سميوزيس الإيديولوجيا والسلطة *

Bengrad
2021-06-04T11:40:32+00:00
العدد الثاني عشر
17 أغسطس 2020568 مشاهدة

إليزيو فيرون

ترجمة – عبد العلي اليزمي

1- إنتاج المعنى. مادية المعنى. “نحوان ”

يتعلق الأمر هنا بالنظر إلى ظواهر المعنى من جهتين : على أنها دائما تتخذ شكل استثمارات في كتل من المواد المحسوسة، الشيء الذي يجعل منها مواد دالة (استثمارات قابلة لأن توصف باعتبارها مجموعات من السيرورات الخطابية)، وعلى أنها تحيل على اشتغال كل نسق منتج. فكل نسق منتج يمكن النظر إليه باعتباره مجموعة من الإرغامات التي يحدد وصفها الشروط التي يتم في إطارها إنتاج وتداول شيء ما واستهلاكه. وهو أمر يصدق على المعنى أيضا. والحال أن هذه الإرغامات لاتشكل بالتأكيد، في حالة المعنى، كما يتجلى في المواد الدالة التي يتم تداولها في مجتمع ما، مجموعة متجانسة؛ فليس لهذه الإرغامات نفس الأصل، وليس لها جميعها نفس الركائز، ولا تحيل كلها على نفس النمط من “القوانين”. وبصيغة أخرى، هناك أنساق مختلفة من اشتغال إنتاج المعنى، يتطلب وصفها، دون شك، استعمال مفاهيم ونماذج مختلفة. إننا نهتم هنا، في خضم هذه الإرغامات المتنوعة لعملية إنتاج المعنى، بما يحيل على العلاقات التي ينسجها المعنى مع الميكانيزمات الأساسية لاشتغال ما هو اجتماعي، أي بكل ما يمس نظام الإيديولوجي ونظام السلطة. إن هذا لا يعني أننا سنبقى في حدود مستوى معين من الاشتغال الاجتماعي، أو أننا سنهتم بنوع واحد من المادة الدالة. فالأمر على عكس ذلك : إن النظام الإيديولوجي ونظام السلطة يخترقان المجتمع اختراقا كليا. وهذا أمر سنعود إليه لاحقا.

وإذا أخذنا في الاعتبار الإطار العام لنظرية إنتاج المعنى، فإن هذا المعنى سيبدو بالضرورة كما لو أنه نتيجة عمل اجتماعي ( وفي اصطلاح مختلف شيئا ما: كأنه وليد ممارسات ). فما يبدو في شكل استثمارات للمعنى في مواد معينة هو إذن العمل الاجتماعي.

فلا وجود للمعنى إلا في إطار نسيج مركب من المواد المحسوسة. فحتى في حالة حديثنا عن “تمثلات” أو” أنساق من التمثلات”، فإنها لا توجد، في إطار تحليل إنتاج المعنى، سوى في شكل استثمارات دالة في مواد معينة. إن نقطة الاستدلال الضرورية لكل طريقة تجريبية في هذا الميدان هي ظواهر ملموسة للمعنى، أي نسيج من المواد الدالة الحاملة للمعنى، أي مجموعات دالة تم استخراجها، لضرورات التحليل، من الدفق اللامتقطع لإنتاج – تداول- استهلاك المعنى ضمن دائرة اجتماعية معينة. إن ما أسميه هنا “استثمارا” ليس شيئا آخر سوى تقديم فضاء -زمن المعنى في شكل سيرورات خطابية.

وعلى هذا الأساس ستطرح مشكلة الوضع الخاص بتعدد المفاهيم التحليلية المستعملة في العلوم الاجتماعية لدراسة اشتغالات تهم السلطة والإيديولوجيات. فمن الواضح أن مفاهيم من هذا النوع (“مؤسسات”، “علاقات اجتماعية”، “معايير”، “سيطرة”، “تمثلات” على سبيل المثال وأخرى غيرها) تحيل على ” قراءات ” يقوم بها عالم الاجتماع وعالم الأنتروبولوجيا، كما تحيل على “رزم” بالغة التركيب من كل أنواع المادة الحية. إن نظرية لإنتاج المعنى مطالبة بالتساؤل عن أسس “قراءات” من هذا النمط. وفي ذات الوقت، لا يمكن لنظرية إنتاج المعنى أن لا تؤسس شرعيتها الإبستيمولوجية الخاصة باعتبارها خطابا (يتوخى العلمية) حول المعنى المنتج اجتماعيا.

فعلى كل مقاربة تتغيى تطبيق نموذج نسق إنتاجي على ظواهر المعنى، أن تفترض وجود علاقات مستمرة بين مجموعات دالة معطاة (مثبتة) من جهة، وبين المظاهر الأساسية لأي نسق إنتاجي : إنتاج، تداول، استهلاك من جهة أخرى. إن دراسة هذه المظاهر تفرض وصف الشروط التي يتم في إطارها اشتغال هذه المظاهر. وهكذا يمكننا الحديث عن شروط الإنتاج والتداول والاستهلاك. ونفضل تسمية هذه الشروط الأخيرة بشروط التعرف.(1)

إن هذه الشروط تقع بالتأكيد خارج المجموعة الدالة المعطاة (الملموسة) التي أمكن النظر إليها باعتبارها موضوعا للتحليل، رغم أنه لا يمكن اعتبارها غريبة عن المعنى بشكل عام : لا يجب أن يعيد هذا التمييز بين المعنى المنتج وشروط الإنتاج إنتاج الثنائية القديمة بنية تحتية-بنية فوقية، كما لو أن المعنى يشكل طبقة من طبقات المجتمع، وكما لو أن هناك “في الأسفل” واقعا ما يختفي فيه المعنى. ففي طرفي التمييز مجموعة دالة /شروط الإنتاج هناك إذن معنى. فهذه القطيعة هي نتيجة لفعل التحليل.

لا شيء غريب عن المعنى في اشتغال مجتمع ما : فأينما وليت وجهك ثمة معنى. والحال أن الإيديولوجيا والسلطة توجدان أيضا أينما وليت وجهك. وبعبارة أخرى يمكن أن نقول إن كل ظاهرة اجتماعية قابلة لأن “تقرأ ” في علاقتها مع الإيديولوجي، وفي علاقة مع السلطة. إن القول بأن الإيديولوجي والسلطة يوجدان في كل مكان معناه تأكيد مبدإ إمكانية القيام بقراءة ما لا تأكيد إمكانية ملموسة للمضي بها إلى حدها الأقصى : فنحن لا نتوفر بعد على الأدوات التي تسمح لنا بالكشف عن الحضور الكلي للسلطة وللإيديولوجي. وفي الوقت نفسه، فإن التأكيد بأن الإيديولوجي والسلطة هما في كل مكان مختلف بشكل جذري عن القول بأن كل شيء إيديولوجي، أو بأن كل شيء يختصر في دينامية السلطة. فداخل الكون الاجتماعي للمعنى هناك أشياء أخرى غير الإيديولوجي والسلطة. وهو ما يعني أن مفهومي “إيديولوجي” و “سلطة ” يحيلان على أبعاد تحليلية لظواهر اجتماعية، وليس على “أشياء” و”محافل” لها “موقع” في الترسيمة الاجتماعية. ولنا عودة للموضوع.

