الإشهار والتمثلات الثقافية ”الذكورة”و”الأنوثة”نموذجا

Bengrad
2021-06-04T22:04:26+00:00
العدد السابع
13 أغسطس 20201٬017 مشاهدة

احمد راضي – كلية الآداب – مراكش

تنطلق هذه الورقة من الفكرة القائلة بأن الإشهار جزء لا يتجزأ من الثقافة. لذا لايمكن الإحاطة به إحاطة فعلية من منطلقات أحادية الجانب كتلك التي ترتكز فقط على الجانب الفني أو الجمالي أو التقني دون ربطه بالإطار السوسيو-حضاري الذي ينتج فيه. سنحاول من هذا المنطلق تسليط بعض الأضواء على علاقة الإرسالية الإشهارية بالنظام الأبيسي، وخصوصا بإفرازه لمفاهيم >الذكورة< و>الانوثة<. إذا كانت مفاهيم الرجل والمرأة مرتبطة بالجسد كاختلاف وكمعطى بيولوجي، فإن مفاهيم >الذكورة< و>الأنوثة< مرتبطة بالثقافة، أساسا بالمجتمع والتاريخ، إذ إن مجتمعا معينا يعطي لهذه المفاهيم بعدا خاصا مقرونا بنوعية علاقة الأفراد والجماعات التي تكونه، وبتاريخ معين لأن الثقافة تتميز بالديناميكية على المستوى الزمني. لهذا السبب وجب التأكيد على نسبية وتاريخية هذه المفاهيم وعلى أبعادها الثقافية.

إن الإرسالية الإشهارية معطى تواصلي مرتبطة بالحداثة والمعاصرة، إذ إنها لم تعرف تطورا هائلا إلا في العقود الأخيرة، ولم تظهر إلى الوجود إلا في نهاية القرن التاسع عشر. غير أن الثقافة التي تحيط بها وتخترقها وتحتويها موجودة في كل الفضاءات ومتجذرة في التاريخ. لذا فهي تترك بصماتها على هذا الخطاب الكتابي والسمعي-بصري الذي يــــــــوحي بأنه ينفلت منها.

هناك تناقض جوهري بين كل المظاهر الخارجية للإشهار التي تدعي أنها تعيش عصرها وتستكشف المستقبل والبنيات الحضارية العميقة والأنظمة الذهنية اللاشعورية التي تقولب هذا الخطاب في أنماط تقليدية. فعلى مستوى الشكل، هناك طفرة في التمكن من الأدوات التقنية بما في ذلك استغلال الموسيقى وديناميكية الصورة وتشابك أنواع مختلفة من الخطابات والاعتماد على آخر المستجدات في التصوير الفوتوغرافي والفيلمي واختيار الألوان، وإيجاد نماذج جمالية في الكالغرافيا والطباعة وطبوغرافية الحروف، والانحياز نحو التركيب والتركيز والتناسق الكلي. إن هذه الطفرة أضفت على الإشهار لا أقول طابع الفن ولكن نوعا من الفنية.

لكن المفارقة تتجلى في أنه على مستوى المفاهيم الفلسفية العامة المؤطرة له و التصورات الحضارية التي ينطلق منها يبقى الإشهار قوة محافظة تحاول إبقاء الأشياء على ما هي عليه. لإبراز هذا الجانب التقليدي ستركز هذه الورقة على تمثلات >الذكورة<و>’الأنوثة< في الإرساليات الإشهارية لبعض الصحف والمجلات.

قبل هذه العملية لا بد من الانعراج قليلا لوضع وفهم الإطار العام الذي يؤطر العملية الإشهارية؛ هذا الإطار يتجلى في النظام الرأسمالي الذي بدونه لا يمكن أن نتكلم من منظور ثقافي >شامل< عن الإشهار. إن مصطلح >النظام الرأسمالي< أصبح من المحرمات نظرا لتاريخه المرتبط بجدال وسجال طويل عرفته أوروبا على الخصوص والعالم أجمع على العموم إلى حدود سقوط جدار برلين الرمزي. دون الدخول مرة ثانية في هذا السجال يمكن رغم ذلك الإقرار بأن هوية وسبب وجود الإشهار مرتبطان بهوية النظام الرأسمالي وحركيته. لا ندهش إذن إذا كانت الأشكال الإشهارية الأكثر شراسة توجد في الأنظمة الرأسمالية الأكثر تقدما، وأعني على الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤخرا اليابان وبعض دول آسيا. لا بأس إذا ذكرنا أن هذه الرأسمالية تعتمد على نظام اقتصادي واجتماعي درويني يعترف فيه ليس بالقوي ولكن بالأقوى والأصلح يعني على مجموعة محدودة من الأشخاص القادرين على المنافسة. إن هذا التنافس الذي يؤدي أحيانا إلى أشكال من العنف الرمزي لشدة ضراوته، ويؤدي كذلك إلى تكون >تكتلات اقتصادية قوية< Cartels وإلى شركات يساوي رأسمالها ميزانيات مجموعة من دول الجنوب، وبالتالي إلى إفلاس أو على الأقل إضعاف تلك التجمعات الصغيرة والمتوسطة التي لا تقدر على التنافس، وبقدر ما يزداد رأسمال هذه الشركات تزداد كذلك وسائل التهميش والإلغاء. أما الميزة الثانية فهي الإنتاجية وارتباطها بالاستهلاك. إن أي ممارسة سواء كانت اقتصادية اجتماعية أو ثقافية، لا تعتبر مقبولة إلا إذا تحولت إلى سلع للبيع توفر أكبر قدر من الربح لصاحبها. إن هذا الاتجاه البراغماتي الاقتصادي أدى تدريجيا إلى تسليع كل أوجه المجتمع. فكل نشاط يقاس بقدرته على التمكن من اختراق شبكة معقدة من البيع والشراء، من العرض والطلب.

بعد وضع هذا الإطارالعام الأولي لا بد من ربطه بإطار أعم لا يقل أهمية وهو الإطار الأبيسي. وإنه لمن الخطأ اعتبار هذين النظامين منفصلين ومستقلين. على العكس من ذلك يجب الانتباه إلى تداخلهما. في الحقيقة إن النظام الأبيسي وجد قبل وجود الرأسمالية بمعناها المعاصر، إن هذا النظام مرتبط بتاريخ الإنسانية ولهذا السبب فالرأسمالية تولدت من النظام البترياركي الذي هو أكثر توسعا جغرافيا وأكثر قدما تاريخيا.

هناك تداخل والتقاء مصالح بين النظامين يتجليان على الخصوص في تملك السلطة المادية والرمزية. فإذا كان النظام الأبيسي يعتمد على هيمنة الرجل على مصادر القرار على مستويات متعددة وفي أنشطة مختلفة، فإن نفس الهيمنة تتجلى في النظام الرأسمالي إذ إن الاقتصاد بما فيه من ثروة مادية ووسائل للإنتاج والتوزيع يقع تحت رحمة الرجال. أفلا نقول في اللغة >رجل أعمال< homme d’affaires و businessman دون أن نأخذ بعين الاعتبار أنه من الممكن أن تكون >امرأة أعمال<. فحتى في المجتمعات الأكثر تقدما لا زالت >امرأة أعمال< حالة استثنائية. فإذا كان خروج النساء بصفة لافتة للنظر لم يظهر جليا في أوروبا إلا بعد الحرب العالمية الأولى فإن اكتساح الرجال للمجالات الاقتصادية لا يمكن تأريخه لأنه جزء من التاريخ، فتقسيم العمل إلى >ذكوري< و>أنثوي< أدى بالنساء إلى عزلهن عن العالم الخارجي وربطهن بالبيت والأمومة والاهتمام بالرجل حتى يكون أكثر قدرة على الإنتاجية والتنافس. فالعمل خارج البيت والاهتمام بالقضايا العامة والتنافس من أجل المكتسبات المهنية والطموح للوصول إلى أعلى مستويات التسيير والإدارة يعتبر ثقافيا من هوية الرجل وخصوصيته وسبب وجوده في هذا العالم.

