إمبرتو إيكو
I- زمن القارئ
اسمحوا لي باستعارة عنوان بحث لـ كاستولي ( J M Castellet) نشر منذ أزيد من ثلاثين سنة(2). يقال إن الإبدال ( paradigme) قد تغير في غضون العقد الأخير مقارنة بالمقاربات النقدية السابقة. ففي الوقت الذي كانت فيه الأولوية، زمن سطوة البنيوية، لتحليل النص باعتباره موضوعا يملك خصائصه البنيوية المتميزة القابلة للوصف انطلاقا من شكلانية تتفاوت درجة صرامتها، فإن التوجه الجديد قد وجه الاهتمام نحو إشكالية تداولية القراءة. وهكذا، فقد تعددت منذ بداية الستينات النظريات الخاصة بثنائية القارئ/الكاتب، لدرجة وجدنا أنفسنا فضلا عن مقولتي السارد والمسرود له، إزاء سراد سميائيين وسراد تخييليين وأنواع أخرى، وكذلك أمام ذوات للتلفظ المتلفظ والمبئرين والأصوات وما فوق السراد، الخ. ويقع في مقابلهم عدد مماثل من القراء المحتملين والقراء المثاليين وآخرين نموذجيين والقراء المتفرعين hyper lecteur والقراء المبنيين، والقراء المطلعين والقراء الجماع والقراء الضمنيين وما فوق القراء وغيرهم. وقد نجم عن هذا الوضع أن أصبح موضوع البحث في تيارات نقدية مختلفة – تمتد من استيتيقا التلقي إلى الهرمنطيقا، ومن سميوطيقا “القارىء المثالي” أو “النموذجي ” (3) إلى الطليعي الأنجلوساكسوني (المسمى بـ “النقد الموجه نحوالقارئ “) والنقد التفكيكي – هو طرائق بناء أو تفكيك النص التي يرهنها فعل القراءة باعتبارها شروطا فاعلة يستلزمها تحقق النص بوصفه نصا. ولم يعد موضوع البحث في تلك التيارات هوالطرائق الأمبريقية المرتبطة بالقراءة بمعناها الحقيقي (التي كانت موضوع سوسيولوجيا التلقي).
وتتمثل الأطروحة الكامنة وراء هذه الاتجاهات في افتراض أنه لا يمكن تفسير اشتغال أي نص، بما في ذلك النصوص غير اللفظية، إلا إذا أخذنا في اعتبارنا – فضلا عن لحظة تكوينية أو عوضا عنها – الدورالذي يلعبه القارئ من زاوية فهمه وتحقيقه وتأويله، علاوة على الكيفية التي يتوقع بها النص صيغ المشاركة هذه.
إن واين بوث ( W Bouth) هو أول من استعمل مفهوم الكاتب الضمني الذي يتكفل بقارئه ، وذلك في كتابه بلاغة التخييل ( 4) الصادر سنة 1961. لكن بعد ذلك ظهر اتجاهان وتطورا وهما يجهلان بعضهما البعض. فهناك من جهة الاتجاه السميوطيقي البنيوي، وهناك من جهة ثانية الهرمنطيقا. نشأ الأول مع البحوث المجمعة في العدد الثامن من Communications 8 الصادر سنة 1966، حيث شدد بارث على وجوب عدم الخلط بين “الكاتب” (المادي والواقعي)وبين “السارد” ، وحيث أشار تودوروف إلى الزوج “صورة السارد” و”صورة الكاتب” . وتناول من جديد بعض التمييزات التي اقترحها بوييون ( J. Pouillon) (5) فيما يتعلق بوجهات النظر (وإن كان بوييون ذاته قد تأثر بأعمال كل من بيرسي لوبوك ( P .Lubbock) وفورستر ( M .Forster ) وهنري جيمس (H .James). وفي العدد نفسه من Communications 8 شرع جونيت (G. Genette) في بلورة ما سيصبح ابتداء من سنة 1972 نظريته حول “الأصوات” و”التبئير”. انطلاقا من هذا ومرورا بمختلف إشارات كريستيفا حول الإنتاجية النصية وببعض أعمال يوري لوتمان، وبمفهوم “القارئ الجامع” الذي اقترحه ريفاتير والذي ما يزال تجريبيا، وكذلك بوجهة نظر هيرش ( E.D. Hirsch ) النقدية (6)، نصل أخيرا إلى مفهومي الكاتب والقارئ الضمنيين اللذين طورتهما ماريا كورتي (M. Corti ) وسيمور شاتمان (S .Chatman) (7) (وأفكارهما قامت على أفكار واين بوث). ونصل أخيرا إلى المفهوم الذي أقترحه أنا عن القارئ النموذجي (8)، وأنا مدين في صياغته إلى مقاربة السردية من منظور منطقي صوغي، كما نهض بها فان ديك ( T . A Van Dijk) وشميت (S . Schmidt ) (9)، وكذلك هارالد فينريش (H . Veinrich) (10)، ثم فكرة لويجي باريسون (L Pareyson ) (11) المتعلقة طبعا بكيفية تشكل الكاتب بوصفه محفلا ثاويا في النص. غير أن ماريا كورتي تنبهنا إلى أن ميشيل فوكو كان سباقا إلى طرح قضية المؤلف في أحد نصوصه – من منظور يتجاوز البنيوية بمعناها الحرفي – بحيث اعتبره مرتبطا بكيفية وجود الخطاب ومجالا للانسجام المفهومي والوحدة الأسلوبية، أي مبدأ يحقق وحدة الكتابة .(12)
ويقدم لنا إيزر( W. Iser) (13)، في الجانب الآخر تصورا يستعير مصطلحاته من بوث، وإن كان يحيل عليها انطلاقا من تقليد آخر (إنگاردن وگادامر وموكاروفسكي وياوس) دون إغفال منظري السردية الأنجلوساكسونية والنقد الجويسي (نسبة إلى جويس) . وقد عمل إيزر فيما بعد على التقريب بين الاتجاهين في كتابه فعل القراءة ( L’acte de lecture) حيث يحيل على جاكبسون ولوتمان وعلى بعض ما اقترحه كاتب هذه السطور في الستينات.
لقد غدا هذا الإلحاح على القراءة والتأويل، وعلى تعاون أو مشاركة القارئ سمة هامة من التاريخ المتعرج للإبستيمي المعاصر. ولعله من المثير الإشارة بهذا الخصوص إلى شارل فيلمور الذي ينطلق في بحوثه من علم الدلالة ويلامس قضايا الذكاء الاصطناعي. فقد كتب سنة 1981 بحثا عن “القارئ المثالي” و”القارئ الواقعي”، وإن كان ينطلق فيه، في الواقع، من النصوص اليومية (لا من النصوص الأدبية)(15).
هكذا ينبغي أن نتساءل الآن، أمام هذه النظريات، حول ما إذا كان الأمر يتعلق بتوجه جديد وفي أي اتجاه.
