وتأسيسا على هذا المكون، يمكننا أن نفهم هذا التمركز الشعري حول الذات لدرجة النرجسية، في مثل قول وفاء العمراني :
ولدت من عاطفة لا كالحب، لا كالبغض، غير
أنها، كثيرا، تشبه الكبرياء0
ما أرادوني، لكني خرجت رغما، حينما أنا
اشتهيت0
قبل البدء ماهيت العصيان
أعلنت أنني والعصر
على شفير الغربة، شطران
أنني والزمن أبدا0 (4)
في البدء كانت الذات هي المركز، وهي لا تكتفي هنا بالإفصاح عن نفسها، وإملاء تعاليم كبريائها وعنفوانها دفاعا عن حقها في الوجود الإرادي باعتبارها مركز العالم، لكنها تمعن أيضا في التماهي مع اللغة، وإضرام النار في بيادرها بفيض عارم من الحمم، لا شك أن الضمائر العائدة على السارد الشعري، بعضٌ من لهيبها، لمَ لا؟! لنتأمل هذه الصور :
ملأى بأدغال الشك
جسدي منبع كل شئ
استسلمي لمزن أنوثتك
تأخذك أصوات الفرادة
أعلم السماء أن تعلو / أعلمهاالغواية
إن الذات كما تتجلى في هذه المجموعة موسومة بالتحدي السافر للآخر الذي يبرز حاجزا أمام حركتها، ومسكونة بالإمعان في الشك، وهذا أمر ناتج عن الشعور بجدارة مركزيتها، لذا تطفح القصائد بتعابير وصور تحتفي أشد ما يكون الاحتفاء بالقدرة على الفعل في عالم يحاصرها حصارا مريرا، وتترك الهامش طرة تليق بالبقية الباقية؛ إدراكا لأهمية الفعل الشعري وضرورة تبوئه الصدارة في عصرتجرد فيه السلطة الإنسان من إرثه الروحي، وقيمه الجميلة، مخضعة إياه لانضباط المؤسسة وقوانينها القاهرة ضاحكة ومكشرة0
وربما كان هذا الملمح من أجمل ما يميز شاعرتنا، لأن الذات والخاص والصميمي والحميمي مكونات كثيرا ما تغيب عن الممارسة الشعرية الراهنة، وتؤدي إلى ظاهرة التنميط، بحيث يغدو من الصعب أحيانا التمييز بين شاعر وآخر0تقول الشاعرة :
ضجرتُ من حولي ، من بعضي ، مني بأجمعي0
ضجرتُ من أن أكون ملهمة الشعراء ، من الأرض
التي لا تقدر علي ومن السماء.
ضجرت من زميلي الذي يغتابني، من الشارع
اليضايقني 0 من أخي الذي يسألني ولا عني0(5)
هذه حساسية مفرطة للذات النسوية الشاعرة تجاه الواقع تلون المتخيل الشعري في المجموعة، وتملأه بحضور غامر لجسد يستهويه أن يصبح مركز العالم، والناطق بتحولاته المتأرجح بين نشوة الأعلى، وانكسار الهزائم المريرة، تنصت الشاعرة إلى إنشاده صوتا مبحوحا، وموالا شجيا أحيانا، أو ما يشبه الغناء المبتهج الراقص أحيانا أخرى، تأمره تارة فيأتمر بأمرها مذعنا لمشيئتها، ويأمرها تارة أخرى فتذعن لمشيئته دون أن تكون قادرة على أن تخالف له أمرا، وفي كلتا الحالتين فإن ثمة حوارا بينهما لا ينقطع، ولا يقف عند حدود العلاقة الفيزيائية، بل يتعداها إلى علاقة رفقةٍ ومصاحبةٍ تنمّ عن كتابة ممتلئة اختلافا، ما دامت >متورطة في الجسد< (6)، وللجسد أواصر قوية تشده إلى العالم الحسي؛ ونكتفي في هذا الباب بقولها :
الشهوةُ نزهة للمسام
تعرّف الروح إلى الجسد
والرغبة شراع .