وحتى إذا نحن حددنا طريقتنا باعتبارها غاية لاشتغال المعنى في علاقته بميكانيزمات الأساس الاجتماعي – إذن باعتبارها غاية لنظام السلطة ونظام الإيديولوجي- فإن الحضورالكلي لهذه الأبعاد لا يسهل مأموريتنا : إننا أمام مواد دالة بالغة التنوع والمشارب. والحال أنه من الواضح أن تمفصلات النسق الإنتاجي ليست كلها من نفس الطبيعة على المستوىات المختلفة للاشتغال الاجتماعي. يمكننا أن ” نقرأ” الإيديولوجي في إطار نسق من السلوكات الطقوسية، كما في إطار ترتيبات الحركات الإيمائية اليومية؛ وبإمكاننا أيضا أن نبين كيف أن خطابا صحفيا أو حديثا عائليا أو خطابا سنيمائيا هي عناصر تندرج في دينامية تهم السلطة. إن شروط الإنتاج والتداول والتعرف تفترض في كل حالة ميكانيزمات مختلفة تتطلب القيام بتحاليل معينة. ذلك أن إنتاج المعنى لا يخضع لنفس الإرغامات عندما يتعلق الأمر بالتداول المتلاشي لكلمات في أوضاع اجتماعية تهم المتحاورين، كتلك التي يخضع لها عندما يتعلق الأمر بتداول أكثر ” اتساعا” كما تسمح به الأداة التكنولوجية بالنسبة للخطاب المكتوب. ومع ذلك، هناك عناصر مفهومية، خاصة بالنموذج المجرد للنسق المنتج للمعنى مأخوذا في شموليته، مازالت في حاجة إلى تدقيق. إنها تسمح بتحديد الإجراء من وجهة النظر المنهجية.

إن وصف العمل الاجتماعي لاستثمار المعنى في المواد الدالة يقتضي تحليل عمليات خطابية لاستثمارات المعنى. وتتم إعادة بناء هذه العمليات ( أو افتراضها ) انطلاقا من العلامات الحاضرة في المادة الدالة. وبصيغة أخرى، فإن هذه العمليات هي دائما متضمنة، ويتم استعادتها انطلاقا من العلامات المسجلة على السطح المادي. لقد ميزنا بين ثلاثة مظاهر في نموذج النسق الإنتاجي : إنتاج، تداول، تعرف. والحديث عن علامات أمر ممكن عندما يتعلق الأمر بخصائص دالة تكون علاقتها بشروط الإنتاج أو بشروط التعرف علاقات غير محددة. من وجهة النظر هذه يمكن القول إن اللساني، على سبيل المثال، يشتغل بعلامات خاصة بالمادة الدالة اللسانية. وعندما يتم الربط بين خاصية دالة وشرط إنتاجها ( أو التعرف عليها)، فإن هذه العلامات تصبح آثارا للإنتاج أو للتعرف،

وبالفعل، فإن هاتين المجموعتين من الشروط ليستا متماثلتين إطلاقا : إن شروط الإنتاج الخاصة بمجموعة دالة ليست مماثلة إطلاقا لشروط التعرف (2). إن الفرق كبير بين الإنتاج والتعرف، وهو يخضع لمستوى إنتاج المعنى الذي نوجد فيه، كما يخضع لنوع المجموعة الدالة التي ندرسها. وفي جميع الحالات، فإننا في كلتا الحالتين أمام نوعين من “الأنحاء” : “أنحاء” الإنتاج و”أنحاء” التعرف (3). وعلى العكس من ذلك، لا توجد، إن صح القول، آثار للتداول : فلن يصبح مظهر التداول “مرئيا” في التحليل إلا باعتباره فرقا بين مجموعتين من الآثار على وجه التدقيق، تلك الخاصة بالإنتاج وتلك الخاصة بالتعرف. إن مفهوم التداول ليس في حقيقة الأمر سوى الإسم الخاص بهذا الفرق. ولإبراز أهمية التمييز بين هذين النوعين من الأنحاء، سأعطي مثالين يقعان على مستويين مختلفين من الاشتغال الاجتماعي : الأول يحيل على سيرورات التأثير المتبادل، والثاني يهم التداول الاجتماعي للخطاب المكتوب.

لقد حاولت منذ مدة طويلة الإحاطة ببعض الخاصيات الخطابية التي تسمح بالتمييز بين عدة مستويات في الكلام الذي ينتجه بعض الأشخاص الذين يصفهم خطاب من نوع آخر ( خطاب علم النفس والتحليل النفسي ) بأنهم مرضى عصابيون في حالة خطيرة : المرضى بالهستيريا، بالرهاب والعصاب الاستحواذي. وهكذا أمكن ربط بعض الخصائص الدالة في كلامهم بالأسس الدينامية لكل نوع من أنواع” العصاب”. إن التحكم في الحكاية المتعلقة بالمرض واستعمال الروابط الزمنية لوصف المرحلة ” الأصلية ” لمشاكلهم، وكذا آلية التلفظ المتمركزة على الذات المتكلمة، كل هذه الأشياء تصبح مفهومة، مثلا في ضوء نموذج الدينامية العميقة للذوات الهستيرية. ويمكن القول من وجهة النظر هذه، بأن الأمر يتعلق بإعادة بناء نحو إنتاج الخطاب الهستيري. والحال أنه من الواضح، في الوقت نفسه، أن الخصائص الخطابية لهذا الكلام كانت تشكل ما يمكن أن نعتبره تفعيلا، ضمن تأثير متبادل، للاستراتيجيات الخاصة بالهستيريا : هناك إذن مشكل الأثر المعنوي لهذا الكلام على المخاطب، وإذن هناك مشكل التعرف. لقد كان من المستحيل أن نستنتج بطريقة خطية أو مباشرة، انطلاقا من وصف كلام ذات معينة، من وجهة نظر نسق الإرغامات المنتجة، الأثر المعنوي لهذا الكلام على ذات أخرى : فلقد كان من الضروري إذن أخذ السمات العصابية السائدة لدى المخاطب بعين الاعتبار. وبعبارة أخرى، فإن ذاتا يغلب عليها الرهاب لا تتأثر بالخطاب الهستيري بنفس الطريقة التي تتأثر به ذات مصابة بالعصاب الاستحواذي. إن الاستراتيجيات المتبادلة التأثير (وبالتالي حال السلطة في وضع تأثير متبادل) تظهر كما لو كانت في حالة وصل بين أنحاءين، نحو المتكلم المنتج لكلام ما، ونحو المخاطب الذي يقوم إثر تعرفه بـ “إعادة استعمال” هذا الكلام لإنتاج كلام آخر ( 4).