ما يثيرالاستغراب بخصوص الشق الأول من التساؤل هو أن تاريخ الاستتيقا يمكن أن يختزل في تاريخ لنظريات التأويل، أو تاريخ للتأثيرات التي يحدثها العمل الأدبي في القراء، سواء تعلق الأمر بالاستتيقا الأرسطية أو باستتيقا الجزالة (sublime) المنسوبة للونجان لـ Longin وسواء تعلق باستتيقا الكشف esthétique de la vision الوسيطية أو بقراءات استتيقا أرسطو المتجددة، وسواء تعلق باستتيقا الجزالة الكلاسيكية أو بالاستتيقا الكانطية أو بمختلف الاستتيقات المعاصرة (الظاهراتية والهرمنطيقية والسوسيولوجية، واستتيقا باريسن Pareyson التأويلية) فإنها كلها موجهة نحوالتأويل.
يرجع هوليب R Holub (16) أصول البحث الذي اضطلعت به مدرسة كونسطانس إلى المفاهيم الشكلانية حول “الزخرف” و”التغريب” و”المهيمنة”، وإلى فكرة إنگاردن (17) حول الأثرالأدبي باعتباره هيكلا أو خطاطة لا تكتمل إلا بتأويل المتلقي، أو باعتباره سلسلة من الممكنات على المتلقي أن يختار بينها، ويرجع جذوره كذلك إلى النظريات الاستتيقية المنحدرة من بنيوية “براغ” (Prague) وخاصة اجتهادات موكاروفسكي، وأيضا إلى نظرية گادامر الهرمنطيقية، وإلى سوسيولوجيا الأدب. أما الجذور السوسويلوجية للقضية، فيمكن إرجاع عناصرها إلى دوناتيلا فيراري برافو ( D . F Bravo )(18). وبخصوص التقليد السميوطيقي، فأنا أذكر أن شارل موريس سبق له أن لاحظ في مؤلفه ( Foundations of the theory of signs) ( 1938) أن النظريات السميوطيقية، منذ نشأتها، سواء عند القدامى أو مفكري القرون الوسطى، (وسواء تعلق الأمر بالبلاغة الإغريقية واللاتينية أو بالتداولية السوفسطائية، أو ببلاغة أرسطو أو سميوطيقا القديس أوغسطين – التي كانت تفسر عملية الدلالة بالإحالة على الفكرة التي تولدها العلامة في ذهن المؤول). كانت تشير دائما إلى دور المتلقي المؤول.
وأذكر أيضا ما قدمه سنة 1965 الباحثون الإيطاليون في مجال سميوطيقا التواصل الجماهيري في ندوة بيروز (Perouse) التي كان موضوعها هو العلائق بين التلفزة وجمهورها (19). ففي هذه الندوة شددتُ أنا و باولو فابري ( P . Fabri) على أن دراسة الرسائل المتلفزة من منظور الشفرات الخاصة بالمرسلين لا تكفي، بل ينبغي تحليل مضمونها أيضا انطلاقا من الشفرات الخاصة بالمشاهدين.
لقد نشأت نظريات سميوطيقا التلقي في الستينات ردا على : أ – تصلب بعض المناهج البنيوية التي كانت تدعي القدرة على إدراك العمل الفني أوالنص في حدوده الموضوعية، باعتباره مادة لسانية. ب – تعنت بعض النظريات الدلالية الشكلية الانجلوساكسونية المنشأ، التي كانت تزعم الاسغتناء عن كل إحالة على المقام وعلى الظروف المحيطة بالتداول، والاستغناء أيضا عن الإحالة على السياق الذي يتم فيه بث العلامات والملفوظات (وهو موضوع الجدل حول اعتبار علم الدلالة معجما أو موسوعة) . ج – أمبريقية بعض المقاربات السوسيولوجية.
وبطبيعة الحال فإن محدثكم – وهو أمر يبرز الخلفية الذاتية الكامنة خلف هذا الاستقصاء الأركيولوجي – هو صاحب كتاب ” L’oeuvre ouverte” (20). وهو كتاب، وإن كان أُلف بين 1958و1962 بأدوات كانت ما تزال بدائية، فإنه مع ذلك يضع العلاقة بين العمل الفني وقارئه أساسا لاشتغال ذلك العمل. وهذه العلاقة يفرضها العمل بشكل قسري، لكنها تتخذ – في الآن ذاته – صورة علاقة حرة وغير متوقعة. لقد كان الأمر يتعلق إذن بفهم كيف أن العمل الفني، وهو يتوقع نسقا من التوقعات السيكولوجية والثقافية والتاريخية المحددة من طرف المتلقي، يهدف إلى تشكيل ما كان “جويس” (Joyce) يسميه في كتابه “Finnegans wake” بـ “القارئ المثالي”. وبطبيعة الحال، فإن ما كان يعنيني في ذلك العهد – في الدرجة الأولى- هو كون القارئ المثالي – بمفهوم جويس دائما – مصابا بـ “سهاد مثالي” تفرضه استراتيجية النص مباشرة، وهي استراتيجية الهدف منها دفع القارئ إلى مساءلة لانهائية العمل. غير أنني ألححت منذ ذلك الحين على أن تنصب تلك المساءلة على العمل في حد ذاته لا على الانفعالات الداخلية للذات، كما ألححت على أن تتخذ صورة حركة جدلية تقرن بين “الأمانة” و”الحرية”، وذلك وفاء مني، مرة أخرى، لاستتيقا باريسن التي أعطيتها صيغة دنيويةة ( version sécularisée ) كما قلت مؤخرا.
إلا أن التأكيد – بهذا الشكل – على أن الدعوة إلى حرية التأويل، تتصل ببنية الأثر الشكلية، معناه طرح قضية معرفة الكيفية التي يستطيع بها العمل – بل يضطر – إلى توقع قارئه الخاص.
II أنماط ثلاثة من القصد
لنتحدث الآن عن الوضعية الراهنة، إن التقابل بين المقاربة التكوينية – التي تبحث في قواعد إنتاج المادة النصية باعتبارها تقبل الوصف بغض النظر عن التأثير الناتج عنها – من جهة، والمقاربة التاويلية من جهة ثانية، لا يتطابق مع نمط آخر من التقابل شائع بدوره في مجال الدراسات الهيرمينوطيقية ومتشعب إلى ثلاثة أصناف هي : التأويل باعتباره بحثا عن مقاصد الكاتب (L’intentio – auctoris) والتأويل باعتباره بحثا عن مقاصد النص (L’intentio-operis) والتأويل باعتباره بحثا عن مقاصد القارئ (L’intentio-Lectoris)
وإذا كانت الأهمية الممنوحة لمبادرة القارئ – باعتباره المعيار الوحيد الأوحد في تعريف النص – قد اصبحت على قدر كبير من الوضوح في المرحلة الحديثة، فإن النقاش الكلاسيكي للقضية كان يدور في المقام الأول حول السؤالين الناظمين التاليين :
– هل ينبغي البحث في النص عن مقصد المؤلف؟
– هل ينبغي البحث عما يقوله النص بقطع النظر عن مقاصد كاتبه؟
فإذا وقع اختيارنا على الحد الثاني من التقابل السابق، واجهنا تقابل جديد يتفرع إلى :
– ضرورة البحث عما يقوله النص – من جهة – بناء على انسجامه السياقي وعلى مقام انسقة الدلالة التي يحيل عليها.
– ضرورة البحث – من جهة أخرى – عما يجده القارئ فيه، وذلك استنادا على أنسقة الدلالة و/أو رغبات وانفعالات واختيارات المرسل إليه ذاته.
