محمد الصاقي
كلية الآداب – مكناس
مـقدمــة
لقد كان جوزيف گوبلز أحد أقطاب النظام الهتليري، أول من جعل من الدعاية السياسية علما وفنا في آن واحد. لقد سخر لها عددا من السينمائيين والصحفيين ومختصين في علم نفس الجماهير (La psychologie des foules) وعلوم الاتصال. لقد جعل من الدعاية السياسية عملية منسقة تخضع لمعايير وقوانين مدروسة، وليس مجرد هذر اعتباطي. إذ هو الذي كان يردد باستمرار : >ليس هناك أمر أسهل من قيادة الشعب إلى حيث نريد، يكفيني أن أنظم حملة إشهارية تبهره وسوف يسقط في الفخ< (1).
ما يهمنا من تجربة ج .گوبلز وجملته هذه، هو التقارب بين الدعاية السياسية والحملة الإشهارية، وكيف يمكن تسخير الثانية واستغلالها للبلوغ إلى أهداف الأولى. لاشك أن هناك اعتراضات كثيرة على هذا التشبيه لأنه لا يمكن مقارنة مرامي الدعاية السياسية -السيطرة على أفكار ومشاعر الجماهير لكسب تأييد غير مشروط لإديولوجية معينة- بالحملة الإشهارية التي تهدف كما هو معلوم إلى دفع المتلقى إلى اقتناء بضاعة ما. نحن لا نجادل في هذا الرأي، بل ونؤكد ضرورة عدم اعتبار كل حملة إشهارية دعاية مقنعة. إنه لمن الصعب جدا، إن لم نقل من المستحيل، أن نعثر على أي أثر إيديولوجي حين نسمع أو نقرأ مثلا : >شفرة كذا تحلق أحسن<.
لا مراء إذن أن الإيديولوجيا في هذا الشعار الإشهاري تبلغ درجة الصفر، أي أنها منعدمة(2). إذا كانت الإيديولوجيا لا تتعدى درجة الصفر في بعض الحملات الإشهارية فهذا يعني ضمنيا أنها تبلغ درجات عليا في حملات أخرى. إن هذا النوع من الحملات هو ما يشكل موضوع هذه الدراسة. وسوف نحاول رصد نقاط التلاقي بين الدعاية السياسية والإشهار، أو بالأحرى نقاط التلاقي بين الخطاب الذي يؤطره وبين فتات الإيديولوجيا الذي يتسرب إليه، وسوف نعمل على تبيان كيف أنه بموازاة هذا الخطاب المؤطروضمنه يوجد خطاب إيديولوجي لا يقل أهمية وخطورة عن الأول، وكيف أن هذا الخطاب يستعمل نفس ميكانزمات الدعاية السياسية ويشترك معها في بعض خصائصها.
2 – الدعاية والإشهار
في البدء كانت كلمة Propagande >دعاية< تعني فقط نشر الأفكار والتعريف بها، خاصة أفكار ومواقف الكنيسة، ولم تكن الكلمة مشحونة بالدلالات التي نعرفها اليوم. لقد كانت مفهوما وصفيا ومحايدا، لكن حقلها الدلالي بدأ في التوسع تدريجيا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الحالي، حيث أصبحت تشير بالخصوص إلى الدفاع عن أفكار ومبادئ سياسية وإيديولوجية معينة لحزب أو لدولة ما، ونشرها مع إقصاء الأفكار المعارضة أو على الأقل تهميشها. إن استعمالها الحالي يتحدد بالضبط في هذا المضمون الذي يشير إلى كل عملية تواصلية الهدف منها تزكية أفكار ومبادئ سياسية وإيديولوجية محددة على حساب أفكار ومبادئ أخرى. الدعاية إذن في معناها السائد لا تخرج عن عملية إبلاغية تستخدم تقنيات ووسائل واستراتيجيات متعددة ومتكاملة من أجل الإقناع والتأثير في تصرفات ومواقف المتلقي(3). من هذا المنظور، فإن الدعاية سلاح في يد السلطة أو في يد مجموعة ذات مصالح سياسية أو اقتصادية تهدف إلى تحويل أفكار المتلقي إلى تصرفات تخدم مصالحها. إن الاستراتيجات التي توجد في قلب كل حملة دعائية تعمل إما علنيا أو ضمنيا، في الحالة الأولى يصرح المخاطب بنواياه ويتحدث باسم الأمة أو الشعب، أو الانسان… للدفاع عن نظرة معينة للعالم والواقع. أما في الحالة الثانية، فإنه يلتجئ إلى أساليب إيحاءات تدفع بالمخاطب إلى استنتاج الخلاصات المرجوة.