إن هذا التمييز يساعد أيضا (وهذا هوالمثال الثاني) على فهم التداول الاجتماعي للنصوص، وبالخصوص ما يتعلق بالممارسات العلمية. وهكذا، فبالنسبة للمادة الدالة اللسانية، وما دام الأمر يتعلق بالإرغامات الناتجة عن الميكانيزمات الأساسية للاشتغال الاجتماعي، فإن الفرق بين الإنتاج والتعرف يسمح لنا بالتطرق لمشلكة التاريخ الاجتماعي للنصوص، أي مجموع العلاقات (المنهجية المتغيرة) التي تحدد المسافة بين الشروط (الاجتماعية) التي تم في إطارها إنتاج نص ما، من جهة، والشروط (التي “تتحرك”، إذا صح القول على امتداد الزمن التاريخي) التي تم في إطارها “التعرف” على هذا النص من جهة أخرى. ويمكن أن توازي هذه المدة اثنتي عشرة سنة تقريبا في نظام الإنتاج الاجتماعي للمعارف. وهنا يظهر جليا أن بإمكاننا محاولة إعادة تشكيل نحو واحد يعرفنا بشروط إنتاج نص معين، لكنه ستوجد من جهة أخرى سلسلة من أنحاء التعرف المرتبطة بلحظات تاريخية مختلفة أنتج النص خلالها تأثيرات معينة (مرئية في الممارسة الخطابية لعلم معين، أي أنها مرئية في شكل نصوص أخرى كان الأول منها بدوره شرط إنتاج). وهكذا فإن كل نص يمكن أن يحتمل قراءتين، وهذا ما تم تطبيقه على حالة خاصة جدا ويتعلق الأمر بـ”دروس في اللسانيات العامة” : وأعتقد أن شروط إنتاج الفرق نفسه هي التي تفسر ظواهر بروز ممارسات علمية. (5)

هناك إذن شقان أساسيان في نظرية المعنى المولد عبر نسق إنتاجي. يدخل الأول في نطاق إعادة بناء أنحاء الإنتاج، فيما يخصص الثاني لإعادة بناء أنحاء التعرف. والحال أنه سواء من وجهة النظر السانكرونية أو الدياكرونية، فالإنتاج الاجتماعي للمعنى عبارة عن شبكة دالة تجعلها الآثار العملية غير محدودة. ولهذه الشبكة شكل بنية تراكبات على كل مستويات الاشتغال الاجتماعي. ولنأخذ حالة الخطابات الاجتماعية ذات السند اللساني؛ إن كل سيرورة لإنتاج نص معين هي في الحقيقة ظاهرة تعرف مادامت النصوص الأخرى تشكل دائما جزءا من شروط إنتاج نص أو مجموعة نصية معينة. وعلى العكس من ذلك، فإن مجموعة من الآثار المعنوية، المعبر عنها على أنها نحو تعرف، لا يمكن أن تتجسد إلا في شكل نص منتج. وفي إطار الشبكة اللامحدودة لإنتاج المعنى يمكن النظر إلى كل نحو للإنتاج على أنه نتيجة لشروط التعرف المحددة؛ كما أنه لا يمكن تجسيد نحو للفرق إلا في شكل سيرورة للإنتاج النصي المحدد : وهذا هو شكل شبكة الإنتاج النصي في التاريخ. وفي هذا الإطار ، فإن مصطلح ” محدد” مصطلح حاسم : ذلك أن هذه الأنحاء لا تعبر عن خصائص في “ذاتها” للنصوص؛ إنها تحاول تمثيل علاقات نص أو مجموعة من النصوص مع ” ما يوجد خارجه”، مع نسقه الإنتاجي (الاجتماعي)؛ إن هذا النسق هو نسق تاريخي بالضرورة.

والجدير بالملاحظة أنه لا يمكننا استنتاج قواعد للتعرف (“آثار معنوية”) بطريقة مباشرة وخطية انطلاقا من نحو الإنتاج. فهذا النحو يقوم بتحديد مجال من الآثارالمعنوية الممكنة، ومع ذلك لا يمكن الحسم تماما في مشكلة معرفة نحو التعرف الذي طُبق على نص معين في لحظة معينة في ضوء قواعد الإنتاج فقط.

2 – تعددية النصوص – الغاية الخطابية- “رزم” الدوال

إن كل ما قلناه لحد الآن يفترض أن أي تحليل لمجموعة دالة، أيا كانت المادة (أو المواد) الدالة المعنية، هو بالضرورة تحليل يستدعى عناصر خارجية. فالمعنى المنتج لا يصبح مرئيا إلا في علاقة مع النسق الإنتاجي الذي ولده، أي في علاقته مع ما ” يوجد خارجه ” أي العناصر التي شكلتها شروط الإنتاج والتداول والتعرف. إن التحليلات التي تدعي المحايثة تضع نفسها ضمن التقليد اللساني كما مورس عموما لحد الساعة : تناول النص باعتباره متوالية من الملفوظات تحيل على ” اللسان”. والحال أنه لكي نبقى أولا في إطار الظواهراللغوية حقا، فإن نظرية الإنتاج الاجتماعي للمعنى تضع على عاتقها تطوير طريقة أخرى. ذلك أن النص، باعتباره مجالا لتجلي الإرغامات الاجتماعية لإنتاج المعنى، أبعد ما يكون عن التجانس. إن كل نص قابل لقراءات متعددة، إنه شيء متعدد، إنه نقطة مرور بالنسبة لأنساق مختلفة وغير متجانسة. وبعبارة أخرى، توجد في النص أنواع مختلفة من الآثار. فالعلامة اللسانية الواحدة قابلة لأن “تقرأ” على أساس أنها أثر يعود إلى أنساق مختلفة للتحديد، وذلك حسب نوعية القراءة الممارسة على النص. فقد توجد في النص آثار للمؤلف تحيل على نسق تاريخي-سيري وعلى عالم أعماله. وبالتأكيد هناك أيضا آثار لفعل اللاوعي. وهناك آثار الروابط التي ينسجها النص مع الشروط الاجتماعية التي أنتج ضمنها، وكذا آثار العمليات التي تسمح باندراج النص في وضعية سلطة، وفي شبكة العلاقات الاجتماعية المحددة، وهكذا دواليك. ولهذا سيكون من الخطإ الفادح، في رأيي، محاولة الوقوف على الظواهر الخطابية عبر نقل طريقة لسانية معينة ترتكز على مقولة” اللسان”. و هذا النقل هو ما ميز “السميولوجيا الأولى”(6). وفي هذا الإطار يتوجب علينا القيام بـ”تحليل الخطاب” وتشكيل نظرية كونية للخطاب تكون امتدادا وتكملة لنظرية اللسان. فعندما نضع أنفسنا على مستوى اشتغال الخطاب نكون في خضم الاجتماعي، فالإنتاج الخطابي للمعنى (ولا يوجد من تغيب عنه صفة الخطابي) أمر اجتماعي بشكل كامل. والأمر يتعلق هنا بخطابات متعددة وليس بما هو خطابي. وهكذا ليس المطلوب هو أن نقول بأننا بانتقالنا إلى نظام الخطاب ننتقل إلى نظام الاجتماعي : وحقيقة الأمر أن اللسانيات، باعتبارها علما للسان، وباعتبارها علما غريبا عما هو اجتماعي، لم تتشكل إلا على قاعدة آلية منهجية تهدف إلى لفظ الاجتماعي من اللغة عبر تقليص النشاط اللغوي (وهو دائما خطابي ودائما اجتماعي) إلى نموذج لإنتاج الجمل من طرف “متكلم-مستمع مثالي” (7 ).

وبهذا إذن يتضح لماذا يبدو الخطاب، في نظري موضوعا وهميا. ويمكننا بالمقابل أن نحاول تدريجيا تشكيل نظرية للإنتاج الاجتماعي للخطابات (تكون فصلا صغيرا من نظرية الإنتاج الاجتماعي للمعنى بشكل عام). ويجب أن نبين، بالنسبة لكل نوع من أنواع التحليل، مدى ملاءمة القراءة ونموذج النسق الإنتاجي الذي سنضع ضمنه مجموعة نصية ما لنعثر فيها على عمليات معينة. وبناء عليه، يجب تحويل الموضوع التجريبي البدئي (النص أو النصوص) عبر وسيلة إجرائية غايتها الوصول إلى نظام الخطابية. فلنحدد هنا نظام الخطابية هذا ولو بطريقة سلبية : لا يجب تناول النصوص كما لو كانت متوالية (خطية بالضرورة) لملفوظات تم الحصول عليها بـ “تطبيع المتن” (أي بعبارة أخرى تم الحصول عليها عبر تحطيم ما هو خطابي).