غير أن صياغة القضية بهذه الكيفية يجعلها لا تستوعب الجدل السابق الدائر بين المقاربة التكوينية والمقاربة التأويلية، وفعلا فبالإمكان دائما تناول نص ما من الزاوية التكوينية، أي من جانب خصائصه التي يفترض أنها موضوعية مع الإقرار – في الآن نفسه – بأن الترسيمة التكوينية التي تجلو تلك الخصائص لا تبتغى الإفصاح عن نوايا الكاتب، لأن الدينامية التجريدية التي تحكم اللغة في النصوص، تملك قوانينها الخاصة، وتنتج المعنى دون أن تعبأ بإرادة المتكلم. وبالإمكان تبني المنظور الهيرمينوطيقي كذلك، وهو منظور وإن كان يجعل الغاية من التأويل هي البحث عن مقاصد الكاتب الحقيقية، أو عما يقوله الكائن(l’être) بواسطة اللغة، فإنه لا يقضي بتعريف كلام الكائن انطلاقا من انفعالات القارئ.
وبناء عليه، فمن صالحنا تمحيص التصنيف الواسع المترتب عن تقاطع المتغيرين المذكورين، أي الاختيارين التكويني والتأويلي من جهة، ثم الاختيار المرتبط بالبحث عن نوايا الكاتب، أو مقصد الأثر أو حتى نوايا القارئ، من جهة ثانية، وبلغة تركيبية بسيطة ومجردة، فإن تصنيفا كهذا يمكن أن يتشعب عنه ستة أنواع من النظريات والمناهج النقدية الممكنة والمختلفة بعمق عن بعضها البعض.
لقد حاولت أن أبين مؤخرا (21) أنه أمام القدرة الأكيدة التي يملكها أي نص على الخضوع لعدد لا نهائي – أو على الأقل غير محصور – من التأويلات، اتجه العصر الوسيط – من جانبه – إلى البحث عن تعدد الدلالات، مع التمسك بتصور متصلب عن النص، عماده أن النص لا يمكن أن يتناقض مع نفسه، وعلى الخلاف من هذا، انصرف العقل النهضوي، المرتبط بالخط الهرمسي الأفلاطوني الجديد، إلى تعريف النص المثالي على شاكلة النص الشعري، أي باعتباره يحتمل كل التأويلات الممكنة، بما فيها تلك الأكثر تناقضا.
غير أن هذا التقابل الأولي بين المنظورين، الوسيط والنهضوي يتولد عنه تقابل آخر، ذلك أن القراءة الهرمسية الرمزية يمكن أن تتم – فعلا – بكيفيتين متباينتين :
– إما باستنفاد الدلالات اللانهائية التي ضمنها الكاتب النص.
– وإما باستهداف الدلالات اللانهائية الثاوية في النص دون علم صاحبه (والتي قد يضمنها إياه، المتلقي بالرغم من أنه لم يتقرر بعدُ ما إذا كانت بموجب مقصدية القارئ أو ضدَّا عليها).
إن قبول فكرة قدرة النص على استدعاء تأويلات لا حدَّ لها، لا يعني الحسم فيما إذا كانت تلك اللانهائية مرتبطة بمقصيبة الكاتب أو عقصدية النص أو بمقصدية القارئ، فقد كان قباليو (Les Cabalistes) العصر الوسيط وعصر النهضة يعتقدون أن نص (القبال) لا يقبل عددا لا نهائيا من التأويلات فحسب وإنما يمكن – بل يتوجب – ان تعاد كتابته بشكل غير محدد، تبعا للتأليفات اللانهائية الممكنة بين حروفه، وفي هذه الحالة، فإن لا نهائية التأويلات – تأكيدا – تبعا لمبادرات القراء تصبح مقصودة ومخططا لها من طرف المؤَلف الإلهي. وفعلا، فالامتياز الذي تتمتع به مقصدية القارئ بمفرده – وبالضرورة – لا نهائية القراءات لأنه لو أعطيت مقصدية القارئ هذا الامتياز، لوجب توقع إمكانية وجود قارئ يمارس قراءة أحادية جدا، ويختار البحث – الذي قد يكون لا نهائيا بدوره – عن أحادية النص هذه، فكيف المصالحة إذن، بين حرية القارئ وقرار قارئ غريب – لا يستبعد وجوده – يذهب إلى أن الكوميديا الإلهية ينبغي أن تقرأ حرفيا، دون البحث فيها عن أية خلفية روحية مهما كان نوعها؟. وكيف المصالحة بين الامتياز الممنوح للقارئ وقرارات قارئ أصولي (كما هو الشأن بالنسبة للإنجيل)؟
هكذا يمكن أن نصادف استتيقا تعترف للنصوص الشعرية بلا نهائية التأويل، غير أنها تتطابق مع سيميوطيقا تسلم بتبعية التأويل لمقصد الكاتب والعكس صحيح، ذلك أنه بالإمكان تصور سيميوطيقا تقوم على التأويل الأحادي للنصوص، سيكون من آثارها – خلافا لذلك – التنكر لمقاصد الكاتب تحت ذريعة انصاف مقصد الأثر أولا. ويمكن في الحقيقة قراءة نص أحادي المعنى – وهكذا أراده صاحبه – باعتباره يحتمل تأويلات لا نهائية، وهو أمر يصدق على قراءة ديريدا لأحد نصوص سورل (22) (Searle ) كما يمكن أن يقرأ نص يبدو من منظور مقصد النص أحادي المعنى على أنه يحتمل ما لا نهاية له من التأويلات، وذلك إذا تشبثنا بتقاليد النوع المقصود هذا على الأقل، أي برقية تم بثها بوصفها كذلك – تقول البرقية : >سأصل غدا الأربعاء 21 على الساعة العاشرة والربع صباحا< ويمكن فهمها بناء على مضمرات واعدة أو متوعدة.
ليس هذا هو كل ما في الأمر فبإمكان أي كان أن يقرأ نصا أراده صاحبه متعدد الدلالات على أنه أحادي المعنى، وهذا هو حال القراءة ”الأصولية” اليهودية، شريطة أن يكون إله اسرائيل كما تصوره القباليون. ويمكن أن نقرأ أخيرا نصا يطيق تأويلات كثيرة من زاوية مقصد الأثر، على أنه أحادي الدلالة وذلك باحترام قواعد اللغة على الأقل، وهذا حال من يقرأ أوديب ملكا باعتباره رواية بوليسية أهم شيء فيها هو فضح الجاني.