لي أكثر من جسد
لأني اقتحمت أكثر من رغبة (7)
إن الجسد في هذا الإشراقات الجميلة مفعم بالشهوة، عابق بعطر الرغبات، غير منفصل عن الروح، بل هو الوجه الآخرلها، له الانتشار والتعدد لأن الرغبات رياضته، وكلما تضاعف حضورها تعدد، لأنه فردوس العالم الحسي للشاعرة .
ولأن الجسد هنا صنو للروح ، فإنه يسبح في ملكوت المطلق، ويتجاوز حدود الزمان والمكان، متماهيا مع صيرورة التحولات التي يؤسسها في وهج الرغبات0
صحيح أن هذا الاهتمام بالجسد في القصيدة الحديثة قد يزج بها في متاهات الغنائية التي حاربتها التجربة الشعرية الحديثة طوال أكثر من أربعة عقود، إلا أنه مع ذلك بات من المؤكد أن بمكنته في اتجاه آخر أن يكون حضورا خلاقا يغطي ما تشكو منه القصيدة الحديثة من نمطية الرؤيا الفنية، وغياب القسمات المميزة، لدرجة أصبح معها من السهل العثورعلى نسخ مشوهة لا تحصى من النص الواحد الأصيل كما تأكد منذ قليل0
4- الحكمة والنبوءة
تبدو هذه المجموعة -كما تقدم نفسها للمتلقي لأول وهلة- أنينا ينبعث من الأعماق ويحلق في الأعالي، وهي لذلك تؤسس فضاء مرتبطا بالسمو والطهارة ذا بعد صوفي، يتقدم قرينة دلالية على شطح الرؤيا، وانبثاقها من تسابيح الروح، وابتهالات القلب، يتوق للعودة إلى طفولته الحالمة الأولى، والانغراس في قلب الأسطورة، لذلك تتشكل قصائدها شذرات مفعمة بلآلئ الحكمة، وبهجة النبوءة، ليكن … أليست وفاء هي التي تقول :
كلما شطح صوت الجسد
أينعت أنوثة الحكمة (8)0
وكأنا بها تستعيد تلك الوظيفة القديمة التي كان يضطلع بها الشعراء ألا وهي ممارسة الحكمة وإسداء النصح والموعظة، ومنها ما ترسب في التلقي العربي استشهادا بما يفيد من الأشعار المأثورة0
ولأن قصائد هذه المجموعة ممتلئة بالرؤيا، فإنها غارقة في حسية آسرة تتجلى في حركات متراوحة ما بين الشطح والمشي، والرائحة المتدرجة ما بين المتناقضين، تقول وفاء في قصيدة >في اليوم الثامن< :
قلبي الغض الطليق
علقته على أعلى القمم الأطلسية
لأن الضباع النتة
تعودت الانحدار
والعلو، يصيبها، عادة
بالغثيان، بالدوار
قلبي وردة ملغومة بالعطر
غير أن القاطف زكام مزمن !(9)
ربما كان ماتقدم تفسيرا كافيا لنوع الكتابة في هذه المجموعة التي تتسربل بطيلسان مخملي يكرسها كتابة باذخة تتأمل ذاتها، وتهتم بتنظيم طقسها، فتترقرق شذرات شذرات، لا تخفى شجرة انتسابها إلى أبي الحسن النفري وابن عربي والحلاج ، وهو ما يتضح في عتبات بعض القصائد، فهي عبارة عن شذرات لهؤلاء المتصوفة، وخاصة النفري في مواقفه0
5- سفر دائم
وتبعا لما اتضح من كونها مجموعة منغرسة في الذات، وطافحة بالرؤيا، فإن قصائدها تنشغل انشغالا كبيرا بهاجس السفر، بحيث لا تكاد واحدة تخلو منه، وتعبر عنه الشاعرة بألفاظ مثل الرحيل والتيه والسفر وما إلى هذا0وليس بغريب أن تكون العتبة الوحيدة التي يحضر فيها المتنبي (10) هي عبارة عن بيت حول السفر والقطع مع الإياب :