إن للسلطة الاقتصادية انعكاسات مهمة على السلطة السياسية، إذ إن أصحاب القرار السياسي يأخذون بعين الاعتبار مصالح الشركات الكبرى ورجالات الأعمال الذين يكونون نوعا من السلطة داخل السلطة. أما عن عداء رجال السياسة لاقتحام النساء لعالمهم فشيء واضح أكدته تصريحات بعض النساء اللواتي تمكن من ولوج برلمانات دولهن والتعرف عن كثب على آليات خلق القرار السياسي، وبالمقابل فأصحاب القرار الاقتصادي يغازلون أصحاب الفعل السياسي. فحتى في الدول الأكثر ديموقراطية وتشبثا بالقانون توجد حالات عديدة عن رشوة أصحاب الشركات الكبرى للسياسيين كي يحصلوا على امتيازات على خصومهم، إذن هناك اختراق شبه كلي للنظام البترياركي للمجتمع خصوصا في نواحيه الاقتصادية والسياسية التي هي مصدر القرارات الحاسمة ومصدر تكون مختلف السلط.

إن إثارة هذه الإشكاليات النظرية العامة كانت ضرورية لفهم أن الإشهار تتحكم فيه آليات مستترة وعميقة، تؤثر في فلسفته ومنتوجاته. وسأحاول هنا الانتقال من المستوى العام إلى المستوى الخاص لكي أحلل بنوع من التفصيل بعض النماذج الإشهارية في الصحف والمجلات. أوضح منذ البداية أن الصور والخطابات التي تنتج يسيطر عليها ذلك اللاشعور الجمعي الأبيسي. فرغم تلك الحداثة على السطح فإن الإشهار في العمق يعيد إنتاج تمثلات تقليدية اختزالية للرجل والمرأة وذلك بربط الأول بمواصفات >الذكورة< والثانية بنعوت >الأنوثة<. وهذه الثنائية تعتمد على الفصل بين القوة والضعف، بين العمل العمومي والممارسة الحميمية، بين امتلاك العقلانية والتقنية وامتلاك الجسد والعواطف. فهذه التمثلات الثقافية العامة تتجذر في الأسرة والمدرسة والجامعة والمعمل والمحكمة والبرلمان وفضاءات الرياضة والثقافة الخ. وبالتالي تتحكم في أقوالنا وخطاباتنا وأفعالنا، بل وحتى في لا وعينا.

في جل الإرساليات التي لها علاقة بالتقنية هناك إشارة إلى الإبداع والخلق. ونعلم أن هناك في الثقافة العامة فكرة مسبقة تعتبر أن هذا المجال هو من حق الرجل. فمثلا في مجال العلوم الاقتصادية والطب، جل الحائزين على جائزة نوبل هم ذكور؛ واحتكار هذه الجائزة يشير إلى هيمنة الرجال على البحث المتطور ومصادر التقنية العالية وذلك في مختلف المجالات. وحسب الرأي السائد، إن اسم المرأة لم يرتبط في أي يوم من الأيام بالتقنية العالية نظرا لتكوينه البيولوجي والعقلي والنفسي، وهذا من مخلفات الرواسب الفكرية التي لا تسمح لها بــتلك العمليات المعقدة وذلك الصبر الطويل الذي تتطلبه التكنولوجيا المتقدمة في اعتمادها على الرياضيات المجردة والفيزياء وعلم الحاسوب. في إشهار لشركة تسمى M 3 في مجلة Time هناك تركيز على صورة مكبرة تكتسح نصف الصفحة الإشهارية وهي تمثل رجل أعمال في حوار عن طريق الهاتف وصورة مصغرة لثلاثة رجال أثناء ممارستهم للعمل الحاسوبي، وصورة الرجل الرئىسية تجد كركيزة لها مجموعة من الأسلاك التي توحي بجوانبها الكهربائية والتلفونية والتلغرافية والحاسوبية. والعنوان البارز المعالم لهذا الإشهار هو >التجديد عند 3M< أما على مستوى الخطاب فهناك التأكيد على الخلق والسرعة : >نبتكر منتوجات جديدة بوثيرة لا مثيل لها في تاريخ 3M ، ونبيع هذه المنتوجات بطرق جديدة إلى زبناء جدد في العالم أجمع<.

We re creating new products

at a pace unprecedented in 3M’s history, and we’re selling our products in new ways to new customers all around the wrold

فميزة هذا الخطاب هي خلق جو ملحمي معاصر تلتحم فيه الأدمغة وآخر المستجدات في الإبداع والتسيير، لكي لا يسمح الإشهار بأي شك في جنس المبدعين. ختم بالإشارة الواضحة لإسم رئيس الشركة ومهمته السامية : Chairman of Boord and Chief Executive Officer .

في إشهار آخر لمجلة Le Nouvel Observateur هناك نفس الربط بين الإبداع التقني وجنس المبدعين. فقبل قراءة الخطاب تبهر العين صورة لموسيقار عبقري، بيتوفن، وهو في وقفة تأملية جد مركزة. بعد مشاهدة هذه الصورة لا يبقى للقارئ والقارئة إلا الانتقال إلى عبقرية أخرى ولدتها الحضارة المعاصرة وتتجلى في أنواع جديدة للهاتف Siemens. فهذه العبقرية المزدوجة، على مستوى الموسيقى ومستوى الاتصال الهاتفي، تجد تأكيدا مجددا في القاموس اللغوي للخطاب الذي يشير إلى “une qualité d’écoute inégalée” و “un petit miracle” . فوق الخطاب الأساسي وتحته هناك إشارات واضحة وبلون مختلف إلى spéalistes du son” ‘une lon geur d’avance” وكلها توحي بصور الامتياز والتقدم التقني : إننا هنا، في الحقيقة، نتعامل مع خطاب مصاب بنوع من جنون العظمة، والذي هو جزء من عقلية رأسمالية تطمح إلى الريادة والسيطرة المطلقة على الأسواق والقضاء على الخصوم وكسب التغطية الإعلامية والإشهارية العالمية، وهذه الصور تجد تلخيصا لها في لفظة “imposer” فرض. أخيرا يجب الإشارة إلى كلمتي “nous” و”interessé” . فالكلمة الأولى رغم غموضها الظاهري وعموميتها، توحي بذلك العالم الذكوري المنغلق على نفسه وعلى جنسه الوحيد والواحد، وهو هنا عالم التقنين العالي الجودة. أما الكلمة الثانية فهي لا تأخذ بعين الاعتبار أن المتلقي امرأة، لأنه كما قلنا سالفا ففي اللاشعور الاجتماعي تتنافى التقنية مع المرأة، ولو كمتلقية.