ماذا يعني القول – في ظل هذه الشروط – بأن بعض الاتجاهات النقدية المعاصرة >موجهة نحو استجابة القارئ؟< فسوسيولوجيا الأدب مثلا، المنصرفة إلى الاهتمام بالصورة التي يشكلها شخص أو مجموعة اجتماعية محددة عن نص بين النصوص، تجعل من هذا المنظور العامل المتحكم في اختيار مختلف أنماط القصد الممكنة، وذلك ما دامت تركز – في الواقع – على الكيفية التي يتداول بها المجتمع النصوص. وعلى الخلاف من هذا، فإن استتيقا التلقي تتبنى المبدأ الهيرمينوطيقي الذي يغتني الأثر بمقتضاه تبعا للتأويلات المتلاحقة التي يخضع لها على مر القرون فهي تربط ربطا جوهريا بين الوقع الاجتماعي للأثر وأفق انتظار القراء المحددين تاريخيا. غير أنها لا تنكر ضرورة الربط بين تأويلات النص وبعض الفرضيات المتعلقة بطبيعة المقصد العميق للنص ذاته. أما بخصوص سيميوطيقا التأويل (وهي نظرية القارئ النموذجي، والقراءة بوصفها نشاطا يقوم على التعاون) فهي تبحث عموما عن صورة القارئ في النص في طور تشكلها، وهو ما يترتب عنه أنها هي أيضا تبحث عن المعايير التي تسمح بتقويم نوايا القارئ انطلاقا من مقصد الأثر.
وعلى الخلاف مما سلف، تلح الممارسات التفكيكية، – على تنوعها على مبادرة القارئ وعلى غموض النص الذي يتعذر اختزاله، والذي يصبح مجرد منبه يتسبب في الانحراف التأويلي ويبقى ما قاله موريزيوفيراري (M.Ferraris) عن التفكيك جوهريا، وذلك حين اعتبره عملا ترقيعيا أكثر من كونه نظرية نقدية حقيقية (23).
IIIالدفاع عن المعنى الحرفي وتوضيحه
لقد أتيحت لي السنة الماضية فرصة بسط أفكاري أمام أحد مراكز >التفكيكية< بشمال أمريكا وهو >مدرسة الأدب والنقد< التي تتخذ مقرها بـ فانستون (Evansten) ويشرف عليها كوفري هارثمان )(G.Hartmann سأحكي لكم ما قلته في ذلك المقام، وستدركون لماذا كنت مصرا على الدفاع عن المعنى الحرفي وعلى توضيحه.
بينما كان رونالد ريغان يجرب الميكروفات قبيل انطلاق مؤتمر صحفي قال : >سآمر بقصف روسيا بعد دقائق<، فإذا ما فهم هذا الملفوظ بناء على قواعد اللغة الإنجليزية، فهو يعني بالضبط ما يعنيه بالحدس. إنه يقول بالتدقيق إن المتلفظ >بكسر الفاء< سيأمر – بعد هنيهة من تلفظه بإطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية على الأراضي السوفياتية فلما استخبره الصحفيون قال بأن الأمر يتعلق بدعابة، أي أنه قال دون أن يقصد وبذلك سيكون المرسل إليه على ضلال إن هو اعتقد أن قصد الكاتب مطابق لقصد النص.
وهكذا فقد انتقد ريغان لا لأنه قال شيئا لا يقصد إليه فحسب، وأن رئيس الولايات المتحدة لا ينبغي أن يسمح لنفسه بمثل هذا العبث التلفظي، وإنما أيضا لأنه قال ما قال فعلا، وبالتالي أقر – على الرغم من تكذيبه – بإمكانية قوله الحقيقة، وأنه يملك الجسارة على ذلك، بل هو قادر على عمله بكل تأكيد مادام يشغل وظيفة رئيس دولة.
إن هذا المقطع ليس غريبا عن نوع التفاعل الحاصل في المحادثات اليومية، بما أنه مؤلف من نصوص يصحح بعضها بعضا، لنحاول الآن تحويله إلى قصة يمثل فيها رد فعل الجمهور، وكذا التكذيب الذي أورده الرئيس نصا واحدا مستقلا. بعبارة أخرى لنحوله إلى قصة صيغت لتجعل الجمهور في وضعية الاختيار بين تأويلات عديدة ممكنة. فمن بين التأويلات الكثيرة الممكنة، نذكر على سبيل المثال التأويلات التالية :
– إنها قصة رجل مازح
– إنها قصة رجل مازح في موقف لا يحتمل المزاح
– إنها قصة رجل يظهر المزاح، ويقصد في الحقيقة التهديد
– إنها قصة وضعية سياسية حرجة ، قد يؤخذ فيها المزاح مأخذ الجد
– إنها قصة تبرز أن دعابة، مهما كانت بساطتها، قد تكتسب دلالات متنوعة، تبعا للشخص الذي يتفوه بها.
فهل القصة كهذه دلالة واحدة؟ أم أنها تحتمل كل الدلالات، المذكورة أعلاه؟ أم أنها لا تطيق سوى بعضها يتم انتقاؤها بحسب قربها من التأويل الأصوب؟
راسلني ديريدا يوما لإخطاري بعزمه على تأسيس مجمع عالمي للفلسفة بصحبة بعض أصدقائه ومطالبتي بتوقيع لدعم مشروعه، أراهن على أن ديريدا كان يعتبر :
-أنني سأعتقد بأنه صادق
-أنني سأقرأ برنامجه باعتباره رسالة أحادية المعنى سواء ما تعلق منه بالحاضر (الوضع الراهن) أو المستقبل (مشروع مراسلي).
– أن التوقيع المطلوب مني وضعه على الرسالة سيؤخذ مأخذ الجد أكثر من توقيع سورل الذي أفاض (ديريدا) الحديث عنه في >توقيع وحدث وسياق<.
ويمكن تضمين رسالة ديريدا دلالات أخرى من قبيل الدلالة القصدية التالية >هل ترغب في الانضمام إلى مؤامرة ضد السوربون ومهما يكن فإن استدلالا تأويليا من هذا النوع لن يقوم إلا بالتعرف المسبق على الدلالة الأولية للرسالة، أي تلك التي تطابق معناها الحرفي.
أذكر أن ديريدا ألح بشدة في كتاب (De la grammatologie) على أن الإنتاج النقدي كان مهددا بالتيه في كل الاتجاهات الممكنة وبإطلاق الكلام على عواهنه، خصوصا عندما اعتمد على الأدوات النقدية المستعارة من النقد التقليدي، وأضاف أنه إذا كانت إزاحة هذا الحاجز من طريق التأويل تعصم القراءة من بعض المزالق فإنها لا تضمن – بالمقابل – انفتاحها، فموطن الإشكال قبل ممارسة الانفتاح هو تحديد ما ينبغي اعتباره يقينيا في الحد الأدنى وليس العكس، وفي اعتقادي أن تأويل قصة ريغان – بالمعنى السردي للفظة تأويل – وهو يعلن عن نيته في قصف الاتحاد السوفياتي، وإحراز الحق في تعميم كل الدلالات المرتبطة بها، يتطلبان مبدئيا أن يكون الرئيس قد عبر عن ذلك وهو يحترم قواعد اللغة الإنجليزية.
قد يبدو هذا المبدأ، وهو أمر أوافق عليه، مبتذلا، بل ومحافظا، إلا أنني أتمسك به مهما كلفني من ثمن، ذلك أن الجدل الدائر حول المعنى وتعدد الدلالات وحرية التأويل وطبيعةالنص، وإجمالا حول طبيعة السيموزيس، ينهض على هذا الاختيارالراسخ في نظري.