من وجهة النظر هاته، يحيل نظام الخطابية هذا على قضيتين مهمتين. الأولى تهم ما سميته أعلاه مادية المعنى. وبالفعل فالخطابية سيرورة فضائية-زمنية للمادة اللسانية : أي ارتباط وثيق بين التمدد الفضائي والتقطيع الزمني. وعلى عكس وجهة نظر سوسير، فإن نظام الخطاب ليس خطيا. وتتلخص القضية الثانية فيما يلي : إذا كنا نهتم بدراسة المعنى المنتج اجتماعيا لمجموعات دلالية مثبتة، فإننا لا نجد أنفسنا مطلقا أمام أشياء دالة متجانسة : فداخل الخطابات الاجتماعية توجد دائما مواد عدة وبالتالي متعددة للتسنين، ولكل واحدة أثرها الخاص : صورة – نص؛ صورة – كلام – نص – صوت؛ صوت – سلوك – حركة إيمائية، الخ. إنها رزم دالة معقدة تخترق الشبكات الاجتماعية للمعنى.

3- الإيديولوجي و السلطة : I- اختراق الاجتماعي (العائق الماركسي)

على الرغم من أن الماركسية كانت، أكثر من أية نظرية أخرى، حاسمة في هذا المجال، فإنها، ويجب الاعتراف بذلك، تشكل في الظرف الراهن(أو على الأقل نسخة معينة منها) عائقا أمام تطور نظرية حول اشتغال الإيديولوجي. وسأضيف بأن التوجه القاضي بتشييء المفاهيم قد تعمق في النظرية الماركسية المعاصرة مقارنة مع النصوص الكلاسيكية. لقد أفسد التشخيص غير الملائم كل شيء. وهكذا تمت العودة من جديد إلى الثنائية : بنية تحتية – بنية فوقية، إنه تصور جيولوجي، بل هرمي، للمجتمع، إنه ينظر إلى المجتمع كما لو أنه مكون من “أدراج متراكبة ” ( 8). إن الأمر يتعلق بطبيعة الحال باستعارة، ولكن هذا التصور يقول الشيء الكثير عن ميزات أخرى للنظرية الحاضنة له : إن “القاعدة” (الغريبة بالطبع عن الإيديولوجي الذي يوجد في موقع آخر) هي “الحاسمة في نهاية المطاف”؛ في حين أن البنية الفوقية “تأتي ” بعد ذلك وبشكل متفاوت. وبصيغة أخرى يمكن للبنية الفوقية أن تكون مستقلة نسبيا عن “القاعدة”، لكن البعد السياسي “أقرب” إلى “القاعدة” من البعد الإيديولوجي. وقد ولدت عملية التشييء هذه المفهوم العجيب “للممارسة الإيديولوجية ” كما لو أن الإيديولوجي شيء يوجد “في مكان ما”، وكما لو أن الإيديولوجي يوجد “جنب” الاقتصادي والسياسي داخل نفس المجموعة المتناغمة.

إلا أن الحديث عن الإيديولوجي والسلطة، وقد قلنا ذلك من قبل، يعني الحديث عن بعدين في تحليل اشتغال مجتمع ما. إن الأمر يتعلق بغاية مزدوجة يمكن أن تصدق على أية ظاهرة اجتماعية وعلى أي مستوى من مستويات اشتغال مجتمع ما، حين يتعلق الأمر بفهم إنتاجه وإعادة إنتاجه ( 9) في نفس الوقت. إنها إذن أبعاد تخترق مجتمعا ما بشكل كامل.

إن المطروح هو فهم السميوزيس التي يتم استثمارها في كل شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي (ويجب تعيينها عندما يتم وصفها بشكل مستقل عن بعدها الدال باعتبارها تدخل في نطاق “الاقتصادي” و”السياسي” و”الثقافي” و”الطقوسي”، الخ.). فلا يمكن تصور أي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي خارج هذه السيميوزيس؛ ولا يعني هذا أن وصف هذه السميوزيس،المخترقة للمجتمع في كليته، أمر ممكن انطلاقا من مبدإ بسيط للانسجام الداخلي. إن الأمر على عكس ذلك، وسنعود لهذا في حينه.

ولقد أثار مارك أوجي هذا المشكل بشكل واضح حينما قال : “يتعلق الأمر (…) بإعادة التفكير في النتائج المترتبة عن حقيقة واضحة وبديهية لدرجة قد لا تسمح لنا دائما برؤيتها جليا. إن الخطوط العريضة للتنظيم الاقتصادي والاجتماعي أو السياسي هي موضوع تمثلات مثلها في ذلك التنظيم الديني؛ وبشكل دقيق، فإن التنظيم والتمثل شيئان مرتبطان في وجودهما، فالتنظيم لا يوجد قبل أن يتم تمثله؛ ولا يوجد أيضا سبب يجعلنا نعتقد أن تنظيما ما يمثل تنظيما آخر، وأن حقيقة “مستوى معين” في لغة الاستعارات العمودية، قد تكون في مستوى آخر( 10). وهكذا نكون أمام مشكل هام يتعلق بتحديد الطبيعة الخاصة لهذه السميوزيس (دائما في إطارالمجتمعات الملموسة) وإبراز كيفية اشتغالها داخل العلاقات الاجتماعية التي يصفها عالم الاجتماع أو عالم الانتروبولوجيا باعتبارها تدخل ضمن نطاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي

ولنحاول الآن أن ننظر بشكل دقيق إلى ما يميز هذين المفهومين ، “الإيديولوجي” و”السلطة “، في علاقتهما بعملية إنتاج المعنى وفي علاقتهما بسميوزيس مجتمع ما، لا في عموميتهما. ولدينا مسبقا عناصر الاهتداء الضرورية : إن هذين المفهومين يحيلان على نمطي الأنحاء اللذين سبق أن تحدثنا عنها.

إن “الإيديولوجي” هو اسم نسق العلاقات بين مجموعة دالة ما وشروط إنتاجها الاجتماعية. وتتعلق هذه الشروط في المجتمعات الرأسمالية، بالطريقة التي يتم عبرها تفعيل السميوزيس الاجتماعي في الصراعات الطبقية. ويبدو لي بعد كل هذا، أنه من المستحيل الإحاطة بالطابع المركب لهذا النسق من العلاقات من خلال مقولات بسيطة مثل “المصالح الطبقية” (حتى لو حاولنا تحديدها “موضوعيا”). فبوسع بناء أنحاء إنتاج الخطابات الاجتماعية أن يستغني عن مقولات من هذا القبيل. فهذه المقولات تستدعي، علاوة على هذا، نظرية مبسطة للذات.