للتأكيد على أن الاشهار رغم تنوعه وتنقله في فضاءات حضارية مختلفة لا زال يحمل طابعا مندمجا ومنمطا، سننتقل إلى تحليل إشهار في الصحيفة الأسبوعية المغربية La Nouvelle Tribune لآلة طبع حديثة مرتبطة بالحاسوب. فالصورة التي تأخذ نصف مساحة الصفحة تعبر بكل وضوح عن ذكورية الإنتاج التقني وذلك بوضع مواجهة/مجابهة بين رجل أعمال وتقنية وثور من النوع الاسباني. والخطاب بدوره يزكي هذه الذكورية باستعمال القوة والصلابةLa solidité à toute épreuve وكلمة الضبط “maîtrise” و “outils de contrôle” : أما عبارة “responsables informatiques” فهي توحي بأن هذه المسؤولية هي من نصيب الرجال إذا أخذنا بعين الاعتبار الصورة والخطاب في انسجامهما وتكاملهما. والمعجم اللغوي بصفة عامة يؤكد على صفات الذكورة : وun modèle de simplicité Des innovation matérielles et logicielles” ومن المفارقات اللغوية أن الطابعة une imprimante ، التي هي في صيغة المؤنث، أصبحت، نظرا لوجودها في فضاء أبيسي يحتكر فيه الرجال مفهوم التقنية، تحمل كل مواصفات الذكورة من إنتاجها إلى تسويقها وتلقيها، ومن خلال الأوصاف والوظائف المرتبطة بها.

هناك مجال آخر تتجلى فيه التمثلات >الذكورية< بصفة واضحة وهو مجال الإشهار المرتبط بالأبناك وشركات التأمين. إن هوية المرأة تجد وحدتها في تدبير شؤون البيت وحسن استعمال المال المخصص للتسيير المنزلي. بعبارة أخرى إن وظيفتها تتجسد في المجال العائلي الصغير أما المجال الأرحب الذي يتم فيه انتقال أموال هائلة فهو من اختصاص الرجل. فالاستقرار الذهني والتوازن والعقلانية والتعامل المتبصر مع الإشكاليات المعقدة هي صفات يوحي إشهار الأبناك وشركات التأمين بأنها من طبيعة الرجل. فالمرأة، نظرا لأنها ضحية نزواتها وتقلبات أهوائها وعواطفها، غير قادرة على أن >تؤمن<نفسها وبالأحرى أموال الناس الآخرين. إن مجموعة كبيرة من النساء تعمل في هذه المؤسسات المالية وتساهم في تطورها، ولكن على المستويات الدنيوية كسكرتيرات ومساعدات. فدور الرئاسة والريادة والتسيير هو في جل الحالات، إن لم أقل في كلها، من نصيب الرجال. فالإشهار لا يظهر البنية التحتية والعمل الدنيوي ولكن يركز فقط على الجانب الريادي. فهذه المؤسسات تريد أن تبيع صورتها، وهذه الصورة لن تباع إلا بربطها بقدرات >ذكورية< تجذب ثقة الزبناء المحتملين. بالإضافة إلى هذا فهذه المؤسسات تنتعش في فضاء >ذكوري< مؤسس على أحقية وأسبقية الرجل في العمل وفي احتكار المناصب الكبرى وبالتالي في تملك، أو على الأقل التصرف بأكثر حرية، في ميزانية العائلة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمشاريع الكبرى كالسكن واقتناء سيارة الخ. وهذا الفضاء يزكي فكرة >رب العائلة< و>مول الدار< وبالتالي مشروعية هذه الأحقية والأسبقية.

إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه الملاحظات فإن إشهار >الشركة العامة المغربية للأبناك<، الذي يبدو لأول وهلة بريئا، يمكن قراءته من زاوية السخرية، إذ في نفس الوقت الذي يمدح صفات الابتكار يضع ثلاث صور لرجل في مواقف مختلفة : الأولى مع عائلته، والثانية لوحده في حالة استراحة، والثالثة في قفزة رياضية. إن هذا التجديد التقني يعكر صفوه تمثلات ثقافية تقليدية تتجلى منذ البداية في هيمنة الرجل على الصور وفي كلية وجوده في المجتمع، خصوصا في المرافق التي لها علاقة بالأبناك. فإذا كان الإشهار، كما توحي بذلك الصور، موجها بالأساس إلى الرجال، خصوصا رجال الأعمال، فإن الجملة التالية تقوي من جو السخرية : Cest Vrai, nous les connaissons bien Nos clients. وفي نفس الخطاب اللغوي هناك إشارة إلى ”actif” وإلى la gestion de leur entreprise” ” وهذه الصفات لها في المجتمع جنس معين. فرغم أن كلمة >نشيط< مرتبطة بالمال، فإنها، وبطريقة غير مباشرة، توحي بعالم >الذكورة< الذي يتجلى في عالم الأعمال والصفقات.

أما في إشهار >مصرف المغرب< فالصورة واضحة : قوة بدنية تشع من يدي رجل وضعهما فوق مكتب. وتظهر نفس الصورة وهي منعكسة على المكتب الزجاجي. رغم أن الصورة معبرة عن نفسها، فهناك عنوان بارز المعالم يؤكد على الرجولة الواثقة من نفسها وعلى صفة الأمانة : “Votre placement SICAV est entre de bonnes mains” إن ادراك هذا الخطاب يتم في إطار ثقافي مؤسس على التضاد بين الرجل والمرأة، وبالتالي فصفات انعدام وقلة الثقة هي مرتبطة بطريقة غير مباشرة وإيحائية بالمرأة، فمن الممكن أن نتكلم عن الأيادي الجميلة (de belles mains) بالنسبة للمرأة، ولكن صفة الأيادي التي لها علاقة بسلامة المال وحسن تدبيره (de bonnes mains) لن تجد صداها في المخيلة الاجتماعية والثقافية وفي الخطاب التفسيري. فهذا الإشهار يؤكد على صفة الثقة من خلال ألفاظ (sécurité) و(en vous garantissant) ومن خلال إعادة العبارة التي يراد ترسيخها في الذاكرة والمخيلة(Bonnes mains) .

في جل الإرساليات الإشهارية حول الأبناك ومؤسسات التأمين هناك إشارة واضحة إلى>خبير< >خبراء< و>خبرة< l’expertise de nos gérants Investissez dans la valeur la plus cotée de la bourse : celle de nos experts (Notre) Banque réunit les experts les plus cotés du monde de finances

إن ضمان الأموال والتجارة وتدفق الأرباح والاستثمارات لن يتم إلا من خلال معرفة موثوق بها ومتخصصة. وكرمز لهذه المعرفة المالية والتقنية أليس هناك من صورة أكثر تعبيرا من قائد أو ربان الباخرة. إن هذه الصورة هي التي اختارت >تدبير الوفاء<، إن ما ترمز له الصورة يجد صدى له في إشهار آخر في ثقافة أخرى، وبالضبط في مجلة Newsweek الأمريكية. فخطاب الإشهار حول National Bank Republic يلح على أن هذا البنك قادر على الخروج بسلام من الزوابع الأكثر عنفا : “capable of weathring the roughest storms” هذا البنك بالذات اختار استراتيجية أخرى، رغم أنها في العمق لا تختلف عن الاستراتيجيات السالفة الذكر، إذ يشير دائما في صور اشهاراته إلى رجال أعمال أو تجار في حالة تصافح وحوار وتبادل آراء ومنتوجات. لكن خصوصية هذه الصورة أنها مأخوذة، أو على الأصح تعطى الانطباع بأنها مأخوذة من وثائق تاريخية قديمة. وهذا القدم والإرث الثقافي المتجذر في التاريخ هو الذي تركز عليه في خطابها، إنه ليس بنكا حديثا فقط ولكن بنك حافظ على استمراريته عبر التاريخ :

-Our Philosophy of bunking goes Back 4000 years وفي إشهار آخر لنفس البنك :

During the Renaissance, trusted advisors helped administer the finances and protect the interests of private individuals… Today clients find the same personal service at Republic National Bank

(في عصر النهضة كان مرشدون موثوق بهم يساعدون على تدبير المال والمحافظة على مصالح الخواص… واليوم يجد الزبناء نفس المعاملة الشخصية في بنكنا]).