IV القراءة الدلالية والقراءة النقدية
قبل الانتقال إلى النقطة الموالية أود تسليط الضوء على تمييز، وإن كان موجودا ضمنيا في أعمالي السابقة، فإنه يتطلب مزيدا من التدقيق، ذلك أنه ينبغي التمييز بين التأويل الدلالي والتأويل النقدي (أو إذا شئنا بين التأويل السميوزي والتأويل السميوطيقي). فالتأويل الدلالي ناتج عن العملية التي بفضلها يمنح القارئ التجلي الخطي دلالة للنص. أما التأويل النقدي أو السميوطيقي فهو ذلك الذي تُفسر بواسطته الأسباب البنيوية التي تجعل النص قادرا على إنتاج هذا التأويل الدلالي أو ذاك. فكل النصوص يمكن أن تؤول دلاليا ونقديا، غير أن بعضها فقط (وعموما النصوص التي تضطلع بوظيفة جمالية) هوالذي يسمح بالتدافع بين هذين النوعين من التأويل. فإذا قلت لمن سألني عن مكان وجود القط : “القط على حصير” ، فأنا أتوقع تأويلا دلاليا فقط. وإذا كان القائل هو سورل لينبه به إلى صفة الغموض التي تغشى هذا الملفوظ، فإنه سيحتمل تأويلا نقديا علاوة على التأويل الدلالي. إن القول – في ظل هذه الشروط – بأن أي نص يفترض قارئا نموذجيا معناه أن النص يفترض، في الواقع، على المستوى النظري – وبشكل صريح أحيانا – قارئين : قارئ نموذجيا بريئا (دلالي) وقارئا نموذجيا “ناقد”.
عندما سلمت أكاتا كريستي مقاليد الحكي في رواية مقتل روجي اكرويد (Le meurtre de Roger Akroyde) لسارد سيتبين في نهاية المطاف أنه هو القاتل، فإنها كانت تحاول تضليل القارئ البريء ولكن حين يدعونا السارد في نهاية الحكاية إلى قراءة النص ثانية لاكتشاف أنه لم يخف عنا جريمته، أي أننا بوصفنا قراء ساذجين لم نعر أقواله العناية المطلوبة – فإن الكاتبة أكاتا كريستي تخاطب إذن القارئ الناقد وتدعوه إلى الإعجاب بمهارة السارد في تضليل قارئه البريء وقد استخدمت التقنية ذاتها في أقصوصة الفونس آلي (A.Allais) المعنونة بــ جريمة باريسية جدا (24).
أود الآن تناول بعض ملاحظات ريتشارد رورتي (R.Rorty) بالتمحيص. فهو يقر بأنه في عصرنا >يوجد بعض الناس الذين يكتبون وكأنه لا وجود لشيء آخر سوى النص<، وهو يميز بين موقفين بهذا الشأن (25)؛ الأول لا يعبأ بنوايا الكاتب، ويعالج النص وكأنه يخضع لمبدإ انسجام داخلي، وهو انسجام يكتسب قيمة حين يعد كافيا في حد ذاته للكشف عن الوقع الذي يتركه النص في قارئه المثالي المفترض أما الثاني فيمثله أولئك النقاد الذي يعدون كل تأويل أو قراءة سوء تفاهم وقراءة مغلوطة دون الاحتفال لا بمقاصد الكاتب ولا بمقاصد النص بل هم يؤثرون في الغالب >التصرف في النص لإخضاعه لقصدهم الخاص<. ويذهب روتري إلى أن هؤلاء لا يجعلون قدوتهم الهاوي الفضولي الذي يفكك أجزاء مجموعة، ليكتشف كيفية اشتغاله دون أن يعبأ بما يمكن أن تصلح له فيما دون ذلك بل هم يقتدون بالمحلل النفسي الذي يحلل بجذل هذا الحلم أوهذا اللعب اللفظي أو ذاك باعتباره عرضا دالا على جنون قاتل. ويمثل كل موقف من هذين الموقفين في نظر روتري شكلا من أشكال النفعية (على أن يقصد بالنفعية هنا الإحجام عن اعتبار الحقيقة هي مطابقة الواقع، وعلى أن يقصد بالواقع – إذ لم أخطئ – مرجع نص من النصوص ومقصد كاتبه المجسد معا. تأسيسا على هذا يذهب روتري إلى أن كل منظر يتبنى الموقف الأول سيمارس نفعية ضعيفة عمادها وجود سر حقيقي عليه اكتشافه، فإذا ما كشف ظهر المعنى الحقيقي للنص. وفي هذه الحالة يصلح النشاط النقدي اكتشافا أكثر مما هو إبداع. أما النفعية القوية فلا تميز – على الخلاف من ذلك – بين الاكتشاف والإبداع.
يبدو لي هذا التمييز مغاليا في التبسيط، فليس من المؤكد أولا أن >النفعية الضعيفة< تدعي تقديم >تأويل صائب< للنص حين يبحث عن السر الكامن فيه فقد كان يلزم – على الأقل – تحديد ما إذا كان الأمر يتعلق هنا بالتأويل الدلالي أم بالتأويل النقدي.
فالقراء الذين يبحثون – على حد تعبير آيزر (26) عن >الصورة في السجادة< أي عن سر خفي في النص، إنما هم يبحثون في الواقع عن تأويل دلالي مضمر. وبالمقابل فالناقد الذي يبحث عن شفرة خفية في النص إنما هو يحاول – ربما – تحديد استراتيجية تسمح بوجود عدد لا نهائي من أساليب تمثل النص بالصيغة الدلالية الأسلم، فتحليل (Ulysse) بطريقة نقدية يقتضي ابراز ما فعله جويس ليجعل >السجادة< تتضمن عددا كبيرا من الصور المتناوبة، دون الإشارة إلى أفضلها – وبطبيعة الحال، فكل قراءة حتى وإن كانت نقدية، تكون حدسية واحتمالية لهذا السبب لن يكون بالوسع أبدا تحديد لهجة مفتوحة وحيدة وواحدة (Idiolecte ouvert) خاصة باعمال جويس (أي الكشف عن المصفوفة الاستراتيجية التي تجعل هذه الأعمال تحتمل تأويلات دلالية متعددة) ومن ثمة لا ينبغي التواني في التمييز بين >يوطوبيا< التأويل الدلالي الوحيد ونظرية التأويل النقدي (الذي ليس بالضرورة هو الوحيد الممكن، حتى عندما يكون الأفضل بالحدس) باعتبارها تفسيرا للأسباب التي تجعل النص يحتمل بل يشجع على تأويلات دلالية متعددة.
يترتب عن هذا أنني لا أعتقد أن الموقف الأول من النص كما يتصوره روتري ينتمي بالضرورة إلى >النفعية الضعيفة< لأن إدراكه للموضوع إدراك فضفاض نسبيا (ويجدر التنبيه إلى أن >النفعي الضعيف< في نظر روتري هو ذاك الذي يحتمل فكرة صلبة عن المعرفة أما >النفعي القوي< فهو نصير للفكر الهش…). ثم إنني لا أعتقد أن يكون >النفعي القوي< عند روتري نفعيا حقيقيا، فبوصفه قارئا مغلوطا فهو لا يقرأ النص إلا ليبحث فيه عن أثر شيء موجود خارجه – أي خارج النص – وليبحث فيه أيضا عن شيء أكثر واقعية من النص ذاته، أي عن ميكانيزمات السلسلة الدلالية، ومهما يكن فسواء أكان النفعي قويا أم ضعيفا، فإن النفعي ليس على كل حال >نصانيا< (Textualiste) ما دام يهتم في قراءته بكل شيء إلا بطبيعة النص الذي هو بصدد قراءته.