غني عن الأوطان لا يستفزني إلى بلد سافرت عنه إياب
ولعل فيه ما يؤكد أهمية السفر والترحال في هذا المتن، ما دامت العتبة تعد اختيارا تلقائيا وتوجيها متساوقا مع دلالة النص كلا أو جزءا0
ينزع هذا السفر نزوع المطلق ، فهو سفر في الحلم وفي المكان والزمن والذات والذاكرة والشهوة والغواية، تقول في >أوراق الشمس< :
وحمى هي المسافة
والنبض انجذار في الرحيل0
عابرة في الزمان
قائمة في المابين
ولا من يطرح العبور عني0(11)
ولنتأمل هذه الجمل الشعرية :
أصغي للسفر في أنحائي /
سكنت الرحيل /
التيه خطوي /
آت هذا الرحيل الشهي أسابقه /
إنه النداء الذي تنصت إليه، والمكان الذي طالما تلوذ به الذات المتحدية، وبهذا يؤسس السفر المتخيل الشعري في المجموعة ويوجهه، بالنظر إلى أهميته في الرياضة الصوفية أولا، وكثافة حضوره في نصوص المتن ثانيا، وقدرته على احتواء دلالات فرعية ترتبط به من ناحية ثالثة0
وبناء على ما تقدم ألا يمكن اعتبار العنوان ذاته انعكاسا للانسكان بالسفر؟، فيكون الأنين في هذه الحال أنين رحلة متعبة إلى الأعلى سواء أكانت رحلة إلى قمة جبل، أو إلى السماء، أو قمم النشوة القصوى، لأن لها مكابدتها ومعاناتها أنى كانت متعها ؟!0
ومن ناحية أخرى فإن صورة السفر ترتبط رمزيا بأسطورة چلچامش التي تكرس دلالة البحث والمغامرة تارة، لذلك لم يكن غريبا أن تعترف الشاعرة باستعصاء الوجود وانسداد الآفاق :
بعضي عصي على بعضي (12)
وكأنا بها تستعيد ما واجهه چلچامش في بحثه عن حقيقة وجوده ، ومحاولة إحراز جدارة الخلود المستحيل0
كما قد ترتبط تارة أخرى بمجرد الإلحاح في السؤال من أجل إحراز تلألؤ المعرفة وسلامة اليقين، لا رغبة في قنص جواب جاهز :
ألق سؤالك على النار
تستلق اليك بردا سلاما هياما ( 13 )
هكذا تنهض المجموعة الشعرية رحلة في عوالم من الرؤى والمشاهدات وضروب من المعاناة مختلفة، تجعل التلقي سفرا فيها ممتعا تحقيقا للذة شبيهة تماما بلذة السفر الواقعي0
وهناك هجرة لثيمة السفر إلى اللغة ذاتها، فهي لغة انسلت من محطاتها الزمنية، وحملت حقائبها في اتجاه الصوفية، كما أنها تدججت بعرقية اللغة، وحطت الرحال إلى عامية الشمال المغربي كما يشير الهامش (14)0
6- ايقاع الشعر/ايقاع النثر
ليس الشعر هو التمثيل التصويري فحسب، بل شئ آخر مضاف إلي هذا البعد، هو المستوى الصوتي، وسيكون من اللازم -في عرضنا لمجموعة تندرج ضمن جنس متفرع عن الشعر هو قصيدة النثر- أن نعالج قضية الإيقاع، علما بأن سؤالا يظل مطروحا كلما واجهنا نصا خارجا عن سياق الشعر الموزون المقفى، أو سياق القصيدة التفعيلية هو : كيف يعوّض كاتب قصيدة النثر الوزنَ ومستلزماته؟ وهل يستطيع أن يحقق لعمله الشعري توازنه الشامل، في غياب ما يعد ويقاس؟
هذه معضلة لا يعاني منها الأدب العربي فقط، بل يعاني منها الأدب والنقد الغربيان أيضا، لهذا نجد ميخائيل ريفاتير ينبه إلى أن كل المحاولات التي بذلت للقيام بهذه المهمة ضلت طريقها لأنها أرادت >أن تكشف في النثر إيقاعات الشعر وخصائصه الصوتية، بينما تخلو كثير من قصائد النثر من أيّ من هذه العناصر<(15)0
