تطواف

Bengrad
2021-06-04T11:55:53+00:00
العدد التاسع
13 أغسطس 2020352 مشاهدة

عبد الكبير الخطيبي

ترجمة ادريس جبري – محمد بوتخامت – مراجعة محمد الولي

اخترعت حضارات الدليل، البيتوغرافية في أول الأمر، تقنيات الفهرسة والتوثيق، بواسطة الرقم. بعبارة أدق “البيتوغراف”، أو معادله الرمزي. وهو النتيجة المتولدة عن لاتحديدية المكتوب والصورة والذي بلغ ذروته في الخط الصيني والإسلامي.

بلورت حضارات الإيقاع، كما الشأن في التراث الإفريقي، تواشجا رائعا بين النحت والموسيقى. وقد ألهم هذا التراث كلا من بيكاسو وجيكومتي في الفن الحديث : يقاوم الإبداع الموت، بابتكاره للحياة مرة ثانية، وهذا ما يدعى بعثا Michel Serres. إنه الموت الذي يهب الحياة والبقاء في صميم العمل الفني. يسم الفن القدر، وينصب الإنسان في أبديته الهاربة. أن نرى لوحة، هو دائمة استعادة، حيث الزمن الذي يمضي مستنبتا وجريحا في تدفق الأشكال والألوان.

أن نتأمل عملا فنيا معناه الخروج من التنويم المغناطيسي، والدخول في هواجس فعالة، مصاغة تشكيلا من قبل الفنان.

ويمكن لهذه الهواجس الفعالة، أن تبدأ بالمرسمة imagerie كما يمثله لنا الفن المدعو ساذجا، الفن الأكثر إثارة للاحتجاج، والأكثر هشاشة، كالطفل الذي يرفض أن يكبر، ويري ألوان العالم ترشق يديه. من هذا الانبهار بالسهر كغاف على الفراديس المفقودة، والبدايات المتجددة والعفوية للفن.

إلا أن أحمد إدريسي، هذا الملون المدهش، لم يدع نفسه ينخدع بهذه السرابات، وهذه المشاكلات التقسيمية. إنه مؤلف (أشكال وألوان)، ذو بساطة تشكيلية حاذقة، لا تنقصه الجرأة البتة. خلف المشاهد اليومية، التي يمشهدها باقتصاد كبير للدلائل، ثمة بالضرورة رسم أولي لخرافة لأسطورة. ما يفتنني لديه تواضعه الجم، وحسه بالإنساني. هذه السكينة المسكونة بالرغبة في الجوهري.

ذلك شغف كل فنان ينشئ من أجل متعنا المفارقة، أبديات هاربة. أن نرى العالم، وأن نراه ثانية برؤية الفنان، يثري ابتكارنا للأشكال وأسلوب الحياة لدينا.

بتنوع المظاهر المنسوجة بالدليل، والشكل واللون والمادة، يسعى الفنان إلى تغيير الشكل وليس إلى تجسيده البتة. إن الواقع الذي يهتز في منتهى عينيه، هو واقعة قبل كل شيء : واقع انفعالي وحسي يجذبه غالبا الحنين والكآبة وحب العزلة.

في كل عمل فني يطفو الفنان ثانية على السطح وحيدا أمام اللاشكل، من هنا هذه النظرة الغائبة لدى الفنانين، حيث يبدو مظهر الأشياء مجردا من عتمته. ولهذا يحيى الفنان غالبا في اللوحات أكثر مما يحيى في العالم. إنه يخلف أثرا من خلال العمل الفني ويضرب جذوره فيه، بقدر ما يبدو هو ذاته كنتاج للعمل الفني جسدا وفكرا.

تلك هي، رؤية الغرباوي، الدوامية. يقال عنه أنه إشاري. بمعنى أنه مأخوذ هنا بالرؤية المباشرة للدوار والنزول المتسارع في اندفاع الألوان. إنه ينشئ، متاهات وانتظام الدلائل، وانفلاتها.