ولكن كدراسة نقدية لهذا الإشهار يمكن الانتباه إلى العلاقة التاريخية بين الأبيسية والمعاملات التجارية والمبادلات المالية. وهذه كلها ممارسات اعتبرت تاريخيا حسب الأعراف والعادات الثقافية أنها مرتبطة بالرجال وبمفهوم >الذكورة<.

إن التعامل اللامتكافئ والتمييزي الذي يطبع الإشهار يتجلى كذلك في طرق عرضه وتمريره لصورالساعات والخطابات المرافقة لها. يجب التنبيه هنا إلى أن هذا الإشهار يوحي بهيمنة شركتين أساسيتين Rolex و Omega هذه الهيمنة التي تعكس علاقة الإشهار بسيطرة رأس المال وبعض التمركزات التجارية في تسويق المواد المادية والرمزية. إن قوة الشركة و قوة الرجولة التي يراد التأكيد عليها تتجلى في الصورة المكبرة للساعة نفسها. فالساعة نفسها تمثل القوة والصلابة. ولكي تقوى فكرة القوة فإن الساعة لا تقدم لوحدها، ولكن لا بد من ربطها بصورة رجل في موقع حركية وديناميكية : فوق حصان، في قيادة أحد المراكب الشراعية، في عملية اكتشاف الفضاء أو أثناء لعبة الگولف أو السباحة. وحتى تكتمل صورة الرجولة المثالية، لا بد من ربط هذه الديناميكية برجال ذوي شهرة عالمية : Palmer and Nicklaus (الكولف)، Neil A amstrong (أول رجل يصل إلى القمر)Janusz Kurbel (رحالة مكتشف) Jerez de la Frontéra (مدرس لركوب الخيل)، الخ.

بعد صورة الساعة المرتبطة بصور رجل شهير في حركة نموذجية يأتي الخطاب لكي لا يترك أي شك في أن هذه الساعة موجهة إلى كنه >الذكورة< والمواصفات المرتبطة بها. والإرسالية الإشهارية تحدد مفهوم هذه >الذكورة< بالتأكيد علي أنها جزء من تراثنا الثقافي والتاريخي Oméga est le lien entre le passé et le futur إذ أنها صنعت لأول مرة سنة 1848. نفس البعد التاريخي وبعد التقاليد الراسخة تؤكد عليه شركة الساعات Tag Hewer ولكن هذه المرة بوضع صورة مكبرة لمؤسس هذه الشركة Edouard Hewer والإشارة إلى سنتي ميلاده ووفاته 1840- 1892. والتاريخ يأخذ معنى آخر عندما تقرن الساعة بأحداث كبرى وقعت في الوقت المعاصر، ولكن بسبب ضخامة أهميتها فقد أصبحت جزءا من التاريخ (اكتشاف الفضاء) بالإضافة إلى هذا البعد التاريخي، هناك كذلك الإلحاح على البعد الجغرافي العالمي والربط بين القارات : Omega : the link between the U S A Russia and Europe

أما من الناحية المعجمية، فهناك عدد محدود من المفردات يتم إعادتها رغم اختلاف الإرساليات الإشهارية وكلها تؤكد على أن حاملي هذه الساعة يتميزون بالذكورة في حالتها المثالية :

caractère d’exception -habileté – le perfection absolue- Chef d’دuvre

a unique ability – reliability – gift – succss – achievement – exacting discipline – self-control – classic ideals – conquering the oceans professional – water resistant-extrao ordinary qualities of Sturdiness

إن هذه المواصفات تأخذ شكلا متكاملا في إشهار لساعة Tag Hewer السويسرية الذي يتكون من ثمان صفحات تجمع بين خطابة الصورة وفصاحة الخطاب

1- الشعار الرئيسي يؤكد على التقاليد، وعبر عن ذلك لغويا

Orif Ginality starts in Tradition

2- صورة ليد رجل تكتسح صفحة بكاملها

3- صورة لحجر معدن لما توحي به من صلابة

4- صورة للجزء الحديدي من الساعة

5- صورة الشكل الخارجي للساعة، وهو كذلك يؤكد على القوة

6- صورة مؤسس الشركة

7- صورة مختلفة تشير إلى الأرقام والجزء الداخلي الميكانيكي، ومستعملي هذه الساعة (سائق سيارة سباق).

8- صفحة خطابية تبين مواصفات الدقة والصنعة. وهذه الصفحة لا تشير فقط إلى الدقة ولكن كذلك إلى الدقة التي لا جدال فيها، الدقة كأساس لكل شيء كلاسيكي. أما عن الحرفية والمهارة والخبرة العالية فهي أشياء مطلقة، يتم تمريرها عبر الأجيال من الآباء إلى الأبناء، يعني من المعلمين إلى المتعلمين. وهذه إشارة واضحة إلى النظام الأبيسي الذي يؤطر عملية صنع الساعات وتسويقها؛ وهي في نفس الوقت إشارة إلى المعرفة، يعني معرفة صناعة المعدن، التي توحي بجنس معين. قد ينتبه القارئ لوجود كلمة >جمال< وهي عرفيا عادة ما ترتبط >بالأنوثة<. لكن الخطاب لا يترك أي مجال للشك إذ يؤكد على أن هذا الجمال >ذكوري< المواصفات إذ يتمتع بالاتزان لأن فيه هيئة وتوازنا ورباطة جأش وشخصية. وفي إرسالية أخرى لنفس الشركة يجد هذا الخطاب تلخيصا في صورة وجه رجل يغطي الصفحة بأكملها وفي وسط الصورة والوجه في آن واحد، ساعة على شكل خطوط هندسية وأرقام وعبارات تقنية.

إن الإرساليات الإشهارية لا توجه إلى بشر وأناس ولكن إلى أناس مجنسين، يعني لهم جنس معين، وهذا الجنس في نظرها يتمتع بمواصفات يمكن تحديدها والتأكيد عليها، وبهذه الوسيلة يتم ذلك الفصل الجوهري وذلك التضاد بين الرجل والمرأة. لفهم إيديولوجية هذه التفرقة وتلك الهوة، يجب دراسة بعض الإرساليات الموجهة إلى النساء والطريقة التي يتم بها ربطهن بمفهوم الأنوثة وتحديد هذا المفهوم في الرسم والصورة والخطاب.

فالنوع الأول من هذه الإرساليات حول الساعة يضع شكل الساعة في صورة مكبرة بينما صورة المرأة نفسها في شكل مصغر. >فالأنوثة<، من هذه الزاوية، لا تقاس بصغر الجسد والشكل فقط، ولكن كذلك بالصغر بمعناه الثقافي العام المرتبط بالمهام والوظائف المناطة بالمرأة. فالصغر عادة ما يوحي بالشيءالثانوي والتكميلي. فإذا كان حجم الصورة كشيء هو أهم من حجم المرأة كإنسان، فإن هذا الأسلوب الإشهاري لا يحتاج إلى أي خطاب لغوي إذ الصورة معبرة بنفسها عن نفسها، هناك فقط إشارات على شكل كتابة غير واضحة إلى Happy Diamands ( الماسات السعيدة) وإلى الذهب والمجوهرات، وهذه الأشياء لا توحي بأي مهمة أو حركية أو عمل ديناميكي بقدر ما توحي بالأشياء الجميلة والنفيسة وهي في العرف الاجتماعي تمثل ‘>الأنوثة< بامتياز.