وإذا افترضنا أننا سنمتلك يوما ما الأدوات التي ستسمح لنا بإعادة تشكيل مجموع شروط إنتاج نمط خاص للمعنى المنتج، فسيكون بإمكانناحينها أن نقول بأن إيديولوجيا ما، محددة تاريخيا (بالمعنى الذي فيه نتحدث فيه عن “فاشية” “اشتراكية”، “ستالينية”) بأنها ليست شيئا آخر سوى نحو إنتاج، بل هي أنحاء متعددة، ذلك أنه يتوجب علينا أن نفسر كيف يمكن لأيديولوجيا ما، محددة تاريخيا، أن تستثمر مواد دالة شديدة الاختلاف (الخطاب المكتوب، السلوك، الأفلام، الفضاء – ألم يتم الحديث عن “فن معماري فاشي؟”) الخ. والحال أن شروط هذا الاستثمار (سيرورة الإنتاج) ليست بكل تأكيد هي الشروط ذاتها بالنسبة لمختلف المواد. فكل مادة تحدد الإرغامات الخاصة المفروضة على العمليات الخطابية لاستثمار المعنى (11 ).

وعندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الآثار المعنوية، داخل مجموعة دالة ما وداخل سيرورة محددة للتداول، أي عندما نأخذ التعرف في الاعتبار، حينها نكون أمام مسألة السلطة. إن مقولة ” سلطة ” خطاب ما لا يمكن أن تعين شيئا آخر سوى آثار هذا الخطاب داخل نسيج محدد للعلاقات الاجتماعية. والحال أنه لا يمكن أن يكون لهذه الآثار شكل آخر سوى شكل إنتاج آخر للمعنى. لقد قلنا ذلك سابقا : إن كل تعرف يولد إنتاجا، وكل إنتاج هو نتيجة لنسق من التعرفات. وعلى سبيل المثال، فإذا كان نوع معين من “إرساليات” وسائل الاتصال يمتلك فعليا سلطة على “المتلقين”، فإن هذه السلطة لن تهمنا إلا باعتبارها شكلا معينا للمعنى المنتج : سلوكات، كلمات، حركات إيمائية تحدد بدورها العلاقات الاجتماعيةالتي ينسجها هؤلاء “المتلقون” والتي تتشابك في إطار النسيج اللامتناهي للسميوزيس الاجتماعي. إن هذه الطريقة في بلورة تصورات “الإيديولوجي” و”السلطة” تؤدي إلى عدد من النتائج سأكتفي هنا بالتذكير بها في عجالة.(12)

إن الإيديولوجي ليس اسما لصنف معين من المجموعات الدالة، أي اسما لصنف من الخطاب قد يكون هو “الخطاب الإيديولجي”. فـ “الخطاب الإيديولوجي” : هو هذا المخلوق الغريب الآخر الذي يسكن العالم الغريب لماركسية مشيئة. ولنقلها مرة أخرى : إن الإيديولوجي هو بُعد يمكن معاينته داخل كل خطاب موسوم بشروط إنتاجه، أيا كان ” صنفه”.

إن الإيديولوجيا ليست سجلا لمضامين معينة (آراء، مواقف، وتمثلات) إنها نحو لتوليد المعنى، ولاستثماره في المواد الدالة. فلا يمكن إذن تحديد الإيديولوجيا على مستوى “المضامين”، هذا مع العلم أن بإمكان إيديولوجيا ما أن تتجلى أيضا (وإن بشكل جزئي) في شكل مضامين ( هذا ربما هو ما جرت العادة على تسميته بـ ” الخطاب السياسي” . لكن مفهوم الإيديولوجيا ( إيديولوجيا ما ) لا يمكن تحديده على هذا المستوى. والواقع أن علاقة إيديولوجيا ما (محددة تاريخيا) بإنتاج المعنى الذي تولده هي من نفس نمط العلاقة الموجودة بين اللسان وإنتاج الكلام، كما بلورها تشومسكي على سبيل المثال : يجب إيجاد الوسائل القادرة على وصف نسق محدود (قابل للعد ) من قواعد التوليد وذلك بغاية الكشف عن إنتاج المعنى الذي يعتبر من جهته لامحدودا. فانطلاقا من إيديولوجيا ما يمكن الحديث عن كلية الكون “الواقعي” والخيالي، كما يمكن استعمال كل المواد الدالة.

إن مفهوم “الإيديولوجي” لاعلاقة له البتة بمقولة من صنف “تشويه” أو “إخفاء” “واقع” مفترض. إننا نضع الأصبع هنا على مشكلة قديمة وهي علم / إيديولوجيا. ولنبادر إلى القول إن هذه المشكلة تهم جزءا صغيرا من الكون الخاص بالإنتاج الاجتماعي للمعنى : نظام الخطاب المكتوب ذو النزعة المرجعي؛ فهذا الخطاب المكتوب هوالشكل الذي تتبناه “المعرفة العلمية”. ويقتضي الأمر تقديم بعض الملاحظات الخاصة بهذا الحقل الضيق. إن الخطاب ” العلمي” نتاج اجتماعي خاص. ولا يوجد معنى “غير إيديولوجي” بالنسبة للخطابات الاجتماعية : وهذا يعني أنه لم يكن بإمكاننا إنتاج معنى خارج أي إرغام مولد، وهذا عبث. فكل خطاب اجتماعي يخضع لشروط إنتاج معينة. ويمكننا على العكس من ذلك إقامة تمييز على مستوى آثار المعنى بين ” أثرالعلمية” من جهة و”الأثرالإيديولوجي” من جهة أخرى. وهذا التمييز يخص التعرف وليس الإنتاج. وبصيغة أخرى يمكن القول إن الفرق بين الأثرالمعنوي الخطابي المسمى “تعرف” والأثر الإيديولوجي مسألة تهم الخطابات.

إن هذه الملاحظة الأخيرة تستدعي بعض التعليقات. إن أساس التمييز بين نحوي التعرف هذين ( ذلك الذي يتحرك في إطاره ” أثر العلمية ” وذاك حيث يتم الأثر الإيديولوجي) يمكن أن يعبر عنه بالطريقة الآتية : إن أثر العلمية يرتكز على نوع من الثنائية : يدرك الخطاب بأنه يقيم علاقة مع علاقته بـ”الواقع” الذي يقوم بوصفه. ويتم الحصول على هذه الثنائية عندما يظهر خطاب ما، خضع، كحال أي خطاب، لشروط إنتاج معينة كما لو كان بالتدقيق خاضعا لشروط إنتاج معينة. وبصيغة أخرى، إن علاقة خطاب ما بمرجعه محددة بعلاقة الخطاب بشروط توليده. لكن ” الأثر الإيديولوجي ” هو ذاك التابع للخطاب المطلق. وعلى العكس من ذلك يظهر هذا الخطاب كما لو أنه هو الخطاب الوحيد حول ما يتحدث عنه. لكن أثري التعرف يتمان معا بالضرورة داخل خطابات إيديولوجية في حالة إنتاج.(13)

فواضح أن هذا التمييز يمس سلطة الخطابات : فلكي يتوفر خطاب ما على سلطة معينة عليه أن يحرك معتقدا ما. فالمعتقدات التي يفرضها “الأثر الإيديولوجي” تختلف عن تلك التي يفرضها “الأثر العلموي” . فإبدال “الأثر الإيديولوجي” هو الخطاب المطلق والخطاب الديني. وعلى العكس من ذلك، فإن نموذج خطاب “المعرفة” هو الخطاب الذي لا يستدعي اعتقادا مطلقا بشيء ما، أي الخطاب النسبي.

