نضع بين يدي القارئ في هذا العدد محورا خاصا ببعض قضايا الرواية المغربية : قضاياها من حيث البناء والدلالة والتركيب، وكذا صور علاقتها بالأجناس الأدبية الأخرى (السيرة الذاتية مثلا). ويمكن اعتبار هذا العدد مواصلة لحوار لم ينقطع قط مع النصوص السردية بأبعادها النظرية والتطبيقية، حيث لم يخل عدد من أعدادنا السابقة من دراسة تخص هذا المجال المعرفي المتميز. وكنا قد توجنا هذا الحوار بتخصيص العدد السادس لمساءلة مناهج تحليل الخطاب السردي حيث قدمنا سلسلة من الدراسات النظرية والتطبيقية كان البعض منها منصبا على الرواية المغربية. ونعود في هذا العدد لمحاورة المحلي والخاص من خلال قراءة مجموعة من النصوص الروائية لمبدعين مغاربة.
ولسنا في حاجة إلى تبرير هذا الاختيار، فهناك الكثير من المؤشرات التي دفعتنا إلى إعداد هذا المحور. فقد راكمت الرواية المغربية منذ نشأتها، عبر حوارها مع نفسها وعبر حوارها مع النص الروائي العربي، مجموعة من التجارب الفنية والفكرية الشيء الذي يبشر بتشكل ملامح نص روائي مغربي له مميزاته. فالرواية المغربية، وهي تبحث عن بناء شخصيتها الخاصة، لم تقطع صلتها مع النص الروائي العربي، ففي أحضانه ولدت ومن تربته تغذت، كما أنها لم تقطع صلتها أبدا بواقعها الخاص : واقعها الثقافي المحلي وواقع تجارب مبدعيها وآفاقهم الثقافية المتميزة، كما حافظت على صلتها بالتجارب العالمية حيث أسهم تفتح المبدعين المغاربة على إخصاب النص الروائي المغربي في تشكيل معالم النص الروائي المغربي. إن هذا الحوار الدائم مع نفسها ومع محيطها العربي ومع محيطها الإنساني هو الضمانة الوحيدة على بناء شخصية الرواية وتميزها.
وفي هذا الإطار يمكن تصنيف هذه المحاولة التي أقدمت عليها علامات خدمة للنص الروائي المغربي وإسهاما منها في الكشف عن خصائص بنائه. وقد اشتمل هذا المحور على سبع مقالات. منها ما هو مخصص لدراسة نصوص بعينها ومنها من آثر تناول ظاهرة نصية عبر مجموعة من النصوص والكشف عن تمظهراتها المتنوعة، ومنها من تتبع مسار العلاقة بين الرواية كجنس أدبي في علاقته بأجناس أخرى كالسيرة الذاتية مثلا.
ففيما يخص الاختيار الأول يقدم لنا سعيد يقطين دراسة خاصة لرواية عبد الحي المودن، تسير في اتجاه البحث عن خصوصية الكتابة الروائية من حيث هي تجربة بحث دائم عن الذات وخصوصياتها ضمن واقع لا يني يتحرك ويتغير. ويكتب الدكتور حميد لحميداني في نفس الاتجاه نصا نقديا تمحور حول دراسة الأفضية في رواية >الضوء الهارب< لمحمد برادة : حوار الأفضية وعبرها حوار الثيمات والشخصيات والآفاق الثقافية والحياتية المتنوعة. وتقدم بديعة الطاهري قراءة لروايتي محمد برادة : >لعبة النسيان< و>الضوء الهارب<. في هذه الدراسة تقدم لنا الطاهري مجموعة من الملاحظات الخاصة ببناء الثيمة عبر بناء الشكل الروائي.
في الاختيار الثاني، يقدم لنا الدكتور عبد العلي بوطيب دراسة لنص سيري لصاحبه الاستاذ عبد الكريم غلاب. ويتعلق الأمر بدراسة لـ>سفر التكوين< تناولت النص السيري من زاوية نمط بنائه السردي إذ أن استعارة أساليب النص الرواية لن تقود سوى إلى تقديم حياة الكاتب على شكل نص واقعي يتدثر بخصائص النص التخييلي. ونفس العلاقة -علاقة الرواية بالسيرة الذاتية- هي ما يشكل مضمون الدراسة التي يقدها محمد أقضاض. هل الرواية المغربية سيرة ذاتية مموهة، أم أن السيرة الذاتية هي رواية في شكل سيري؟ سؤالان مركزيان حاول أقضاض، من خلال الاستعانة بمجموعة من الأدوات، الإجابة عنهما.