والنوع الثاني في الإرسالية الإشهارية يؤكد على الرقة والرهافة وصغر حجم الساعة رغم أن جزءا منها قد أعيد تصويره على شكل صورة مكبرة لإبراز لونه الذهبي وجمال صنعه ويأتي الخطاب اللغوي ليزيد عن طريق جمال أسلوبه جمالا آخر إلى الشيء نفسه وارتباطه كذلك بنعومة وجمال حاملته :

Each timepiece exquisitely fashioned

Each bracelet meticulously finished by hand

والمثير للنظر في هذا الخطاب هو إبراز أهمية اليد في صنع الساعة عوض الآليات المتطورة لصنع ساعة الرجل كما لاحظنا ذلك فيما قبل، إن التقنية قد اختفت لغويا هنا ليحل محلها أحد أعضاء الجسد النسوي. وقد اختفى فعل “make” (صنع انتج) ليحل محله فعلfashion وما يرتبط به من الرقة لعلاقته بعالم الملابس والموضة التي تحمل نفس الاسم Fashion. فرغم غياب صورة المرأة، فصورة الساعة والخطاب المرافق لها قد حدد لنا صورة لها عن طريق إبراز بعض مواصفات >الأنوثة<.

أما النوع الثالث فيضع وجه المرأة الجميل ويدها وهي تحمل الساعة المخصصة للإشهار وإلى جانبها نفس الساعة في صورة مكبرة. فجسد المرأة هنا قد أصبح وسيلة في حد ذاته لإبراز معالم جمال الساعة، وبالتالي إمكانية تبادل المواقع بين الساعة والمرأة وبين المرأة والساعة. وحتى الخطاب اللغوي يزكي فلسفة الإرسالية باختيار امرأة مشهورة من عالم الموضة Top Model، عالم يتسم بالخفة والرشاقة وبنوع من اللعب وبالتالي لا تأثير له على الخارجي بما فيه من سياسة واقتصاد. وعبارة ” her image” يعني اهتمامها بصورتها يؤكد على سطحية ونرجسية الأشياء عوض عمقها. فالاختيار المعجمي كله يسير في اتجاه الموضة وعرض الأزياء style, élégance, image, modèle, dessiner . و كختام لهذه العلاقة بين الجنس والإشهار والساعة، يمكن القيام بمقارنة لنفس الساعة وفي نفس السياق المهني لحامليها. ففي فن الأوبرا يبرز اختلاف مبني على فروقات جنسية. إن هذا الاختلاف بسيط وإن كان يؤدي إلى أشكال وصور وخطابات متنوعة. وعندما تتمحور الإرسالية الإشهارية حول الرجل، فإن هذا الأخير يشغل موقع الفرد النشيط وهو يقدم عمله في الأوبرا. وبعبارة أخرى ، يتم التركيز على الوظيفة المهنية المرتبطة بالرجل. في هذا الإشهار يتم التركيز على وظيفتين مهنيتين، وظيفته كقائد أوركسترا ووظيفته كمغني.

أما الإششهار المرتبط بالمرأة ، فمنذ الوهلة الأولي لا يمكن للمتلقي أو المتلقية أن يعرف وظيفتها لأن صورتها توحي فقط بجمالها وحسن لباسها ومحاسن جسدها وطريقة، لاأقول جلوسها، ولكن استرخاءها فوق أريكة كلاسيكية مدهبة، فإذا كانت بداية الخطاب حول المرأة تشير إلى بدايتها كمغنية ومتعلمة، فإن بداية الإرسالية الإشهارية الثانية تؤكد على العكس من ذلك على الشهرة العالمية للمغني. فالإشهار الأنثوي يردد كلمات كصوت حب عارم، ويشير إلى علاقة هذه المغنية بأمها. ولكن ما يتم تمريره هو ارتباط القوة بالطبيعة. فالتأكيد يتم على هبة الطبيعة التي منحتها هذا الصوت أكثر من التأكيد على العمل الفردي الذي حول تلك الموهبة وصقلها. والإشارة للعاطفة تأخذ شكلا قويا عندما تصبح العلاقة بين المرأة والساعة حميمية جدا إلى درجة أنها >أصبحت كل واحدة منهما تحتاج إلى الأخرى< We need each other. و في نهاية هذا الخطاب هناك الإلحاح علي كلمة >لذة<. لذة المغنية أثناء غنائها ولذة الرجل المتلقي وهو يرى صورة المرأة ومحاسنها، وكذلك لذة المرأة في النظام الأبيسي وهي تتلذذ موقعها كموضوع لنظرة الرجل، وعلى العكس من ذلك فالاشهار حول Placido Damingo يركز على كيفية تنظيمه لحياته المهنية وعلى قدرته على القيام بأدوار مختلفة (أكثر من 100)، وعلى الموسيقى كفن، وعلى الاهتمام الكبير للجمهور بموسيقاه.. وليس صدفة أن يقارن قائد الجوقة بقائد الفيلق العسكري، وما توحي به هذه المقارنة من تمكن وسيطرة “Le chef d’orchestre est comme un stratège militaire ” explique t’-il ” Il faut manدuvrer habilement l’ensemble de ses troupes, sur la scène comme dans la fosse ”

وأخيرا هناك ارتباطه بصورة الشخصية الديبلوماسية، وهي صورة في شكل تضاد مع صورةBartoli Cecilia الحميمية، بينها وبين ساعتها وما توحي به من عالم عائلي وشخصي.

ونجد هذا التقسيم على أساس الجنس كذلك في إشهار عطور النساء والرجال. فالطريقة التي تتم بها عملية تمثل الرجل تتسم بالبساطــة في الخطـــاب وفي الصـــورة حتـــى لا يكــون أي إيحاء بنوع من >الأنوثة< في منتوج يعتبر حسب الأعراف الثقافية مرتبطا أساسا بالمرأة. ففي بعض الحالات تقدم زجاجة عطر لوحدها بدون تقديم أي صورة للرجل، فالعبارة الموجزة والمركزةEau de toilette pour homme كافية. وهذه الوضعية لا توجد بتاتا في حالة المرأة، إذ صورتها ضرورية لتسويق المنتوج وتأنيثه. وهذه الاستراتيجية تشير إلى استقلالية الرجل عن المنتوج واكتفائه الذاتي؛ لذا لا حاجة لحشر صورته. وفي حالة تقديم صورته، فهو يكون مغطى، يعني مرتديا للباسه، وفي حالة وقوف، ويظهر في كليته، ووضعيته توحي بعمله (وقوف قرب طائرة، محرك) أو في حالة تأمل وتفكير. وإذا قدمت بعض أطراف جسده فسرعان ما يتحول إلى محارب، إذ هناك صورة له وهو يقوم بعملية دفاعية على طريقه الكاراتي. ففي جميع هذه الحالات يحتفظ الرجل برجولته إذ يقدم العطر كوسيلة في يد الرجل لاستعماله في حدود الاتزان والحكمة وفي ظروف تشير إلى وظيفته الاجتماعية أو المهنية.