وليس من باب التكرار أن نلح على ما يجعل من هذا المشكل ( في إطار معادلة قديمة : مشكلة ” العلم/إيديولجيا” ) مظهرا جزئيا من مجال الإيديولوجي : الاتجاه القاضي بتقليص هذا المجال في إطار هذه المشكلة منتشر، مع الأسف، بشكل كبير. و في واقع الأمر فإن مجال الإيديولوجي يهم كل معنى منتج خلفت فيه شروط إنتاجه الاجتماعية آثارا. هذا درس من بين دروس ماركس التي يجب أن لا نتخلى عنها : لقد علمنا أنه بالنظر إلى الأمور نظرة جيدة، سندرك أن كل منتوج يحمل آثار نسق الإنتاج الذي ولده. إن هذه الآثار موجودة لكننا لا نراها : إنها “غير مرئية”. ويمكن رؤيتها بواسطة تحليل معين. إنه التحليل الذي يفترض أن طبيعة منتوج ما لا تصبح قابلة للفهم إلا في علاقته بالقواعد الاجتماعية لتوليده.

إذا من الممكن تطبيق هذه المسلمة، بشكل منهجي، على دراسة السميوزيس الاجتماعية، فلا يمكن، على العكس من ذلك، الاحتفاظ بمظهر آخر من مظاهر النظرية الماركسية. لقد سقطت الحواجز وتبعثرت الخانات : إن الإيديولوجي ليس بنية فوقية؛ فبدون إيديولوجيا، أي بدون إنتاج اجتماعي، لن توجد بضاعة ولا رأس مال ولا فائض قيمة.

4- الإيديولوجي و السلطة (II) : الشبكة المتعددة (العائق اليساري)

لكن ما هي السلطة في آخر المطاف؟ لن نستطيع أن نتحدث عنها بطريقة أفضل من تلك التي تحدث بها عنها ميشيل فوكو : >(…) السلطة ليست مؤسسة وليست بنية، إنها ليست قوة يتوفر عليها البعض : إنها الاسم الذي يطلق على وضعية استراتيجية معقدة في مجتمع ما< ( 14). والحال أن هذه الاستراتيجية لا توجد خارج الرزمات الدالة التي تحملها، إنها لا توجد في غياب يوصل، العلاقات الاجتماعية، بين الخطابات المتعددة التي تخترق المجتمع، ولا توجد كذلك خارج تشابك إنتاجات المعنى وتعرفات المعنى في إطار سيميوزيس وصفها بورس جيدا باعتبارها لا متناهيا.

لنتصور الآن مجتمعا ما تسمح فيه، بشكل افتراضي، نفس المجموعة الواحدة من القواعد الإنتاجية بتفسير إنتاج المعنى (أ) على كل مستويات الاشتغال الإجتماعي؛ (ب) داخل كل أصناف ”الرزم” الدالة (ج) داخل كل شبكات تداول المعنى (د) في حالة الإنتاج والتعرف. حينها سنكون أمام نموذج لمجتمع يسود فيه نحو واحد. وإن مجتمعا من هذا القبيل لن يعرف تغييرا أبد الدهر : وسيقضي زمنه التاريخي في إعادة إنتاج نفسه بشكل هادئ، وسيظل مطابقا لنفسه. ونشك في أن مجتمعا من هذا القبيل سبق له أن وجد، ونشك أيضا في أن يكون مجتمع ”بدائي” ما يشبه ولو، بالتقريب، هذه الصورة. ومهما يكن، فمن المؤكد أن هذا النموذج بعيد كل البعد عن مجتمعاتنا الرأسمالية.

والحال أن فكرا يساريا يحاول، منذ مدة، أن ينجز المهمة المستحيلة ليشرح لنا كيف أننا نعيش في إطار مجتمع شبيه بهذا. فهذا الخطاب الذي يجاهر بالإعلان إما عن ”نهاية الإنتاج”(15) أو عن ”المرحلة السيبرنتيقية”(16)، يظهر لنا كيف أن المنطق الواحد يسود في كل مكان : منطق الشكل/الموضوع، الشكل/العلامة، ”مبدأ التظاهر” عند بودريار؛ منطق خطاب السلطة (ليس باعتبارها بعدا تحليليا، ولكن باعتبارها السلطة الملموسة، الوحيدة التي تهيمن على كل شيء من الأعلى إلى الأسفل) لدى فرانكلان.

إنها مفارقة عجيبة في هذا الفكر، الذي يكشف، مع ذلك، بجلاء مدى تعقد إنتاج تعرف المعنى في مجتمعاتنا الرأسمالية. لقد أعلنت الوظيفية السوسيولوجية منذ مدة، وبشكل مرح، ”نهاية الإيديولوجيات”(17)، وبعد ذلك بقليل جاء ماك لوهان، نبي العصر الإليكتروني، ليشرح لنا بتلذذ كيف أننا أصبحنا، من جديد، قبيلة مدمجة من طرف السلطة الإعلامية ( 18)، وقام أحد اتجاهات الفكر اليساري، بكل بساطة، بقلب الدليل اللساني، مستعيدا بذلك كل هذه الثيمات في حالتها الغفل. وكان من نتائج هذا الاستعمال ظهور خطاب كارثي حول التوحيد المطلق للهيمنة، التي لم تعد، على ما يبدو، في حاجة لأن تمارس. فالنسق يعيد إنتاج نفسه أوتوماتيكيا، وها هي المفارقة : من البديهي أن فهم شروط إنتاج هذا الخطاب يتطلب بالضرورة الإحالة على خطاب السلطة : ولا يتعلق الأمر في هذه الحالة بكل خطاب وإنما بخطاب بعينه : إنه خطاب السلطة القائمة في المجتمعات الرأسمالية. ويبدو أن هذا الخطاب لاقى استحسانا كبيرا في أوساط اليسار : لقد أقنع البعض بالتناغم الشامل لمجتمعاتنا.

فهذا التأثير المفارق لخطاب (أولنقل لخطابات) الطبقة المهيمنة على قوى اليسار ليس جديدا. فمؤلف مثل ماركوز سبق له أن سار في هذا المنحى بشكل تام : كانت نقطة الانطلاق بالنسبة له نوعا من الراديكالية الموسومة بالماركسية، ليخلص إلى الإعلان عن ”اشتراكية بيولوجية”. فهذا هو تفتق اللاعقلانية الخالصة داخل خطاب يساري : إنها عودة المكبوت. والأمارات على هذه الحالة كثيرة وبينة : مضى ذلك الزمن الطيب الذي كانت توجد فيه المجتمعات البدائية؛ ”البدائيون” لا يعرفون سوى ”التبادل الرمزي” إنهم لا يعرفون اللاوعي(19)، إنه خطاب إرهابي-كارثي مصحوب بحنين إلى ماضي خيالي ضاع إلى الأبد؛ أنا على يقين أن هذا يذكركم بشيء ما.

فبقدر ما يكون مجتمع ما بالغ التعقيد، بقدر ما تكون السيميوزيس التي تخترقه بالغة التعقيد أيضا. ويوجد الإيديولوجي والسلطة في كل مكان على شكل ”خانات لفهم المجال الاجتماعي” على حد تعبير فوكو. إن كلية الحضور هذه لا تحيل إذن على تناغم الانسجام الشامل التي تعيد إنتاج التوحيد الدلالي لمجتمع ما في كليته. >إنها سلطة كلية الوجود : لا لأنها ستمتاز بتجميع كل شيء في إطار وحدتها التي لا تقهر، بل لأنها تحدث في كل لحظة وفي كل نقطة، أو على الأصح في كل علاقة بين نقطة وأخرى< (20 ).