ما هو الايقاع إذن؟ إن جوهره ليس سوى هذا التكرار الدوري الذي يضمن للكلام الانسجام والتناغم، فيتحقق في الإيقاع الكمي بتكرار تفعيلة واحدة أو تفعيلتين مركبتين أو ثلاث تفعيلات مركبة مثل مخلع البسيط (مستفعلن فاعلن فعولن) بقطع النظر عن أصل التفعيلة الثالثة (مستفعلن) كما هو معروف0
هذا هو النسق المتحكم في إيقاع الشعر، لكن الأمر يختلف في قصيدة النثر التي لا يحق أن نحاكمها بقوانين التفعيلات ومساطرها، وإلا وقعنا في ما حذَّرَنا من مغبة إتيانه ريفاتير منذ قليل، غير أن النسق يظل هو هو، ذلك أن الشاعر الجيد هو الذي يتمثله ويحافظ له على حضوره، والفرق هو أن هذه الدورة تتم في الشعر الموزون بما يعد ويقاس في التفعيلة، فيما تتوسل في قصيدة النثر بوسائل أخرى كثيرة هي التي سنوضحها فيما بعد0
لقد كان الرأي السائد هو أن النظم هو الذي يحول اللغة شعرا ويصنع إيقاعه، لكن لوتمان ذهب مذهبا آخر هو أن اللغة هي التي تصنع إيقاع القصيدة على مستويات مختلفة منها الصرفي التركيبي، ومنها الصوتي ومنها الدلالي0
6-1- لعل قارئ هذه المجموعة، من الناحية الأولى، سينتبه بسهولة إلى أن إيقاعها يقوم على ما يصح أن ندعوه بالإيقاع الصرفي، ذلك أن مقاطع كثيرة من القصائد -إن لم نقل القصائد كلها- تغطي انسجامها الإيقاعي بتواتر الأفعال وأزمنتها وضمائرها، ويكفينا في هذا الصدد أن نعيد قراءة قصيدة >مجد العري< (16)، لنلاحظ حضور هذه الوظيفة الإيقاعية الصرفية في تلويناتها المختلفة كما يلي :
يراود / يقود – يستنفر/يستدنيني/يعثرني- يفرغ/يتزود /يتواعد/ يلتقي/يتجوهر-يظمأ / غمر / انخصب – انوجد / صادقني / ساررني – دعوته / حوطته / استسررته / استوثقته / استامنته – استوى/انبسط/انكشف/انقبض- اراك /ارى/ارى/اراني/ارى 00000
ومما يحققه هذا الإيقاع الصرفي كما يلاحظ هذه التقفية الاستهلالية التي تضاف حلية أخرى إلى قافية نهايات السطور، وهذا ليس بغريب، فمن المؤكد أن القافية لدى بعض الشعوب تكون في البدايات لا في النهايات، وهو ما يجعل ما نلاحظه هنا شيئا من هذا القبيل على أي حال0
ويحقق هذا النسق تقفية داخلية جميلة حينما يتوالى فعلان ينتهيان بضمير متصل مثل الياء والنون (يستدنيني – يعثرني)، أو التاء سواء أكانت تاء للتأنيث الساكنة أو تاء متحركة فضلا عما قد يصاحبها من هاء (حوطته، استسررته، استوثقته، استأمنته) بالإضافة إلى ما يلاحظ هنا من تكرار صوتي للسين والتاء0
وفي هذا السياق أيضا تلجأ الشاعرة بين الفينة والأخرى إلى إيراد بعض الجمل المتجاورة متشاكلةً من حيث نموذجها التركيبي، وأقدم فيما يلي أمثلة لها :
– فاض الزهو / باح اللون / استسلم الماء
– غِيض الجمر/قُضِيَ المدار(17)
– أهيم في الحلكة / أتضوع بالحياة ( 18)