ولكن ما نكاد ننتقل إلى عطور النساء حتى نلاحظ تمثلات أخرى. في جل الحالات تقدم المرأة في كليتها، ولكن في بعض الحالات يتم التركيز على الوجه وهو في صورة مكبرة تكتسح الإرسالية الإشهارية. فبالإضافة إلى ذلك فهذا الوجه لا بد أن يعبر عن سعادته من خلال الابتسامة الدائمة. إن أنوثة النساء تجد نفسها في العطر فالعطر من زاوية الإشهار نواة هوية المرأة إلى درجة أصبح ملتصقا بها في كل ممارساتها الاجتماعية.

إذا كانت الألوان المرتبطة بالرجال تكتسب معناها من خلال بساطتها وقلة تعددها، فتلك المرتبطة بالمرأة تتسم بالوفرة والقوة والنعومة مع إيحائها بالغلو والرغبة والجمال ومحاولة >تحرير< الجسد. هذا الجسد الذي أصبح محط الأنظار لأنه وضع هنا بالأساس لإثارة الرغبة، رغبة الرجل، ولكن كذلك رغبة المرأة في أن تصبح موضوع رغبة الرجل. إنه جسد شبقي، يخفي بعض أعضائه ليكشف بعضها الآخر في عملية إثارة واضحة. هذه الإثارة التي تؤكد من خلال التركيز على نوع من النظرة الحالمة والرومانسية.

وأحيانا يقدم الجسد في شكله العاري لا تحميه، أو على الأصح لا تحمي أجزاءه المحرمة إلا زجاجة عطر.

إن أهمية الجسد وكيفية توطيفه تتخذ أحيانا أشكالا اعتباطية، إذ إن إحدى الإرساليات الإشهارية لعطور الرجال تضع صورة ضخمة لامرأة في وضعية شبه جنسية توحي باللذة.

أما على مستوى الخطاب، فإذا كانت عطور الرجال لاتحتاج إلى أي تعليق، فإن عطور النساء تحتاج إلى تلك الكلمات الناعمة الجميلة الشبقية لتكمل معناها :

Opium : la sensualité à l’extrême

Trésor : le parfum des instants précieux

Dolce Vita : l’esprit du bonheur

Lancôme: tu es le grand soleil qui me monte à la tête

Miss Dior : très Miss , Très Dior

Soir de parfum

Boucheron : plus q’un parfum, un bijou

Tocade : Love at 17 first sight .

إن هذا التكرار وهذه الإعادة المستمرة لجسد المرأة يعكسان هوسا ثقافيا وتاريخيا في تمثل موقع المرأة في المجتمع وفي علاقتها بالرجل. ففي المخيلة الجماعية شكلت المرأة بالنسبة للرجل تلك الذات المغرية العصية على المعرفة، المنفلتة من العقلانية والفلسفة والعلم، ذلك الفرد المثير للشهوة وما يرتبط بها من تجاوزات وانتهاكات. بالإضافة إلى ترسانة من التمثلات الأخرى، التي تجد صداها في مختلف الممارسات الاجتماعية. تسعى التمثلات الاشهارية في عمقها إلى مواجهة ذلك الخوف الذي تثيره المرأة كذات تعتبر ناسفة وغادرة، إذ تستعمل جمالها لتخريب الرجل. إن هذا الخوف اللاشعوري من الإخصاء، ذلك الشيء المرعب الذي أصاب المرأة نفسها، يقلق راحة الرجل ويدفعه إلى نوع من الفتشية وتركيز الشهوة على جسدها أو على أجزاء منه، نوع من الرجوع التكراري إلى المرأة كمصدر أساسي للتعامل مع العالم، وبالتالي ضبط ذلك الاختلاف. وهذا التوثيق هو ما يفسر ربط المرأة بالمجوهرات والحلي والخواتم الخ. وهو يستعمل جنبا إلى جنب مع تشييئها كاستراتيجية لتملك الآخر. وهذا التشييء ينطلق من تقسيم جسد المرأة حتى يتم تمثل كل عضو على حدة وبالتالي إبرازه وإعطاؤه أبعادا غير عادية، إذ يصبح مستقلا بذاته كعين وفم ويد، إلخ. فالمرأة في هذه الحالة تفقد إنسيتها وكليتها لتصبح مادة مشيأة تحول وتزين، تغطى وتعرى، تمثل من مختلف الزوايا وفي مختلف التموضعات التي حدد إطارها النظام الرأسمالي من جهة والنظام الأبيسي من جهة أخرى.

فلا شيء في جسد المرأة يترك دون أن يصبح مادة تصوير وموضوع خطاب : قشرة جلدها، لون أعينها، أظافر يدها، شكل شعرها، درجة احمرار فمها، بالإضافة إلى أنواع الثياب الملائمة لها. هذا الاهتمام يثار بشكل غير طبيعي عن طريق شبكة هائلة من الأنظمة الاقتصادية التي تتغذى من تمثلات المرأة لكسب مزيد من الربح : الشركات المتخصصة في التجميل، شركات الملابس والأحذية، عروض الأزياء، عملية نقص الوزن والمجلات الموجهة إلى المرأة، إلخ.

واستعمال جسد المرأة كوسيلة لترويج السلع وبالتالي تسليع ذلك الجسد نفسه يتخذ كذلك أشكالا اعتباطية حينما يربط بمواقف شبقية وجسدية مع نوع معين من السيارات أو أنابيب البناء، إلخ. فمن الناحية المنطقية ليست هناك أية علاقة بين هذه الأشياء وجسم المرأة ماعدا خلق الرغبة في المتلقي والمستهلك من خلال إثارة رغبته المكبوتة لجسد أنثوي جميل قابل للنظر والتملك. والحقيقة أن إشهار الأنابيب غير بريء إذ يستعمل إيحاءات جنسية تتخذ من الأنبوب بديلا رمزيا لقضيب الرجل.

إن هذا التجنيس، يعني فرض مواصفات مرتبطة بجنس معين على المرأة، بصورة اعتباطية يحول الإرسالية الإشهارية إلى وسيلة لتنميط المرأة من جهة وعلاقة المرأة بالرجل وتمثلات المجتمع ككل لها من جهة أخرى، إذ إنها تختزل كذات معقدة ذات أبعاد حضارية وثقافية ونفسية إلى موضوع جنس ولذة. إن إرسالية جبن Jockey الاشهارية تؤكد على ايحاء الكلمة أو على الأصح على ازدواجيتها عندما تقدم صورة امرأة تريد تناول هذا الجبن .

Le bien-être commence avec le plaisir

من غريب الصدف أن ذلك الجسد الأنثوي الرقيق والرشيق الذي يركز عليه الإشهار يصبح موضوع أنواع من الأمراض والآلام ، كما يوحي بذلك الإشهار. ففي اللاشعورالفردي والجماعي تعتبر المرأة عرضة سهلة للألم لأنها بطبيعتها أقل مناعة وقوة من الرجل. وانطلاقا من هذه الفرضية تقرن مجموعة من إشهارات الأدوية موادها بصورة للمرأة. وهي، مثلا، في حالة فقدان النوم أو في حالة من الكآبة القصوى Dépression وبخطاب يمدح مزايا هذه الأدوية. وفي هذا الإطار فقد ارتبطت المرأة في علم النفس بمرض الهستيريا. ومن هذه الزاوية فالإشهار المعاصر للأدوية ما هو إلا استمرار لمقولات علم النفس.