فكيفما كان مستوى إنتاج المعنى الذي نتموقع فيه، ومهما كانت مدة الزمن التاريخي الذي نقتطعه، فإن نحو الإنتاج ونحو التعرف لا يتطابقان بالضبط كما سبق وأن قلنا. إن الإيديولوجي والسلطة هما تلك الشبكات الخاصة بالإنتاج الإجتماعي للمعنى التي تهزها باستمرار الميكانيزمات الدينامية للمجتمع، وهما لذلك لا يقعان على نفس المستوى : إن الإنتاج والتعرف الإجتماعيين خاضعان، في كل مستوى وفي كل لحظة من الزمن التاريخي، وفي كل منطقة من الاشتغال الاجتماعي، لسيرورة لا متناهية من الأعطاب والتصويبات. وما دام نسيج السيميوزيس الاجتماعي ليس سوى البعد الدال للتنظيم الاجتماعي، فإن هذا التنظيم منفعل بشكل دائم بالنزاعات الاجتماعية. والأمر في حالة مجتمعاتنا الصناعية الرأسمالية، يتعلق أولا وقبل كل شيء بالنزاعات الناتجة عن الصراع الطبقي.

5 – جهة الذات

فما بين المعنى المستثمر وشروط هذا الإستثمار، وما بين المواد الدالة والإرغامات التي تحدد اشتغال هذا الاستثمار، هناك الفاعلون في سيرورات الإنتاج والتعرف : إنها الذوات. إن مفهوم ”ذات” يحيل، من هذا المنظور، على التوسط الضروري بين شروط الإنتاج وسيرورته، بين شروط التعرف وسيرورته. فالذات إذن تشكل عندنا نقطة تواصل بين القواعد الإجرائية للإنتاج والتعرف؛ وبصيغة أخرى، إن الذات هي بؤرة لتجلي شرعية تتجاوز كل ”وعي” بالمعنى يمكن أن تتوفر عليه هي نفسها.

والحال أن الذات لا تشكل بالطبع “وسطا شفافا”، فالأمر بعيد كل البعد عن ذلك، إنها بدورها منبع العديد من الإرغامات التي تحدد اشتغالها باعتبارها ”ذاتا”. ويجد التحليل النفسي،على ما يبدو، في هذه النقطة بالضبط مرتكز تمفصله مع نظرية للإنتاج الاجتماعي للمعنى. وقد يخدعنا مصطلح ”تمفصل” هذا : ففي حالة التحليل النفسي، كما في حالة الإيديولوجي، وحالة السلطة، فإن الأمر يتعلق بمستوى للقراءة. ذلك أن اللاوعي، هو الآخر، موجود في كل مكان. فمن المؤكد أنه لا وجود لخطاب ليست له وشائج تربطه بالنظام الرمزي : إنها حقيقة مبتذلة. لكن هذه الحقيقة المبتذلة تحوي خطرا يكمن في الدفع بنا، مهما كانت المناسبة ومهما كان الموضوع، إلى نسج نفس الخطاب التعميمي الذي ينحصر دوره في العثور في كل مناسبة على الخصي والأب والقضيب. وهكذا سيصبح ”الإسهام” الذي يقدمه التحليل النفسي شبيها بتلك البلاغة الجديدة التي انتقدها ميشيل دو سيرتو في مجال التاريخ : > إن الرجوع إلى موت الأب، إلى الأوديب، إلى التحويل، صالح لكل زمان ومكان. وليس من الصعب التقاط هذه المفاهيم الفرويدية، التي تعتبر قابلة للاستعمال مهما كانت الظروف لتستخدم في تفسير ما غمض في التاريخ؛ ويتم اللجوء إليها في المواضيع التي لا يفي فيها التفسير الاقتصادي أو السوسيولوجي بالغرض. فقد نكون هنا أمام أدب للحذف، أومع فن تقديم النفايات أو الإحساس بمشكلة ما، ولكننا بالتأكيد لسنا أمام تحليل فرويدي.< ( 21) فالأمر لا يتعلق إذن، تجاه مجموعة دالة ما، بالقيام بالتقاط، هنا وهناك، وبشكل مرح لآثار النظام الرمزي ولعلاقاته بالمتخيل، في أفق إعادة تشكيل نموذج سيظل، هو، بدون تغيير في الترتيب الأساسي لعناصره. وحتى لو افترضنا أن ”قواعد اللعبة” التي تقودنا إلى إعادة تشكيل هذه الظاهرة صريحة (وهو ما يحدث نادرا) وليست ملائمة بشكل خاص حسب الضرورات الظرفية للتحليل (والأمر في غالب الأحيان كذلك)، فإن هذه الطريقة لن تنال رضانا. إن إنشاء علاقة بين النظام الايديولوجي والسلطة واللاوعي يفترض تمثل نسيج مكون من هذه الاقتصادات الثلاثة.

وقد حاولت أن أفسر لماذا لا يوجد تماثل بين نظام الإيديولوجيا ونظام السلطة، ولماذا تحيل هذه الأنظمة على إشكاليات متباينة رغم ترابطها الوثيق. فلا يمكن اختصار هذين النظامين في مسألة الذات. والحال أن ”اللقاء” بين هذه الأنواع الثلاثة للاقتصاد هو ظاهرة تاريخية، وأن النسيج الذي تنتجه يعبر في لحظات مختلفة، وفي ”بؤر” مختلفة من المجتمع، عن مقاصد مختلفة. وما هو جدير بالاهتمام هو الإمساك بهذه الهيئات التفاضلية. إن كل تركيب للمواد الدالة (”الموحدة في وسائل الإعلام مثلا) يفترض منح الذات موقعا خاصا بها ( لنفكر في السينما مقارنة بالصورة التلفزيونية) ( 22). فمن الزاوية الدياكرونية، كل فرق دال بين الإنتاج والتعرف على المجموعات النصية المحددة يفترض تغييرا في موقع الذات.

فاتجاه هذا ”اللقاء” بين نظرية الذات ونظرية الإنتاج الاجتماعي للمعنى، يجب أن نؤكد الأهمية الحاسمة لدراسة تطورت في السنين الأخيرة ببطء : إنها تلك المتعلقة بأجهزة التلفظ. إن أخذ هذه الأجهزة بمجملها بعين الاعتبار يطرح مشاكل عديدة، ذلك أنه إذا كنا نعرف شيئا ما حول اشتغالها داخل المادة اللسانية، فإن نظرية هذه الأجهزة، والهيئة التي تصير عليها عندما تتجسد في مواد أخرى غير اللغة، لا زالت لم تتبلور بعد. ولنضف إلى هذا أن ما يتعلق بالخطاب، أي التركيبة الخصوصية ”للرزم” الدالة، يحدث تأثيرا على جهاز التلفظ داخل كل مادة على حدة. ومن الواضح أن هذا الجهاز، كما يشتغل داخل المادة اللسانية التي يمكن أن يشكل جزءا منها في الخطاب الفيلمي مثلا، ليس هو نفسه الذي يميز التلفظ في النشاط اللغوي بالمعنى الدقيق، أكان ذلك النشاط شفويا أم كتابيا. وحتى في حالة بقائنا في حدود الخطاب اللساني، فلا يمكننا أن نبالغ في أهمية تحليل التلفظ شريطة أن نفهم أن هذا التحليل لا يهم في آخر المطاف ”جانبا” من الخطاب؛ ولا تعود إلى ”مستوى” معين من اشتغال الخطابية، وإنما يقود ، على العكس من ذلك، بل إلى (أو يجب أن يقود إلى، مهما كلف ذلك) تحول شامل وعميق للتصور الخاص بالنشاط اللغوي. إن آليات التلفظ، المرتبطة بالعمليات الخطابية (أينما وجدت) التي تؤثر في كل لحظة، من جراء ذلك، على المواد المعجمية، هي تلك الشبكة من الآثار التي تسمح لمتخيل التاريخ بالالتصاق (بشكل متقطع دائما، وجزئي دائما، في كل سيرورة للإنتاج أو التعرف) ببنيات محددة للنظام الرمزي.