أما الاختيارالثالث فيقودنا إلى رحلة عبر مجموعة من الرويات المغربية مما يضفي على المقالين (مقال الحجمري والعلام ) طابعا متميزا. في المقال الأول تناول عبد الفتاح الحجمري قضية البداية والنهاية في الرواية المغربية مستندا إلى نصوص متميزة عن بعضها البعض. من خلال هذه النصوص حاول الحجمري تحديد المضامين المرتبطة بهذين المكونين، ومحددا، من جهة ثانية، خصائص الرواية في بناء ذاتها عبر ما تقدمه بدايتها ونهايتها. من الجانب الآخر اختار عبد الرحيم العلام الوقوف عند خطاب المقدمات وموقعه من النص المسيج بذاتية الكاتب الذي لا يجب أن تخترق. إن العتبات، حسب العلام والذين يستند إليهم في دراسته، ليست كلمات أو أشكال تضاف إلى النص الأصلي، إنها على العكس من ذلك جزء من دلالته ومكون من مكوناته. ورغم قلة هذه النصوص المقدماتية في الرواية المغربية، فإن رصدها وتتبعها بالنقد قد يساهم في إضاءة النص الروائي المغربي.
نأمل أن تكون هذه النصوص مجتمعة قد أسهمت في إلقاء المزيد من الأضواء على النص الروائي المغربي، وتحديد موقعه من النص الروائي العربي.
بالإضافة إلى محورالعدد نقدم، كالعادة، سلسلة من المقالات الهامة في مجالات مختلفة الرابط بينها رؤية حداثية لكل الظواهر الإنسانية بأبعادها المتعددة. فقد خصنا الدكتور سعيد علوش بمقال هام يتناول فيه مجموعة من القضايا الفكرية الخاصة بالتصور الفلسفي للنصوص متخذا من مؤلفين لمحمد مفتاح وعبد الله الغذامي نموذجا لدراسته النطرية. إنه مقال سجالي هام يخرج من دائرة التمجيد. وبنفس الروح، يترجم محمد الخطابي نصا لإيجلتون موضوعه الأساسي محاولة لتحديد ماهية الأدب، إنه أيضا مقال سجالي من حيث إنه يرتكز، في تقديم نتائج دراسته، على مناقشة مجموعة من الأطروحات التي تناولت نفس القضية. وكعادته يقدم محمد خطابي نصه مرفوقا بغطائه المعرفي والسياقي والتاريخي، وهذا ما يجعل من هذه الترجمة إبداعا للنص المترجم. ويترجم عبد العلي اليزمي نصا لدولودال خاصا بشارل سندرس بورس وكيفية التعامل مع نصوصه وطريقة قراءتها. ودائما في مجال ترجمة النصوص ، يقدم سعيد بنگراد نصا لمارينا ياغيلو، الباحثة الفرنسية، يتناول قضية موقف القاموس من المرأة، أو قضية التصنيف اللغوي للمرأة وعالمها الثقافي والبيولوجي، مفردا له مقدمة تفتح آفاق البحث في المجال العربي في قضايا المرأة وموقعها داخل اللسان العربي.
ويقدم الدكتور محمد خرماش مقالا مكملا للمحور، إذ تناول في مقالة مركزة وغنية مجموعة من القضايا الخاصة بعلاقة اللغة بالواقع من جهة، وعلاقة النص الروائي بالواقع وباللغة من جهة ثانية. ويسهم معنا لأول مرة ادريس كثير وعز الدين خطابي بمقال حول تصور الفارابي للغة ولقضايا التسمية والتعيين واللغة الواصفة . إنه الأمر يتعلق باستعادة لنصوص مؤسسة في مجال الفلسفة واللغة. ونختم هذا العدد بمساهمة من عبد السلام فزازي حيث يترجم مقالا عن قضايا الترجمة في علاقتها بالتأويل.
علامات
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6810