V – التأويل والتداول
سبق أن اقترحت في كتاب القارئ في الحكاية Lector in fabula تمييزا بين تأويل النصوص واستعمالها (27) ولن أكرر هنا بسط الحجج التي أوردت بل سأكتفي بالتذكير بأنني اعتبرت تأويلا القراءة التي قام بها ديريدا لـ الرسالة المسروقة لصاحبها إدگار بو (Edgard Poe) (28) فللقيام بقراءته التحليلية الخاصة، وردا على قراءة جاك لاكان (J.Lacan) (29) ينبه ديريدا إلى أنه يستهدف تحليل لاوعي النص، لا تحليل لاوعي الكاتب، فالرسالة المذكورة عثر عليها في محفظة صور مشدود بشريط إلى زر نحاسي مثبت في أعلى برقع المدخنة. وليس مهما هنا معرفة الخلاصات التي استنتجها ديريدا من المكان الذي وجدت فيه الرسالة، ويبقى المهم هو أن الزر النحاسي ووسط المدخنة يشكلان عنصرين من أثاث >العالم الممكن< الذي تصوه الأقصوصة، وأن ديريدا وهو يقرؤها، لم يأخذ في اعتباره معجم اللغة الأنجليزية وحسب، بل أخذ في اعتباره أيضا هذا العالم الممكن الذي تصوره.
وعلى العكس من هذا فقد اعتبرت استعمالا جانبا من قراءة ماري بونابارت لـ إدگار بو ذاته حينما وظفت النص لتستخلص منه استدلالات متصلة بحياة الكاتب الشخصية، وذلك بإدماجها معطيات مستخلصة من سيرة الكاتب في الخطاب موضوع التحليل (30).
فتأويل ديريدا يدعمه النص بغض النظر عن مقاصد بو الكاتب المجسد، بحيث أن النص لا يكذب – بأي حال من الأحوال – كون النقطة المركزية في الأقصوصة هي وسط المدفأة بل هو يؤكد ذلك. وبالإمكان – طبعا – تجاهل هذه النقطة المركزية في غضون القراءات الأولى، لكن من العسير تجاهلها عند بلوغ نهاية القصة، إلا إذا كنا بصدد قراءة قصة أخرى. لقد قال القديس أوغسطين في كتاب العقيدة المسيحية إنه إذا بدا تأويل مقطع من مقاطع النص مقبولا ظاهرا، فلا ينبغي الأخذ به إلا إذا دعمه مقطع آخر، أوثبت على الأقل أنه لا يتناقض مع غيره. وهذا بالضبط ما أعنيه بمقصد النص. إن جورج لوي بورخيس (J.L Borges ) هو الذي أشار إلى إمكانية، بل ضرورة قراءة >محاكاة المسيح< وكأن كاتبها هو ”سيلين” (Céline).
إنه ابتكار رائع حقا أن تقوم هذه اللعبة عبر التوظيف الخلاق والعجيب للنصوص (علما بأنها لا تنهض – بأي حال من الأحوال – على احترام مقاصد النص). وقد حاولت الامتثال لملاحظة بورخيـس فعثرت فعلا عند توماس أكامبس على صفحات يخيل لقارئها أن كاتبها هو صاحب رواية سفر إلى أقاصي الليل من قبيل >اللطافة تنجذب إلى الأشياء البسيطة والوضيعة، ولا يصدها ماهو شائك وصعب، كما أنها تحب الأمور القذرة< ويكفى أن يفهم من اللطافة،النكبة (أو لطافة مؤجلة) … غير أن ما يعطر هذه القراءة هو استحالة قراءة مقاطع اخرى من”المحاكاة” بالكيفية نفسها، فعلى الرغم من إرجاع جمل هذا النص، الواحدة تلو الأخرى، إلى عالم أوروبا الثقافي – أي موسوعته – في ما بين الحربين، فإن التقنية تكف عن الاشتغال – ويكفى – بالمقابل – اتخاذ الموسوعة القرسطية مرجعا للنص (أي تأويل ألفاظه في حدود الفكر القرسطي)، ليصبح ذا معنى، وليشتغل بشكل منسجم نصيا.
VI – التأويل والتخمين
تتمثل مبادرة القارئ في صياغة فرضية انطلاقا من مقصد النص. ويتعين أن نقابل هذه الفرضية ومجموع النص بوصفه وحدة عضوية. وليس معنى هذا أن النص لايسمح إلا بفرضية واحدة ووحيدة، بل معناه بكل بساطة أن كل تخمين يجب أن يمحص – في نهاية المطاف – انطلاقا من توافقه مع انسجام النص الذي يقصي بعض الفرضيات الاعتباطية.
وما دام النص صنيعا (Artefact) يروم تشكيل قارئه النموذجي الخاص، فتقع على عاتق القارئ المجسد مهمة استشفاف نوع القارئ النموذجي الذي يفترضه النص بواسطة الحدس، وهو ما يعني أن على القارئ المجسد صياغة فرضيات حول مقاصد الكاتب النموذجي، لا مقاصد الكاتب المجسد. أما المؤلف النموذجي، فهو الذي يوكل إليه تشكيل قارئه النموذجي، وذلك على هيئة استراتيجيات نصية، وفي هذه إذن يتطابق البحث عن مقاصد الكاتب ومقصد النص، ويتجسد تطابقهما – على الاقل – في أن الكاتب (النموذجي) والعمل (باعتباره انسجاما نصيا) يشكلان الهدف المحتمل الوحيد الذي تتقصده فرضية التأويل. فعوض اتخاذ النص معيارا لتسويغ التأويل، ينبغي أن يعد موضوعا يولده التأويل لكي يسوغ نفسه، ومما لاريب فيه أن هذا يشكل دائرة هيرمينوطيقية. ومن ثمة فقارئ مواعيد السكك الحديدية النموذجي شىء، وقارئ Finnegans wake النموذجي شيء آخر بالتأكيد. غير أن كون Finnegans wake – باعتباره نصا – يستضمر قارئا نموذجيا قادرا على إنتاج عدد لانهائي من القراءات الممكنة، لا يعني عدم امتلاك العمل شفرته الخاصة الخفية، وهي شفرة تتجلى في هذه الإرادة الدفينة – التي تتضح وتتجسد بدورها عندما يعبر عنها بمصطلحات الاستراتيجية النصية – في إنتاج القارئ الحر المجازف بكل التأويلات، غير أنه – أي القارئ – مجبر على كبح جماح نفسه كلما خذله النص وكف عن تدعيم هذيانه الشبقي المفرط.