– أسري في رشح التلوين / أسكن بوهج التمكين /أهيئ لجلال التكوين ( 19 )
– انكشفت لك وانت ظني / انزويت بك وانت ظلي / انكتمت لك وانت سري ( 20 )
-التيه خطوي / العري لغتي ( 21 )
– لا الطريق طريقي / لا الحكمة فقهي ( 22)
– مقبل للروح/دليل للنبض ، مخرج الى السر / مدخل للفيض ( 23 )
يبرز في الأمثلة السابقة تشاكل تركيبي صرفي واضح بين الجمل، يحقق هذه الدورات الإيقاعية التي كان يغطيها الإيقاع الكمي في القصيدة القديمة، وهي دورات أساسية في قصيدة النثر الجيدة كما أوضحنا سابقا، ونفصل ذلك فيما يلي :
– ف + فا
– ف (م 0 للمجهول) + نا0 فا
– ف + فا + ش ج (جا + مج)
– ف + فا + ش ج (جا + مج) + (مضا + م 0اليه)
– ف + فا + (جا + مج) + عطف + مبتدأ + خبر+ (مضا + م 0إليه)
– مبتدأ + خبر
– نفي + مبتدأ + خبر + (مضا + م0 إليه)
– مبتدأ محذوف + خبر + ش ج (جا + مج) 0
هذه الدورة الإيقاعية التركيبية قد تتم بالتزاوج على الأقل، لكنها في بعض الأحيان قد تتكررأكثر من ثلاث مرات أو أربع، وهي في جميع الحالات من أهم الوسائل التي تعوّض الوزن0
وجدير بالإشارة أن الشاعرة قد تقوم بجمع إيقاع النموذج التركيبي، وإيقاع التضاد في توليفة واحدة، تدعم فيها العناصرُ الصوتيةُ المكوناتِ الدلالية، والعكس صحيح، في مثل قولها :
أنا ربيع المنايا /
عربدة الإله/
توبة البغايا000 (24)
فهذا التماثل الإيقاعي التركيبي بين (المبتدأ + الخبر المضاف + المضاف اليه]) يوازيه تماثل التضاد (ربيع/موت) و(عربدة/الإله) و(توبة/البغايا) إذ يتضح في الجملة الأولى تضاد الموت والحياة، وفي الثانية تضاد المحرم والمقدس، وفي الثالثة تضاد المحرم والتراجع عنه، وهذا ما يجعل العنصرين معا يتكاملان ويتبادلان الفعل والتاثير0 ومن الملاحظ أن الشاعرة غالبا ما توظف الجمل القصيرة، وقلما تستعمل الجمل الطويلة، وفي ظننا أن هذه مسألة ليست اعتباطية، فهي اختيار إيقاعي، ووسيلة أخرى من بين الوسائل التي تتوسل بها الشاعرة إلى تحقيق إيقاع مريح، لا تحققه الجمل الطويلة، وهذا ما يفسر نزوع المتصوفة نحو الكتابة الشذرية، لانها تسعف أكثر على تحقيق انسجام الإيقاع0
6-2- ومن الناحية الثانية فإن التكرار من الوسائل التي تحقق إيقاع قصيدة وفاء النثرية، وقد رأينا منه في سياق ما تقدم التكرار الصوتي، ويهمنا هنا أن نوضح منه تكرار اللفظة وما يسمى بتكرار الاشتقاق كما يبرز في الأمثلة التالية :
هو الجسد الواجد المنوجد الوجد /اللاقي الملقيّ اللقيا /
الرائي المرئيّ الرؤيا ( 25)
– أراك- أمس – أي غدي المنحل في قسماتي
أرى إليك موعدا للمزار
أرى ختمي منقوعا في النار
أراني انسكن باستفهام المدار
أرى المعرفة منثورة
على سبحة القرار
القرار القرار القرار(26)
في المثال الأول تحقق الشاعرة التكرار بتنويعات اشتقاقية مختلفة وذلك بتجاور إسم الفاعل من (وجد) وإسم الفاعل من (انوجد) إلى جانب المصدر، ثم إسم الفاعل من لقي، وإسم المفعول، وإسم المصدر، ثم إسم الفاعل من رأى، وإسم المفعول، والمصدر0
