استطيقا الانفلات قراءة في أعمال بوشتى الحياني

Bengrad
2021-06-04T11:55:00+00:00
العدد التاسع
13 أغسطس 2020345 مشاهدة

عبد الرحمان طنكول

لقد بدأ التشكيل المغربي يفرض نفسه على الصعيد الدولي منذ بضع سنوات. يشهد على ذلك اتساع المكانة التي يحتلها في المجلات الفنية وفي قاعات العرض. إن هذا يفرض علينا طرح السؤال الآتي: ما هي الملامح الفريدة التي تميزه وتلفت الأنظار؟ ليس هناك، بهذا الصدد، إلا جواب واحد : إنها كفاءة الفنانين المغاربة على المزاوجة المتماسكة والمتناغمة بين الأصالة والحداثة. لقد احتل هذا النزوع، منذ الأعمال الأولى لكل من الشرقاوي والغرباوي، مكانة هامة. وانتجت هذه التجارب آثارا جريئة. يمكن أن نستشهد بهذا الصدد بآثار فريد بلكاهية وحسين ميلود وفؤاد بلامين ومحمد قاسمي وعيسى إيكن … إننا لا نستطيع مع ذلك أن ننكر وجود بعض الأعمال التي لم تتمكن من تجاوز المحاكاتية الأكثر سطحية للفن التقليدي. وهي الأعمال التي لا تسعى إلا إلى ماهو غرائبي وفلكلوري. ولا تثير هذه الآثار حماسنا وفضولنا. وعلى العكس من ذلك فإن التجارب التي تجذب اهتمامنا بشكل خاص في هذا المجال هي الآثار التي تفعل في الفن التقليدي لأجل تغييره وتجاوزه. وينتج عن هذا في الغالب عمل فريد إينيدي]. وهذا الاتجاه الذي لا يتنكر للأصول يقوم على المثاقفة. من الملتزمين بهذا الموقف بوشتى الحياني وهو من القلائل جداً الذين الذي نجحوا في هذا التأليف المتناغم.

1- وحينما نفحص عن قرب آثار هذا الفنان، وعلى الخصوص أعماله الأخيرة، لا نستطيع تجنب السؤال عن المكانة التي يحتلها في مجال التشكيل الوطني : هل يبدع هذا الفنان ذلك الفن غير الصوري؟ أم الصوري؟ أم التجريد الغنائي أو الهندسي؟. والواقع أن هذا الرسم يمكن أن يضللنا وإنه لمن المجازفة حصر هذه الأعمال ضمن قالب معين.

يمكن القول :إن هذا الفنان يرفض التبعية التامة وهو يسعى بذلك إلى حماية حريته. إنه يبعث الانطباع بكونه غائباً، ومحايداً وقليل الاهتمام بما يجري هنا أو هناك في مجال الفنون التشكيلية. هذا هو الذي يفرض علينا التفكير في أن فنه هو فن الانسحاب التام : إن فنه يتطور في الهامش وبكيفية منفردة ومنعزلة. الفن الذي يلتفت إلى نفسه أكثر من التفاته إلى العالم الخارجي إنه يتطور دوماً في اتجاهات غير متوقعة. أليس هذا، بالنسبة إلى الفنان، كيفية زحزحة المعايير القائمة؟ إن هذا هو الذي يجعله، في الكثير، غير مفهوم فهماً تاماً. ومع ذلك لا يمكن أن نزحزح مكانة الحياني كما أن فنه بعيد عن كل كلام نافر. من أين يستمد إذن فن الحياني هذه القدرة على المقاومة؟ إن هذه القدرة على المقاومة ينبغي التماسها في آثاره الفنية وحدها. إن شغفه الوحيد هو إبداع تشكيل لوحات كما يفهم هو ذلك، أي فناً باعتباره بحثاً خالصاً عن العلامة، الشكل والمادة.

2 – إن هناك بحثاً مخيباً مع ذلك، لأنه لا يبعث الانطباع بكونه ناضج الصنعة. إن الإشارة التشكيلية تبدو في مختلف لوحات الحياني غفلا. وكأن الفنان يريد أن يقول : إنه يكفي لأجل الرسم وضع العجين على القماش. إن الأشكال الخطية (المثلث واللطخة والدائرة…) التي يعرضها تجعل المتأمل يدرك بعض الدلالات الثقافية والرمزية : القناع والوجه والجسد الأنثوي. إلا أن هذه لا تكون أبداً واضحة الدلالة. إن الإشارة التشكيلية تظل كثيفة وغامضة. إننا نلاحظ ذلك في تشابك وانفجار النبرات tons والآثار وتزاحم الشرارات وفي الانتشارالمصدوم للدلائل وفي المفارقة بين الألوان وفي تكثف الخطوط والتخوم. كل شيء يجعلنا نفكر أن ما يهم الفنان هو تعبيرية المادة التي يقدمها باعتبار ما فيها من استغلاق وتمنع.

3 – إننا نستخلص من هذا العمل التشكيلي نزوعاً واضحاً نحو عمل يستمد قواعده التشكيلية الخاصة من هذا التشكيل ذاته ليس هذا التشكيل موضع قيم أخلاقية يمكن تحديدها والتأمل فيها ولكنه مجال تائه بالمقارنة مع القرائن الأخلاقية والإيديولوجية. وهكذا فإن قوة الحياني الكبرى تتمثل في وضعنا في قلب تجربة تخرق توقعات المتلقي. لا يطلب من هذا تفكيك رسالة ما.إن دوره هو بالأحرى اعتبار اللوحة موضوع متعة قابل لتأويلات دلالية عديدة. إنه لمما يحمل دلالة أن الفنان يعطي لآثاره سمة أثر غير تام، أثر في طريق تشكله. هذا الإجراء يترجم هم الفنان إخراج المتلقي من خموله وتوريطه في الصيرورة الابداعية.

إننا نقدر بهذا تفرد فنان تشكيلي ينزع وهو يتأرجح بين التجريد والتجسيد إلى تفضيل سعادة الرسم بدون زخارف. وهو العمل الذي يجعلنا نعتقد أن الأمر يتعلق بعمل سهل إلا أننا لا ننتبه بعد لاحقاً أن هذا العمل لا يستسلم لنا.