VII – ضد القراءة المغلوطة
أود بخصوص هذه النقطة ترسيخ مبدإ بوبري ( نسبة الى كارل بوبر Popper) وذلك لا لإضفاء الشرعية على التأويلات الجيدة، وإنما لنزعها عن التأويلات الباطلة. يقول ج. ه. ميلر (J. Hillis Meller ) >ليس صحيحا (…) أن كل القراءات متساوية الصلاحية (…) ذلك أن بعضها خاطئ بصورة واضحة (…) إن إبراز مظهر من مظاهر عمل كاتب يؤدي غالبا إلى تجاهل أو طمس مظاهر أخرى (…) ثم إن بعض المقاربات تلامس بنية النص في عمقها أكثر مما يفعل غيرها<. هكذا يتوجب اتخاذ النص – إذن – معيارا لتظهير تأويلاته الخاصة (بالرغم من أن كل تأويل جديد يساهم في إثراء فهمنا للنص المقروء، وبالرغم كذلك من كون أي نص – كيفما كان نوعه – حاصل عنصرين : تمظهره الخطي من جهة، ومجموع تأويلاته من جهة أخرى). بيد أن اعتبار نص ما ثابتا بالنظر إلى تأويلاته يستوجب إمكانية قيام – ولو للحظة – لغة نقدية تشتغل بوصفها لغة واصفة، ويسمح بالتالي بالمقارنة بين النص (بكل تاريخه) والتأويل الجديد المقترح له. قد يبدو هذا الموقف – وهو أمر أتفهمه – وضعيا جديدا (né o -positiviste) مشينا، وهو ما دفع ديريدا إلى صياغة فكرته حول التفكيك والانحراف، أي ضدا على مفهوم اللغة الواصفة التأويلية. غير أنني لست هنا بصدد الإقرار بوجود لغة واصفة مخالفة للغة العادية، وكل ما أقصده – ببساطة – هو أن مفهوم التأويل يستلزم إمكانية توظيف مقطع لغوي لاعتباره مؤولا لمقطع آخر ينتمي إلى اللغة ذاتها.
إننا هنا أمام مبدإ بورس المتمثل في التآول (Interprétance) والسيميوزيس (Sémiosis) اللامحدودة. إن اللغة النقدية الواصفة ليست مختلفة بذاتها عن اللغة الموضوع، بل هي على الأكثر قطعة منها. وبهذا المعنى تغدو اللغة الواصفة وظيفة تمارسها أية لغة حين تتحدث عن نفسها. ولعل الحجة الوحيدة التي تثبت ما أقول هي أن الموقف البديل يبين التناقض. لنفرض أن هناك نظرية تقضي بأن أي تأويل لأي نص هو تأويل خاطئ- لنفرض بالمقابل أن هناك نصين “أ” و”ب”، وأن هناك نصا ثالثا “س” هو بمثابة تأويل مقبول لـ”أ” و”ب”. لنقدم الآن “أ” و”ب” لشخص متوسط التعليم ولنخطره بأن أي تأويل هو بالضرورة تأويل خاطئ، ثم لنسأله ما إذا كان “س” تأويلا خاطئا لـ”أ” ولـ”ب” .
لنفرض الآن أن “س” تأويل خاطئ لـ “أ” وأن صاحبنا قدم هذا الجواب، أنقول في هذه الحالة إنه أصاب؟
لنفرض أيضا أن “س” تأويل خاطئ ل “أ” إلا أن صاحبنا قال – خلافا لما سبق – إنه تأويل خاطئ لـ” ب”، أنقول إنه مخطئ؟.
ففي الحالتين معا، وسواء أقبلنا الجواب المقدم أم أنكرناه فإننا سنؤكد اعتقادنا الفعلي في أن النص يراقب وينتقي، لا تأويلاته الصحيحة وحسب، وإنما تأويلاته الخاطئة أيضا. فقبول مثل تلك الأجوبة أو ردها معناه التصرف كمن لا يعد كل التأويلات خاطئة، مادام ذلك يعني توظيف النص الأصلي معيارا لتبين تأويلاته الخاطئة الخاصة من بين النصوص التي هي تأويل خاطئ لنصوص أخرى، وهو ما يفترض وجود تأويل سابق للنص ينبغي أن يعد هو الأصح.
فهل نستطيع إثبات – وبدون ارتباك – أن كل التأويلات التي يحتملها نص من النصوص هي بطبيعتها تأويلات خاصة، باستثناء التأويل (الصحيح قطعا) المقدم من طرف من يضمن تأويلات الآخرين الخاطئة؟ ليس هناك من سبيل للإفلات من هذا التناقض، بحيث أن تبني هذه النظرية أو تلك، من نظريات الانحراف التأويلي معناه – في نهاية المطاف – الظهور كمن يعتقد – أكثر من أي كان – أن النص يفضل تأويلا محددا على سواه.
بالإمكان طبعا رفع هذا التناقض ولكن شريطة قبول صيغة ملطفة لنظرية >التأويل الخاطئ< وذلك بأخذ هذه العبارة بمعناها المجازي وهناك من جانب آخر وسيلة ثانية للخروج من هذا المأزق، لكن ينبغي عندها قبول كل إجابات الشخص المستجوب الممكنة إضافة إلى إجابات أخرى محتملة. وبذلك يمكن أن يكون س تأويلا خاطئا لـ”أ”و”ب”، حسبما نشاء. بل إن “س” يمكن أن يكون في هذه الحالة تأويلا خاطئا لأي نص آخر، ليغدو بذلك – أي “س”- نصا قائما بذاته، والنص كما نعلم هو أكثر الأشياء استقلالا. ولكن لماذا اعتباره -والحالة هذه – تأويلا خاطئا لنص آخر؟ فإذا كان”س” تأويلا خاطئا لأي نص مهما كان نوعه، فمعنى ذلك أنه ليس تأويلا خاطئا لأي نص مخصوص فـ “س” موجود لذاته ولا يتطلب أي نص آخر معيارا له.
ويكون الثمن الذي نؤدي هو أن أية نظرية للتأويل النصي ستغدو باطلة. ذلك أن النصوص موجودة لكن لن يستطيع أي نص آخر الحديث عنها، وهو ما يعني أن النصوص تتكلم، لكن ليس بمقدور أي كان أن يحدثنا عما تقول.
إن موقفا كهذا لا يقدم الانسجام، لكنه سيؤدي إلى تقويض مفهوم التأويل والتأويلية (interprétabilité) وكل ما سيسمح به – على الأكثر – هو أن يستخدم شخص ما نصوصا بكيفية غير محددة لإنتاج نص جديد، وعند انسلال هذا النص من النصوص السابقة، فليس بالإمكان الحديث عن تلك النصوص إلا بوصفها منبهات (Stimulus) أثرت بصورة ما في إنتاجه شأنها في ذلك شأن الوقائع الفيزيولوجية والسيكولوجية التي تثوي – بكل تأكيد – عند منشإ أي نص، والتي لا يحفل بها النقد عموما، باستثناء ذاك الذي يتيه في الافتراضات البيوغرافية أوالتخمينات الإكلينيكية النفسية.
VII خلاصات
ان الدفاع عن مبدإ التآول والقول باستقلاله عن مقصد النص، ليس هو البحث – تأكيدا – عن إلغاء تعاون القارئ، ذلك أن إدراج بناء الموضوع النصي تحت لفظ التخمين وعبارة القياس الاحتمالي، اللذين يمارسهما القارئ، المؤول، يبرز عمق الترابط بين مقصد العمل ومقصد القارئ. ولا يعني الدفاع عن التأويل ضد التداول أن النصوص لا تقبل هذا الأخير، وإنما يعني أن التداول الحر الذي يمكن أن تخضع له، لا يمت بصلة إلى تأويلها، بالرغم من أن التأويل والتداول معا لا يقتضيان الإحالة على نص -دائما – إلا باعتباره ذريعة.