ومن جهة أخرى، فإن الإشهار أيضا يعد عملية تواصلية بيإنسانية. إنه يشير بدوره إلى استراتيجية إبلاغية قائمة على الإقناع وتستعمل لذلك كل وسائل الاتصال الإنساني من كلمة وصورة ورموز في أفق التأثير على المتلقي/المستهلك والدفع به إلى اقتناء منتوج ما، التسليم بأهميته وتفضيله على باقي المنتوجات. وليس الغرض الأساسي للإشهار هو إخبارنا بطريقة محايدة وموضوعية بمزايا وأهمية مثلا سيارة من نوع >فورد< بالمقارنة مع سيارة من نوع >رونو<، إن الهدف من وراء ذلك هو بث وزرع -بطريقة مباشرة وغير مباشرة -الرغبة في شراء السيارة من نوع >فورد< والدفع بالمستهلك إلى تفضيلها رغم مخاطبته العلنية للعقل. فالخطاب الإشهاري يتوجه إلى هذه الرغبة اللاشعورية التي يخلق ويدفع المتلقى للانسياق راءها.
وبناء عليه، فإن للدعاية والإشهار نفس المنطق التواصلي، كما أنهما يقومان إلى حد بعيد، على نفس المسلمات، فكلاهما عملية ممنهجة للإقناع، وبرزا للوجود في نفس الفترة تقريبا، أي في فترة عرف فيها المجتمع الغربي نموا مطردا خلق حاجات استدعت أساليب جديدة للتواصل. لقد أدى النمو الثقافي والاجتماعي والحضاري إلى خلق تحول جذري في الذهنيات وظهر للوجود ما سيسمى بعد ذلك بـ >مجتمع الجماهير< (La Société des masses). ولقد كانت أداة هذا المجتمع الجديد هي وسائل الاتصال الجديدة (الجريدة والملصق، والسينما، والراديو، إلخ). إن الإشهار والدعاية يخاطبان في آن واحد المجموعة (La Foule) والفرد المنعزل داخل هذه المجموعة؛ إنهما يستغلان مبدأين خاصين بالمجتمعات الجماهيرية الحديثة : مبدأ التفريد (Principe d’individualisation) من جهة، ومبدأ التجميع والتجنيس (Principe de globalisation et d’homogénération) من جهة ثانية.
لا ريب في أن هذين المبدأين يبدوان متناقضين في أول وهلة، ولكنهما في واقع الأمر مترابطان ومتكاملان. إنهما يصفان وضعية الفرد في مجتمع الجماهير. فلم يعد الفرد مرتبطا بالمجتمع التقليدي بل أصبح جزيرة صغيرة في بحر كبير، ووحدته وفرديته تجعلانه ينظر إلى نفسه كوحدة مختلفة ومستقلة لها رغباتها وحاجياتها ومخاوفها الخاصة. ومع ذلك ، فإنه واع كل الوعي بأنه وحد ه يدرك الوضعية الجديدة، وليس هناك من يعيش نفس الوضعية(4). ويقوم الإشهار وكذا الدعاية باستغلال هذين المبدأين ويحاولان استثمارهما للبلوغ إلى أهدافهما؛ فهما يتوجهان إلى الفرد قائلين : نحن نعرف أنك مختلف عن الآخرين وأنه يمكننا تلبية كل حاجياتك ورغباتك الشخصية، وبإمكاننا تبديد كل مخاوفك. ومن جهة أخرى، فإن الشعور بخصوصية الموقف لن يكون حالة شاذة، مماثلة لحالات متعددة تزكي الرغبات الشخصية وتضفي عليها مشروعية. هذا الوضع للفرد داخل المجتمع الجماهيري يستغل دائما من طرف الدعاية والإشهار، إنه يجعل من المتلقي مادة من السهل تسخيرها وتوجيهها لخدمة مصالح طرف ما. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مسلمة أخرى تجمع بين الإشهار والدعاية، ويتعلق الأمر باستثمار الواقع والاستحواذ عليه عن طريق المتخيل الرمزي. إنها الاستيلاء على وحدانية الفرد ودمجه داخل المجموعة عبر إثارة الموضوعات القديمة/ الحديثة، وكذا النماذج الباطنية المتجذرة في اللاشعور الإنساني. وهذا ما يفسر استغلالهما خوف الإنسان من المستقبل ومفاجآته التعيسة. إنها >حماية< للفرد من المجهول الذي لا يعرف كنهه.