أما في المثال الثاني فتكرر الفعل (أرى) بتنويعات مختلفة وخاصة في البدايات، كما أوضحنا من قبل، وتكرر لفظة (القرار) أربع مرات، فيتضافر تكرار الإسم وتكرار الفعل، ويساهم كلاهما في تدعيم تكرار الراء علما بأنها هي حرف الروي، بالإضافة إلى أن عنوان القصيدة >مجد العري< يشتمل عليه هو أيضا0
وفي كلتا الحالتين فإن اختيار الشاعرة إيقاعا حادا يقترب من المشي أو العدو، لهو اختيار يدعم ما رأيناه من قبل من حسية ذاتية نارية، وارتباط آسر بحقل السفر والرحيل، فيصبح عنصرا فاعلا في تكوين الدلالة وبنائها، متساوقا مع جنوح بعض النصوص نحو استعادة مهمة إنتاج الحكمة والموعظة كما تقدم0
6-3- ومن الناحية الثالثة يتحقق الإيقاع الدلالي -بعيدا عن المفهوم الضيق للإيقاع- بما نلاحظه مثلا من تقابل دلالي بين الشئ ومثيله تارة، والشئ ونقيضه تارة أخرى0
إن قصيدة >باب اللوعة< ذات النفس السردي، يجري الكلام فيها على لسان سارد شعري مذكر (أنا الطريد، العائد، البهي، أنا المشرد)، وهو ما يضفي غرابة على مستوى تلقي قصيدة تحتفي بالذات الأنثوية احتفاء متميزا، وهذه مسألة دالة في نظرنا، لما تفصح عنه من قدرة الشاعرة على اقتناص المختلف الصادم من جهة، وإقامة علاقات التضاد وهو ما يهمنا من جهة ثانية، إذ تعترف بصوت عال بأنها :
مصابة بالشئ
مصابة بالضد
مصابة بالغور
مصابة بي (27)
ولعل هذه الثنائيات الضدية من بين الوسائل الفنية التي تحقق للقصيدة إيقاعها الدلالي فضلا عن بلورتها لرؤياها العامة0
ومن هذه الثنائيات ثنائية النار والماء التي تحيل سياقيا على نموذجين في الثقافة الأسطورية هما : طائر الفينيق بما يعنيه من موت وترمد وتجدد، وقد يتضمن الصيغة البروميثية رغم ما تضمره من رؤيا الاستكانة والانتظار والإذعان للقدر المحتوم، والثاني نموذج إيزيسي بما يعنيه من الموت والانبعاث، وقد يكون أيضا نموذج نرسيس الذي يدل على تضخم الذات0
ورغم حضور النار والماء في صورتيهما الأخيرتين، فان صورتيهما الأوليين هما اللتان تهيمنان على رؤيا المجموعة الشعرية كما سنلاحظ، تقول الشاعرة :
الشمس للعارفين
هيكل يكتب إسمه بالضباب
وخلفه أرصفة تضرب موعدا
للماء
والنار مسكن لكل بداية
عرس لكل نهاية ( 28 )
……
ها أغادر ولها
صوب فوهة بركان (29)
كما تقول في نفس القصيدة :
قلت للنبع :اتقد
لي أن أحترق ضد هذا البهاء
كل هذا البهاء
أسلمني لحنو الخلاء
أنا المشرد على هدي نعليك
أيتها الفرادة
أرجم النار بسؤلي (30)
لا نريد أن نتحدث هنا عن الحضور الغامر لمعجم النار والماء في هذه الأبيات ، ونكتفي بالإشارة إلى أن وجود التضاد فيها يثري الدلالة بأسرها في القصيدة، ويستحوذ على فضاءاتها الرحبة0وفضلا عن كون إسناد الاتقاد للنبع يشكل انزياحا سورياليا لأن الماء لا يشتعل، أو إسناد المساكن للنار الذي يشكل صورة متوترة يبلغ فيها الانزياح مبلغه، لكون المسكن يكون للحي، لا للجماد، وإضافة إلى المفارقة التي يطرحها إسناد النار للمسكن من حيث انها تحرقه مما يجعل مسافة الانزياح تزداد اتساعا بين الطرفين، فان هناك تجاورا بين طرفي الثنائية (النار- الماء)، يتطور سياقيا بحيث تتم المغادرة إلى فوهة البركان انطلاقا من هذه الأرصفة التي تضرب موعدا مع الماء0