وكختام لاستعمال المرأة وجسدها كمادة إشهارية يجب إعادة التذكير بأن الإشهار حول شؤون البيت يفرض نمطا آخر يتجلى في أن هوية المرأة، أو على الأقل جزءا مهما من هذه الهوية، يتعلق بالاهتمام بمنزلها. فإذا كان ارتباط المرأة بالبيت حدثا ثقافيا فرضته الأنماط الأبيسية من خلال التقسيم بين الجنسين وبالتالي بين الوظائف المرتبطة بكل منهما، فإن الإشهار من خلال تقنياته السمعية-البصرية ومن خلال خطاباته المتكررة يحول هذه الوظيفة الثقافية إلى معطى طبيعي بيولوجي إلى درجة تصوير الرجل، وهو يحمل مادة لتنظيف المنزل أو غسل الثياب، كوصمة عار في جبين ذلك الرجل وفي جبين المجتمع ككل لأنه سمح بذلك العمل اللاطبيعي. ففي إحدى الإشهارات يظهر أنه من الصعب التفريق بين المواصفات التي تعطى لآلة الغسيل وتلك التي تعطى للمرأة. ان الآلة تحولت تأنسنت.Econome ; belle et douce

بالإضافة إلى هذا فالتركيز على صورة المرأة وهي في حالة الاستعداد للرضاعة أو الاهتمام بالأطفال، خصوصا في سنواتهم الأولى يوحي بأن طبيعتها الإنسانية تتعلق بالأمومة، وبالتالي تتحول الأمومة إلى إيديولوجية تقف في وجه المرأة وتحررها واكتسابها لمهارات خارج البيت واكتشافها العالم.

إذا كان جسد المرأة يعتبر ركيزة أساسية للإرسالية الاشهارية فإن الرجل يختفي تماما عندما يتعلق الأمر بإشهار الخمور والجعة والسجائر. هذا الإشهار يوحي بأن المنتوج يعتمد على نفسه ولا يحتاج إلى صورة الرجل كتكملة وتوضيح. فالخمور والسجائر هي، حسب العرف الاجتماعي، من مميزات عالم >الذكورة<، ولا حاجة إلى اقحام الرجل كشخص، إذ الشيء نفسه يوحي بتلك العلاقة مع >الذكورة<. بما أن >الذكورة< توجد مسبقا في كل جعة وزجاجة خمر وعلبة سجائر فمن البديهي أن هذه المنتوجات قادرة على أن تشع معناها بوحدها وبكل استقلالية. هناك تأويل آخر محتمل ويتجلى في أن الرجال يعتبرون ممثلين للبشرية جمعاء كنموذج كوني؛ ألا نقول في اللغة الانجليزية Man وMankind وفي الفرنسية l’Homme و les hommes للتعبير عن العام. فرغم أن في الغرب عددا لا يستهان به من النساء اللواتي يستهلكن الخمور والسجائر، فالإشهار يرى أنه من الأليق أن لا تمثل المرأة في أية علاقة بهما نظرا لتلك النظرة المثالية حول >الأنوثة< التي يراد تمريرها كفضاء نقي وجميل؛ فمن المحرمات أن يربط جسد المرأة الحالم مع أشياء يمكن أن توحي بالهواء الملوث والصخب والعربدة.

ماقيل عن إشهار الخمور والسجائر يمكن قوله، ولو بدرجة أقل، عن إشهار السيارات إذ التمثلات الثقافية المرتبطة بها توحي بأنها موجهة أساسا إلى الرجل. ففي العادات الاجتماعية يعتبر رب العائلة، بصفة عامة صاحب السيارة وقائدها. فدخول السيارة يمنح صاحبها نوعا من السلطة. ولهذا السبب لا يمكن للرجل أن يتنازل عن تملك مقود السيارة لأن في ذلك تنازلا عن مكانته الاجتماعية وصورته المهنية، وربما عن هويته الجنسية كرجل.

ولكن هذا الإشهار يقع في تناقضات كبيرة لأنه يستعمل في نفس الوقت خليطا من نماذج >الذكورة< و>الأنوثة<. فمواصفات >الذكورة< تتجلى في التأكيد على قوة السيارة وسرعتها وتقنيتها وإنجازاتها وسلامتها وجانبها العملي. وهذه النعوت تجد وحدتها في معجم لغوي يردد ألفاظ التمكن Perfect control والدقة والسلامة المطلقة التي لا شك فيهاuncompromising safety feature ، والتقنية العالية l’expertise technique apportée par les ingénieurs . وتتجلى هذه الرجولة كذلك في الإشارة إلى المستوى الاجتماعي الرفيع والمكانة المهنية السامية. كل هذه الأشياء تؤكد عليها إشهارات سيارة Rover، إذ تربط دائما صورة السيارة بصورة رجل من الطبقة العالية وهو في حركة رياضية من النوع الرفيع كركوب الخيل أو ممارسة لعبة البولو. وفي حالة عدم وجود صورته فهناك إشارات إليه عن طريق أشياء مرتبطة به كالقبعة والعكاز ومجلة The Times المحافظة.

للمزيد من توضيح هذا الربط بين السيارة وجنسها أو جنس ممتلكها يمكن الإشارة إلى إشهار سيارة Seat إذ يلح هذا الإشهار أن لهذه السيارة مواصفات تسمح لها بأن تكون La voiture idéale pour les pilotes qui sont aussi des papas.

وفي إشهار لسيارة Volvo هناك حبيبان أو زوجان في جلسة شبه جنسية توحي بالخطاب التالي :

Tu sais quoi ? Tu deverais l’acheter

أما في إشهار آخر فالخطاب واضح إذ السيارة تعتبر ملكا للرجل ، لكل رجل :

It Was the car of every man

فعلاقة مفهوم ”الذكورة” بالسيارة تتجلى بصورة واضحة في إشهار لسيارة Volvo إذ العنوان الأساسي يقوم بتمييز بين ”الذكورة” و ”الأنوثة” وبنعت الأولى بالمصداقية والثقة والثانية بالبهرجة الخارجية والأشياء الزائدة التي لا طائل فيها

L’intelligence sans l’ostentation / L’excellence sans l’excès

وتبرز كذلك مواصفات >الذكورة< في خطاب تقني محض يعدد الآليات التي تجعل هذه السيارة ناجعة في وظيفتها، يعني في بساطتها وقوتها. وربما تجد هذه المواصفات في إشهار السيا رات تلخيصا لها في التركيز على المحرك، وهو جانب السيارة الأساسي و >الرجولي< والذي بدونه لا يمكن للسيارة أن تكون سيارة. فحتى لغويا نقول في العربية >محرك< وفي الفرنسية le moteur ففي إشهار لسيارة Opel هناك عنوان يذكر أن :

la pureté dans le mouvement : il n’ya de plus belle inspiration pour un moteur

فبالاضافة إلى >النقاء< و>الصفاء< و >الجمال< التي عادة ما تعتبر >أنثوية< فإن هذه المواصفات هي وحي وإلهام للمحرك ونعلم أن لكلمة >وحي< تاريخا طويلا في الفن والأدب، إذ تعتبر المرأة مصدر إلهام للرجل، الذي يتمكن من إنتاج العمل الفني. وإلى جانب العنوان هناك الخطاب اللغوي الذي يقول إن هدف الشركة هو :

des moteurs multisoupapes plus précis et plus efficaces : plus de performances avec moins de carburant

ففي جل الإشهارات يقرن المحرك بالإنجاز وبأداء عمل ما على أحسن وجه، ووفقا لعرف معين (السلامة) وبتنفيذ الوعد، وبالفعالية والكفاءة. وعادة ما يقرن كذلك بخطاب تقني وعلمي لا مجال فيه للعاطفة إذ يعتمد على الأرقام والاتجاه الكمي. فإشهار Peugeot يخاطبنا بالطريقة >العلمية< التالية :