يؤسس الإشهار وكذا الدعاية فاعليتهما انطلاقا من مسلمة أخرى تعود إلى قدرة وسائل الإعلام الحديثة على التأثير في المتلقين، أفرادا كانوا أم جماعات. إنهما يشترطان ويعتمدان في نفس الوقت على استغلال مصداقية وسائل الاتصال الحديثة واستغلال قابلية التصديق لدى المتلقي. إنهما لا يقومان بالإخبار، كما لا يقومان بتفسير الأحداث ووصف بضاعة ما بكل موضوعية وحياد، بل هدفهما الأساسي دفع المتلقي للتصرف حسب غرض يحدد مسبقا وإقناعه بصلاحية ومصداقية تصورهما ومقولاتهما. إن الرغبة في الوصول إلى >عقلنة< الرغبة، تجعل من هذه التصورات تتزيى بغلاف منطقي بعيد كل البعد عن حقيقتها الغريزية اللاشعورية. ومن جهة أخرى، فإن الإقناع قائم على الإغراء والإغواء للسيطرة على ذات تعيش المكبوت اليومي بصفته >بضائع وحاجيات وأدوات<. لهذا فإن علاقتهما بالواقع علاقة انتقائية؛ فهما لا يذكران ولا يشيران إلا إلى ما يزكي أغراضهما ويتطابق معا .
وفي الأخير يمكن القول بأن كلا من الإشهار والدعاية يكيف رسالته وطريقة إيصالها إلى الجمهور الذي يراد استقطابه حسب معايير مستقاة من علم النفس التجريبي وعلم النفس الاجتماعي. فنفس المضمون يكرر بصيغ وأشكال مختلفة حتى يترسخ بصفة نهائية في ذهن المتلقي. إن هذه العملية الأولية تجعل من المخاطب مستعدا لتصديق فكرة ما أو اقتناء بضاعة ما.
4- الإشهار كدعاية
لا يجب أن نقصر الدعاية على تحديد مضامين ذات طابع سياسي واضح تهدف إلى إقناع جمهور بآراء أو مواقف سياسية. إن الدعاية لا تقتصر على هذا النموذج الكلاسيكي الذي مثله -إلى حد الكاريكاتور- النظامان النازي والستاليني. فالدعاية مرتبطة بكل حملة دعائية -علنية أو متسترة- الغرض منها الدفاع عن أفكار أو نشرها أو الترويج لها تحت غطاء الصالح العام أو القيم الاجتماعية أو المصالح القومية أو المبادئ الإنسانية، إلخ. وفي حقيقة الأمر، فإن امتلاك إيديولوجيا مؤسساتية قسطا من النفوذ، يقودها إلى الاستيلاء على وسائل الاتصال وتقديم نفسها على أساس أنها وجهة نظر محايدة. إنه نفس الأسلوب الذي يميز اشتغال الإشهار وطرق تحققاته.
حين انتعش الإشهار، في العشرينات من هذا القرن، وتحول إلى صناعة ناجحة وقادرة على التأثير على المستهلك، طلبت ر. أكيلر، وهي موظفة سامية في الحكومة الفيدرالية، من رجال الأعمال الأمريكيين والإشهاريين ربط مصالحهم وبضائعهم بالمثل والمؤسسات الأمريكية والتأليف بين المصالح المالية والتجارية وبين المصالح القومية. في تلك الفترة بالذات كانت الولايات المتحدة لا تزال تعرف وصول أفواج كبيرة من المهاجرين الأوروبيين وخاصة من جنوب ووسط أوروبا التي كان الاقتصاد الأمريكي في حاجة ماسة إليها. كان المطلوب من الخطاب الإشهاري المبثوث في الراديو والسينما وفي الجريدة الناطقة باللغة الأصلية لكل جالية هو التعريف بالمبادئ الرئيسية للمجتمع الأمريكي وربطها بفعل أساسي : الاستهلاك، شراء منزل والذهاب إلى المطعم، واقتناءسيارة وقضاء العطلة الصيفية في فلوريدا مثلا، ومتابعة مباراة في البيز بول. لقد تم دمج المهاجر الجديد في المجتمع الأمريكي ومنحه هوية جديدة والدفع به إلى عجلةالاستهلاك مع شرط واحد : الإيمان بالمؤسسات الأمريكية ونظامها الاجتماعي وبالنمط الرأسمالي.