قلما تتكون صورة للسفر دون مصاحبةِ صورة الماء أو النار، وكأن مسافة الرحيل هي مسافة بين هذين العنصرين، أو فضاء ينهض بهما ممتزجين ومتكاملين معا0
وفي هذا الباب، لنتذكر أن الماء سفر دائم لا ينتهي إنْ بمنطق الطبيعة أو بمنطق الرمز على السواء، وأن النار في المجموعة هي أيضا سفر دائم نحو الأعلى0
أوليس القلب في >مجد العري< ربيعا يتوقد، لأنه لقاء يستنفرالحلم البحري؟، ثم ألا ترى الشاعرة ختمها في التيه منقوعا في النار، فيغدو جسدها في النهاية جسدا ناريا؟
عندما نقرأ هذين الملفوظين الأخيرين (الجسد الناري) و(الحلم البحري) نعتقد أن كلا من النار والماء هنا يعتبر تكوينا منفردا قائما بذاته، إلا أننا حينما نمعن النظر في سياقي التعبيرين التاليين : (الربيع يتوقد)، و(التيه منقوع في النار)، نلاحظ أنهما يشكلان ثنائية ضدية لها أهميتها في بناء القصيدة الشعرية لا على المستوى الدلالي فقط، بل على مستوى الرؤيا الشعرية ككل0تقول الشاعرة :
مزمن إقفاري حتى الثمالة
يمخرني هذا الياس جنوبا
يشطرني باتجاه الشمس
رمانتين :
واحدة لبهاء النار
و الاخرى لسديمية البهاء ( 31)
ربما كان هذا المقطع مفتاحا لفهم دلالات الحقول التي تحضر في المجموعة بكثافة، ولعل في الإقفار ما يؤكد هجرة النص إلى نصين أحدهما غربي يحيل على إليوت وصورة >الأرض الخراب< المشهورة التي أشعت طويلا في الشعر العربي طيلة العقود الأربعة الأخيرة انطلاقا من بداية الخمسينات، والثاني مرتبط بالأول ويحيلنا على خليل حاوي، ويوسف الخال، مما يجعل رؤية الشاعرة المهيمنة هي رؤية الانبعاث، وهذا ما يفسر تلك الثنائيات التي تطفح بها القصائد0
يتأكد هذا بصريح العبارة في قصيدة >أنين الأعالي< حيث تقول الشاعرة :
ما في سوى هشيم
يستفرد البعث (32)
وهو ما يحتمل بسهولة تأويل ارتباط هذه الصورة النارية بتحولات طائر الفينيق التي شاعت كثيرا في شعر شعراء الحداثة الرواد وخاصة أدونيس0
قد يكون تأويلنا هذا مقنعا فيما يتعلق بحقلي الماء والنار بالنظر لوضوح علاقتهما بأساطير الموت والانبعاث الأساسية وتنويعاتها، إلا أننا نتوقع غموضا ما قد يشوب العلاقة بين هذه الأساطير وما لاحظناه من اعتناء بالذات، مما يستوجب توضيحا سريعا في هذا الصدد0
ونسارع إلى تأكيد كون الاعتناء بالذات وأمر تضخيمها أحيانا، إن هو إلا إعادة اعتبار للواحد الفرد الذي يكتوي بنار مشكلات الوجود اكتواء مزدوجا، إن باعتباره جزءا لا يتجزأ من الجماعة، وإن باعتباره فردا مستقلا عن باقي أفراد هذا المجتمع، مما يجعل هول المعاناة متعاظما0