إن التداول والتأويل نموذجان مجردان بالطبع، ذلك أن القراءة هي دائما توليف محدد بين هذين الأسلوبين بحيث أنه قد يحصل أحيانا أن تنتهي مقاربة تقوم على إشكالية التداول إلى تأويل واضح ومبتكر والعكس صحيح. وفي بعض الأحيان يتطلب ما نسميه الخطأ في تأويل النص من كل التأويلات المقبولة في السابق، والكشف فيه عن مظاهر جديدة مع إعطائه – في الأخير – تأويلا أفضل وأخصب، وهو تأويل كانت قد أجهزت عليه وطمسته مقاصد القارئ الكثيرة المتخفية وراء البحث عن مقاصد الكاتب.
وهناك شيء شبيه بالقراءة/الذريعة التي تتخذ لبوس القراءة – التداول، غايته هي إبراز إلى أي مدى تستطيع اللغة أن تنتج عملية سيميوزيسية لا حدود لها قد تصل إلى حد الانحراف.
وفي مثل هذه الحالة تقوم القراءة/الذريعة بوظائف ذات صبغة فلسفية. ويظهر لي أن أمثلة التفكيك التي أنجزها ديريدا تدخل في هذا الباب. والحال أن هذه القراءة/الذريعة ذات المنحى الفلسفي تجد نفسها، في الغالب، وبفعل التشتت النظري الذي يعتورها، شبيهة بمنهج تفسير النصوص. وقد أسفر هذا الانحراف الديريدي ذو الصبغة الفلسفية، أو إذا شئنا الذي يتخذ شكل ممارسة سحرية تذكارية عن ظهور شعريات ونظريات نقدية، قد تتحول إذا هي لم تطبق بصرامة ورشاقة مجازية، إلى ممارسات متناقضة مع نفسها.
ترجمة محمدالعماري
————————————————
الحواشي
1 – نص المداخلة التي ألقاها إيكو في ندوة الجمعية الايطالية للدراسات السيميوطيقية المنعقدة بـ >مانطو< (Montoue) بين 25 و 27 أكتوبر 1985
2- J.M Castellet – La Hora del lector, Barcelona, 1957
3- U. Eco, Lector in Fabula -Milano, Bonpiani trad fran ,Paris, Grasset 1982.
4- W. Booth . The Rhetoric of fictioni, Chicago-Chicago Univ-press 1961
5- J. Pouillon – Temps et roman, Paris, Gallimard, 1946
6- Cf J. Kristeva, Le Texte du roman, La Haye- Paris, Mouton, 1970 ; I. Lotman, La Structure du texte artistique, Trad franc: Gallimard, 1973; M. Riffaterre, Essais de stylistique structurale -Paris, Flammarion, 1971; E.D. Hirseh: Validity in interpretation new Haven and London , Yale Univ Press 1967 .
7- Cf . M. Coti : Principi della communicazione lettetaria, Milano Bonpioni, 1976 S.Chatman, Story and discourse Carnell Univ Press, 1978
8- U.Eco, lector in fabula, op cit .
9-Cf.T.A Van djik Beitrage zur generativen Poetik Munchen-Bayerischer Schulbach Verlag 1972, (ed), Pragmatics of language and litterature, Amsterdam-oxford, North Holand American Elsevier Publishuif Co 1976 . S.J.SChmidt Textherie,Munchen Fink , 1976 .
10- Cf H Weinrich, Literatur fur leser Stuttgart, 1971 .
11- Cf. L.Pareyson, Esthetica, Torino, 1954.
12- Cf. M Foucault ” qu’est-ce qu’ un auteur ” Bulletin de la societé française de philosophie, Juillet -sept 1969 .
13- cf . W. Iser, Der implizite leser Munchen Fenk, 1972
14- W.Iser, Der akt des lesens, Munchen, Fruk 1976 .
15- Ch. Filmore, ” Ideal reader andreal reader Mimeo1981
16- R .Holub, Reception Theory ,London , Methnen, 1984
17- R.Ingarden, Das Litterarische Kunstwerk, Mit eime Anchang Von dey Funktionen der sprach im thater schanspiel, Tubingen, Max Niemeyes 1965 .
18- D.Ferrari Bravo “La recezioné fa therica ,e prassi poetica ” Carte semiotiche, 2,1986.
19- U.Eco , P .Fabri et al : Prima Proposta Per un modello di ricerca interdiciplinare sul rappoto televisione -publico – Perugia 1965 :
20- U.Eco, Opera Operta, Milano Boupiani 1962 . Trad Fran, Seuil 1965 .
21- Cf.U.Eco : sugli spechi e altri saggi Milano Bonpioni .1985.
22- Cf. “Signature, evenement contexte” In Marges Paris Minuit , 1972 .
23- M. Ferraris-La svalta testuale, Pavia Unicapli ; 1986 .
24 – وهي اقصوصة حللتها في كتابي (القارئ في الحكاية) .
25- Cf .R.Rorty “Idealism and Textualism” in consequences of Pragmatism, Minneapolis University of Minnesata, 1982 .
26- Cf w. Iser : Der Akt des lesens, op. cit .
27- op. cit., chap III , 4
28- Cf .J Derrida, “Le facteur de la vérité”, In La carte postale de Socrate à Freud et au delà, Paris, Flammarion, 1980
29- J. La can ” Le seminaire sur la lettre volée” Ecrits; Paris, Seuil 1966
30- Cf. M.Bonaparte, Psychanalyse et anthropologie, Paris, Puf, 1952
31- J . Hillis Miller “Thomas Hardy” in Distance and Desire.
معجم المصطلحات الواردة في النص
قياس احتمالي Abduction
قارئ جا مع Archilecteur
صنيع Artefact
زخرف Artifice
كاتب مجسدAuteur empirique
كاتبضمني Auteur implicite
تخمينconjoncture
تغريبdistanciation
مهيمنةdominante
نفعيةEmpirisme
ملفوظEnoncé
تلفظEnonciateur
ابستميEpistémé
استتيقا التلقيEsthétique de la réception
تبئيرFocalisateur
هيرمنوطيقاHerméneutique
قارئ متفرعHyperlecteur
مقصد الكاتبIntentio-auctoris
مقصد النصIntentio Operis
مقصد القارئIntentio Lectoris
تأويليةInterprétabilité
تآولInterprétance
قارئ مكونLecteur construit
قارئ مجسدLecteur empirique
قارئ مثاليLecteur idéal
قارئ ضمنيLecteur implicite
قارئ مطلعlecteur informé
قارئ نموذجيlecteur modèle
قارئ واقعي Lecteur réel
قارئ محتملlecteurr virtuel
مافوق القارئméta lecteur
ما فوق الساردméta narrateur
صوغي modal
صيغةmode
مسرود لهnarrataire
سارد narrateur
سرديةnarrativité
إبدال paradigme
تداوليpragmatique
نفعية pragmatisme
سيميوزيسsémiosis
استعمالUsage
صوتVoix
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6900