لا يكتفي الخطاب الإشهاري بدفع المتلقى إلى اقتناء بضاعة ما فحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى التبشير والتعريف بنظرة خاصة إلى الواقع وإلى المجتمع وإلى موقع الإنسان داخلهما، وبالأفكار التي تزكي هذه الأفكار(6). وهكذا، وبموازاة وضع بضاعة ما في الواجهة وتقديمها إلى المستهلك ،فإن الخطاب الإشهاري يقول لنا إنه من السهل تحقيق جميع رغباتنا. إن هذا الخطاب يضفي شرعية إضافية على منطق المجتمع الاستهلاكي وفلسفته الرأسمالية. فالحلول المقترحة لحل المشاكل التي تواجه الفرد في حياته اليومية كلها نابعة من هذه الفلسفة الاستهلاكية (7)، فعبرها تصبح البضاعة، في هذا الخطاب، المحور الرئيسي للعالم وللحياة، ويتحول الحصول عليها إلى امتلاك لقوة خارقة تغير حياة المخاطب كلية.
ويقوم الخطاب الإشهاري من جهة أخرى بإلغاء ومحو الزمن وتقديم عالم يتحرك خارج قوانينه، إنه يوهم المتلقي بزمن >لازمني<، إنه حاضر دائم وأبدى، وحاضريته تضمنها جودة البضاعة وجدتها الدائمتان. لهذا، فإن الإشهار لا يعرف الماضي : على المستهلك أن يؤمن بالجديد وبنبذ كل ما له صلة وعلاقة بالماضي (8)، وبذلك يتحول فعل الاستهلاك نفسه إلى فعل اجتماعي.
ومثل فعل الدعاية، يضفي الإشهار على علاقة الإنسان بالواقع طابع التبسيط والسطحية، لأنه يعطي دائما نفس الجواب لجميع الأسئلة والمشاكل التي تواجه الإنسان : إن البضاعة تتحول إلى تميمة سحرية قادرة على حل كل المشاكل، إنها أيقونة ذات قدرة هائلة على التأثير وعلى كشف الغطاء عن كل المشاكل، إنها تدخل المشترى إلى عالم سحري عجائبي. ومن جهته يقوم الخطاب الإشهاري من جهته بشحن هذه الايقونة بمعنى جديد بتجاوز معناها الأول (9). فالسيارة مثلا، ليست فقط وسيلة للتنقل؛ إنها مرادف للحرية، تمكن الإنسان من السيطرة على الزمن والفضاء، إنها تشير إلى وضعه الاجتماعي والطبقي. إن هذا المعنى الجديد الذي يمنح للبضاعة منبثق من منطق المجتمع الاستهلاكي ويتطابق مع خطاب اجتماعي سياسي.
وعلى هذا الأساس ، فإن الخطاب الإشهاري لا يشكل، في نهاية المطاف، سوى دعاية إلى شكل خاص من أشكال للحياة؛ إنه عالم سعادة لا تنتهي عند حد : إنه تحقيق الذات والنشوة واللذة ومثال الرجولة أو الأنوثة والجمال والقوة والأناقة… كل هذه العناصر مرتبطة بعملية الشراء والاقتناء، فهي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع بها الفرد تحقيق توازنه، وتساعده على حل مشاكله. فهو قادر بفضل هذا على تجاوز محدوديته وطاقاته ليرقى إلى عالم مجرد عالم الكمال والسعادة الدائمين. ويقدم النظام الاستهلاكي الشرط الرئيسي لكل فعل اجتماعي ، فالهوية الاجتماعية للفرد لا تتحدد بصفة نهائية وبوضوح تام إلا داخل هذه العلاقة التجارية الاستهلاكية. وبما أن اقتناء سيارة أو دراجة أوثلاجة … فعل يدخل المستهلك إلى عالم السعادة الآنية الدائمة ، العجز عن فعل ذلك تهميش وطرد له من هذا العالم المثالي، لتضمحل هويته الاجتماعية وتندثر.