وغني عن التنويه أن هذه الحقول الدلالية قلما تتماسك تماسكا يضمن لها الامتداد في هذه القصيدة أو تلك ، لكن لها إيقاعا دوريا خاصا ، فهي تتكرر، ولا تفتأ إحداها تصيب المقطع أو الأسطر المحدودة بعدواها ، حتى تنسحب تاركة للأخرى لعب دور إيقاعي دلالي آخر يقودها إلى مسالك تتمم بتأكيد ما بدأته الأولى، إلا أنها لا تستمر في رسم خطية تقودها إلى الإحاطة بالموضوع، وفجأة تعود مرة أخرى راسمة توقيعاتها دون أن توحي بأنها باقية إلى الأبد، وتلك طبيعة الكتابة الشذرية0
8- كلمة أخيرة
وأخيرا هل يحق لنا أن نقول ان هذا النهر الشعري الزاخر استطاع أن يحفر مجراه بإصرار وهدوء بعيدا عما نعيشه الآن من لغط المناقشات البيزنطية حول صراع وهمي بين أجيال ناسخة وأخرى منسوخة تارة، والتنظير الساذج لحداثة التنطع البهلواني، والقفز الأعمى على الحبال الملونة المتآكلة تارة أخرى؟0
ويكفي وفاء أنها الآن تمكنت من كسب الرهان بتعاملها مع هذا الكائن السحري الجميل بلطف لا يلغي المشي ولا الرقص ، وعيا منها بأن الشعر أنى كان ليس إلا هذا الانسجام العصي بينهما كما يرى فاليري لأنه تردد دائم بين الصوت والمعنى، وهي تنتشي بموسيقى شعرها الأخاذة بقدرما تلح على الرؤيا الصوفية والصورة السوريالية وتوتر اللغة الإيحائية وإنتاج شذرات الحكمة 000
هكذا يطرز النبض والجوارح والأعماق لغة مهموسة ومترقرقة، لها غنجها وبصمات تميزها في أدغال الشعر المغربي الحديث، لأن الشاعرة اختارت أن تنصت لجرحها وأنينها وأحلامها، وألا تستعير من تجربة الشعرالعربي الحديث إلا أدوات مُشاعة قلما يُستغنى عنها، تظل جديرة بالاحتضان لأن فيها ما يعترف بخصوصيتها، ويحتفي بتجربتها، أوليست هي القائلة : >الوفاء أبجدية<؟ (33)0
——————————————
هوامش :
(*) وفاء العمراني : أنين الأعالي، دار الآداب، بيروت، 1: 1992.
(1) شربل داغر : الشعرية الحديثة0دار توبقال، البيضاء، 1:1988، ص : 60 0
(2) علي جعفر العلاق : في حداثة النص الشعري، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، 1: 1990، ص :1270
(3) مارتن هيدجر: المنادى إنشاد0قراءة في شعرهولدرلن وتراكل ، تر: بسام حجار، المركزالثقافي العربي ، البيضاء – بيروت ، 1: 1994، ص : 660
(4) وفاء العمراني : أنين الأعالي، م س ، ص : 880
(5) ن م س ، ص : 980
(6) ن م س ، ص : 80
(7) ن م س ، ص : 8، 9.
(8) ن م س ، ص : 910
(9) ن م س ، ص : 92 – 93 0
(10) ن م س ، ص : 730
(11) ن م س ، ص : 6 – 70
(12) ن م س ، ص : 81 0
(13) ن م س ، ص : 490
(14) ن م س ، ص : 490
(15) علي جعفر العلاق : في حداثة النص الشعري، م س ، ص :1330
(16) وفاء العمراني : أنين الأعالي ، م س ، ص : 170
(17) ن م س ، ص : 35 – 360
(18) ن م س ، ص : 430
(19) ن م س ، ص : 930
(20) ن م س ، ص : 290
(21) ن م س ، ص : 300
(22) ن م س ، ص : 290
(23) ن م س ، ص : 300
(24) ن م س ، ص : 770
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6764