Abordons le chapitre des motorisations : le nouveau moteur 2,5l très performant et silencieux, est considéré comme le meilleur turbo diesel du marché . Pour les moteurs essence, la nouvelle motorisation 2 l 16 soupapes a gagné en puissance et sa consommation a été réduite en moyenne de 10%

أما فيما يخص >الأنوثة< فيتم تمثلها بطرق مختلفة. و يمكن القول إن شكل السيارة وقدرتها على احتواء الناس والأشياء كان ربما سببا في تأنيث الإسم نفسه؛ ففي العربية نقول ”سيارة وفي الفرنسية “la voiture” ومن غريب الصدف أن السفينة، التي تمتاز هي كذلك بقدرة الاحتواء، لا يشار لها في اللغة الانجليزية بالضمير “it” ولكن بالضمير البشري والنسوي “she”. و أحيانا تتحول السيارة إلى نوع من الأمومة التي تعد وجها أساسيا من >الأنوثة< :

Et en toute sécurité ; car la jeep Grand Cherokee a été conçue pour garantir la meilleure des protections à ses occupants

وتشبيه السيارة بجسد المرأة يتجلى في عملية تقسيمها إلى أجزاء مختلفة والتعريف بجميع مواصفاتها >الجسدية< الإنارة، حزام السلامة :

C’est en examinant la nouvelle Le gent dans ses details que vous deverz reconnaitre qu’elle n’est Vraiment spas une automobile comme les autre

ولكن هذا الوصف لا يكتفي بذكر مزايا السيارة التقنية فقط بل يؤكد على أنوثتها إن لم نقل شبقيها، ففي هذه الحالة تربط بالرغبة والجنس :

1- La toute nouvelle Mitsubishi a tout pour vous séduire . Prenez le volant et succombez au charme de la voiture familiale pas excellence

2- Savourer le plaisir de conduire la nouvelle BMW…. Rien d’autre ne saurait exalter à ce point tous vos sens… Elle vous promet des moments inoubliables

3- Une voiture entièrement conçue pour le plaisir de Conduire

فإذا كان إشهار BMW يوحي لأول وهلة باللذة بصفة عامة لدى الرجل والمرأة؛ فإن الصورة تشير إلى شيء آخر؛ ذلك أنها تمثل رجلا يقود سيارته بمفرده . أما عندما تقدم صورة المرأة فتكون كتكملة للسيارة، كصورة مستقلة عنها وذلك للإيحاء بإمكانية تملك السيارة والمرأة، ووضعهما معا كموضوع للرغبة Une voiture que l’on est fier de posséder

من الناحية المعجمية ، إذا كان القاموس المخصص >للذكورة< يشمل القوة والصلابة والتقنية والمعرفة، فإن القاموس المخصص >للأنوثة< يثير صور النعومة والراحة والأناقة والأسلوب المتميز.

Elégance remaquable de ligne fluide – luxe de stylisme intérieur-agilité comportement- bien-être et confort- raffinement – la pureté dans le mouvement – luxueuse – magique – formes et volumes – la pureté et l’harmonie des lignes – espace conviviable et modulable – son espace intérieur sa banquette arrière rebattable et son vaste coffre – Totalement redessinée – la climatisation – The sense of freedom can only groru .

وحتى عندما تصور المرأة داخل السيارة، وهي حالة استثنائية، لكي تقودها بمفردها فإن صورتها التقليدية والمنمطة لا تبرحها، إذ الإيحاء الجنسي مرتبط بها كجسد شبه عاري ولوجودها قرب دواسة السرعة وما يثيره من صور فالوسية phalliques.

وسط هذا الركام الضخم وهذا الخضم الهائل من الإرساليات الإشهارية التي تقدم صورا ونماذج تقليدية عن أنماط >الذكورة< و>الانوثة< فإن هناك بعض الحالات الاستثنائية القليلة جدا التي تقدم المنتوج التجاري دون أن تفقد أنسية الرجل والمرأة إذ تقدمهما معا عوض تقديم كل واحد بمعزل عن الآخر، لأن هذا التركيز على الاختلاف البيولوجي يؤدي إلى نوع من الاختلاف الأنطولوجي، من حيث هويتهما وعمقهما وجوهرهما؛ ثم تقدمهما دون أن تثير الانتباه إلى جسديهما وذلك بالتركيز على الوجهين، وبذلك تفكك عملية الإغراء التي أصبحت ميكانيكية بالإضافة إلى هذا تقدمهما في موقع مساواة وحوارية وتبادل. أما إحدى الإرساليات الإشهارية حول الساعة فقد اعتمدت على الخطاب دون تقديم أي صورة للجنسين، وبتقديمه على الطريقة التالية : Pour celles et ceux qui ont raté la “portugaise” voici la version rattrapante

وهناك تغير مهم بحيث أن هناك نموذج ساعة واحدة مقدمة إلى الرجل والمرأة معا. وفي الحقيقة إن تقسيم الأشياء والمنتوجات وتجنيسها يجب أن يفهم من خلال نظرية اعتباطية اللغة والرمزعند سوسير إذ الاشياء في ذاتها لا معنى لها، ولكن الثقافة هي التي تملؤها بمعانيها.

نعم ، إن بيت القصيد هو الاشكالية الثقافية. إن ثقافة الاشهار والتمثلات الثقافية العامة التي تنطلق منها في المجتمع وفي التاريخ وذلك في إطار النظامين الرأسمالي من جهة (أسبقية البضاعة والربح) والنظام الأبيسي من جهة ثانية (أسبقية الرجل) والتمثلات الاجتماعية والثقافية التي تعيد إنتاجها كل هذه الأشياء تشير إلى نماذج وممارسات سوسيو-حضارية-ثقافية مهيمنة. فعندما تقوم الإرسالية الإشهارية بفصل الرجل عن المرأة وبربط كل منهما بمواصفات وأعمال ووظائف معينة، فإنها تدعو المتلقين والمستهلكين، ذكورا وإناثا، إلى أن يتقمصوا تلك الأدوار وأن يدونوا تلك التمثلات، يعني أن يدمجوها في النفس بحيث تصبح مبدءا هاديا. وينجح الإشهار في مهمته هذه بسبب استغلاله للذة، المتعة على مستوى الصورة والرمز والخطاب. فعن طريق تكرار كل هذه الخطابات والصور والمواقف والتموقعات أصبحت هذه الأخيرة تمثل نوعا من طبيعة البشر، إذ فقدت صفتها كنتاج ثقافي له تاريخه وسياقاته الخاصة. بعبارة أخرى فقدت أبعادها المعقدة السياسية منها والاقتصادية، إذ الإشهار ينطلق من إضفاء طابع البراءة على منتوجه وبالتالي يتمكن من الاستعمار التدريجي للأفق الفكري والتخيلي لعامة الناس، وهذا الأفق يجزأ إلى بنيات ذهنية تقوم من بين ما تقوم عليه على مفاهيم >الذكورة< و>الانوثة< وما تحملها من ثنائيات هرمية ونماذج تفضيلية. ولكن في نفس الوقت يمكن لهذه التمثلات وتناقضاتها أن تفتح مجالا خصبا للعمل الفكري المضاد ولثقافة المقاومة؛ هذه الثقافة التي تنطلق من الفكرة القائلة إن الثقافة نفسها ليست قدرا و لكن نتاج قابل للفهم والتفكيك، وبالتالي تبقى دائما مجالا لممارسة حرية الفرد ضد التنميط والنمذجة.