لهذه الأسباب يمكن اعتبار الخطاب الإشهاري خطابا كليانيا، بالمعنى الذي حدده ر. بارث لهذا المفهوم، فهذا الخطاب يقوم باختزال واقع بالغ الغنى والتنوع داخل كيان واحد. فالخطاب الإشهاري كلياني لأنه يدعي اختزال معنى الحياة في الاستهلاك والبضاعة، ولا وجود للإنسان ولاخلاص له خارجهما. إنهما بعدان أساسيان لوجود الإنسان؛ بل أكثر من ذلك، يرقى استهلاك البضاعة حسب الخطاب الإشهاري والمنطق الذي يحكمه إلى معطى أنطولوجي يحدد ماهية الإنسان. إن الخطاب الإشهاري لا يشترك مع الدعاية في بعض خصائصها الرئيسية بل يتحول هو نفسه إلى دعاية لإيديولوجية معينة، إنها الإيديولوجيا الرأسمالية ومنطقها الاستهلاكي.
4 – خلاصـــة
لقد حاولنا التركيز في هذه الورقة على نقط التلاقي ومواطن التشابه بين الخطاب الإشهاري والدعاية، ولم يكن هدفنا الوحيد هو ضرورة اعتبار كل حملة إشهارية دعاية إلى إيديولوجيا ما. لقد أكدنا بالخصوص أنهما يستعملان نفس الاستراتيجيات الإيحائية ونفس الميكانيزمات الإقناعية للوصول إلى نفس الغرض : التأثير على آراء وأفكار المتلقي وجعله يتصرف بطريقة تناسب وتتوافق مع مصالح ومبادئ الجهة المنتجة للخطاب الإشهاري أو الدعائي. ولقد أشرنا أيضا إلى أن الخطاب الإشهاري يلعب دورا رئيسيا في نشر الدعاية لتصور خاص للحياة من خلال إضفاء معنى رمزي واجتماعي على البضاعة.
لقد آثرنا في هذه الورقة الوقوف عند حدود رصد أوجه التشابه بين الخطاب الإشهاري والدعاية من جهة، وأكدنا، من جهة ثانية، كيف يتحول هذا الخطاب نفسه إلى دعاية إيديولوجية دون أن ندعي أننا أجبنا عن كل الأسئلة التي تثيرها قضية من هذا الحجم. كما أننا لم نوف الخطاب الإشهاري كامل حقه وخاصة فيما يخص الأساليب التي يستعملها لتمرير مواقفه الإيديولوجية.
إن أية دراسة مستفيضة في هذا المجال تستلزم الاعتماد على تحليل لكل من الصورة والنص في الخطاب الإشهاري والدعائي. ويجب على هذه الدراسة أن تقارن مثلا الدور الذي تلعبه العبارات التعميمية مثل >الإنسان بطبعه تواق إلى..< و>الشعب الأمريكي لا يقل…< في إبطال وتعطيل بناء كل عملية عقلانية نقدية لهذه المقولات حتى يتسنى لكل فرد أن يدرك الاستراتيجيات المستعملة في كلا الخطابين لاحتواء المشاكل الاجتماعية التي يدعي كل منهما تجاوزها.
——————————————–
الهوامش
1) A. Rhodes : La Propagande dans la Seconde Guerre mondiale, Paris, Presse de la Cité, 1989 , p. 26
2) R.Ohmann ..
Studies Reader, History, Theory , Practice, éd. by J.Nunns / G. Rayan p. 306 .
3) E.E Dennis / J.C. Merill, Media Debates . Issues in Mass Communication, Longman, 1996, p.116 .
4) J. Beauchard : La Puissance des foules, PUF, 1981, p. 93
5) S. Ewin, “Advertising and The Development of Consumer Society” in American Popular Culture Wisconsin University Pron , 1990,p.90
6) R.Ohmann, p. 309
7) S. Ewin op. cit. p. 91
8) F.Brune : “Violence de l’idéologie publicitaire” in le Monde Diplomatique, Août 1995.
9) S. Jhally : ” Advertising as Religion. The Dialectic of Technology and magic ” in American popular Culture. op. cit., p,220
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6788