—————————————–

الهوامش

* – هذا العمل هو بمثابة محاولة صياغة إشكالية كبيرة ومعقدة جدا، فالقضايا مقدمة هنا بشكل جد مختصر، في حدود المساحة المتوفرة. فالقارئ مطالب إذن، إضافة إلى هذا المقال، بقراءة مقالين آخرين، خصوصا فيما يتعلق بمشكل الايديولوجي : ”ملاحظات حول الإيديولوجي كإنتاج للمعنى” علم الاجتماع والمجتمعات، مونريال، 5 (2) : 70/54 ، 1973 و ”الايديولوجيا ووسائل الاتصال : حول تشكل الخطاب البورجوازي في الصحافة الأسبوعية، الايديولوجيات، الأدب والمجتمع في أمريكا اللاتينية، منشورات جامعة بروكسيل، 1975 : 226/187 إن مسألة الإيديولوجي في علاقة مع ”خطاب العلم” معروضة بشكل مسهب في ”أسس” (وهي مجموعة من النصوص سيتم نشرها ). ونشر في Communications n! 28, 1978، تحت عنوان : Sémiosis e l’idéologie et du pouvoir .

1- من بين المصطلحات الثلاثة الشائعة لتسمية هذه المحطات الثلاث، المتميزة عن بعضها على المستوى المفهومي، يبدو أن مصطلح “استهلاك” هو الأكثر اقتصادا عندما نطبقه في مجال المعنى. والسبب الممكن لهذه الوضعية يكمن في المحاولات (كثيرة التنوع) التي يتم من خلالها نقل النموذج ”الاقتصادي” إلى ميادين أخرى؛ والحال أن محفل الاستهلاك قلما أثار انتباه المهتمين. وما دام مصطلح استهلاك لم يعرف استعمالات بلاغية كثيرة، كما هو الحال بالنسبة للمصطلحين الآخرين، فإن استعماله يترك الانطباع بأن الأمر يتعلق بمصطاح ” اقتصادي محض”. وقد بدا لي من المفيد استبداله في هذا الإطار بمصطلح “تعرف” الذي يستعمل في اللسانيات للإشارة إلى لحظة ” التلقي” ضمن دائرة لغوية ما، رغم ما يحدثه هذا اللاتوازن من تغيير. ومهما يكن، فإن وجود نوع من التذبذب في استعمال المصطلحات أمر لا مفر منه في الوضع الحالي، فالاستقرار غير رهين قرار فردي.

2- إن غياب هذا التمييز يعود إلى “وهم المحايثة ” في تحليل النصوص، وهو ما يميز ما سميته في مقال آخر “السميولوجيا الأولى”. انظر : “ملاحظات بخصوص الإيديولوجي باعتباره إنتاجا للمعنى”.

3-كان مصطلح “نحو” سيكتب، على امتداد هذا العرض، بين مزدوجتين، لكننا فضلنا عدم استعمالهما حتى لا نثقل كتابتنا.

4- E. Veron et C. E. Sluzi, Communicion y Neurosis, Bs. As., Editorial del Instituto, 1970

5- انظر بهذا الصدد “أسس”، مصدر سبق ذكره.

6- انظر : “ملاحظات بخصوص الإيديولوجي باعتباره إنتاجا للمعنى ” سبق ذكره.

7- ليس المطلوب قطعا أن نتجاهل الأهمية التاريخية لآلية من هذا النوع.

8- لقد استعملت أنا الآخر هذه المصطلحات في ” نحو منطق طبيعي للعوالم الاجتماعية”، انظر :

Communications, 20, 246-278

9- ليس من قبيل الصدفة أن لا يكون هناك في نطاق هذا الفكر الماركسي المشيء سوى موضع للتصور الذي يعيد إنتاج الإيديولوجي فقط.

10- Marc Auge, Théorie des pouvoirs et Idéologie, Paris, Herman, 1975, p.XIX

بقي أن أشير إلى أن مفهوم التمثل يجب أن يحيل، في نظري، على السميوزيس، أي على إنتاج المعنى وعلى سيرورات استثمار المواد الدالة، هذا إذا كانا نريد لهذا المصطلح أن يكون شيئا آخر غير مصطلح صالح للإشارة إلى مشكل معين دون أن يقوم بإيجاد حل له، هذا من جهة، وإذا كنا من جهة أخرى نريد تجنب العودة من جديد إلى الزوج : بنية تحتية/بنية فوقية من خلال صيغة أخرى.

11- انظر مقالي : “Pour une sémiologie des opérations trans-linguistiques” VS Quaderni di Studi Semiotici, 4 : 81-100, 1973, pour une typologie de règles constitutives des matières signifiantes.

12- لمناقشة أكثر تفصيلا، انظـر : “Fondations”, op.cit.

13- يبدو لي أن هذا هو أساس التمييز بين هذين النحوين للتعرف : نحو ” العلموية ” ونحو ” الأثر “. وهو بالتأكيد ليس العنصر الوحيد. فسيكون من الضروري أن نضيف أنه لا يجب خلط مفهوم الأثر المعنوي والآثار التي تهم أصناف أخرى من الخطاب. وبصيغة أخرى لا يجب أن نتصور أن كل خطاب تنتجه المؤسسات المسماة “علمية” هو بالضرورة خطاب ينتج أثرا ” علمويا” هيهات إن الأمر ليس كذلك. فالعلموية مشكلة لا تتعلق فقط بخصائص الخطابات في ” حد ذاتها” ولكن بمجموع العلاقات بين الخطابات وشروط الإنتاج والتداول والتعرف.

14- Michel Foucault, Histoire de la sexualité, I, La Volonté de savoir, Paris, Gallimard, 1976

15- J. Baudrillard, L’Echange symbolique et la Mort, Paris, Gallimard, 1976

16-Jean Franklin, Le Discours du pouvoir, Paris, Coll. 10/18, 1975

17-Daniel Bell dans son livre classique, The End of Ideology, N.Y., 1960

18- Ma. Mc. Luhan, Understanding Media, The Extensions of Man, N. Y. , Mc Graw Hill, 1964

19- J. Baudrillard, L’Echange symbolique et la Mort, Paris, Gallimard, 1976

20- M . Foucault , La volonté de savoir , op cit, p . 122

21 – Michel de Certeau, L’Ecriture de l’histoire, Paris, Gallimard, 1975, p. 292

22 – ومن هذه الزاوية يجب التأكيد على أهمية الخطوات التي أنجزت في اتجاه البحث عن تشكل خاص للذات داخل المؤسسة السينماتوغرافية ( حتى وإن لم تتم معالجة قضية الإيديولوجي بشكل صريح ) في العدد 23 من Communications حول التحليل النفسي والسينما.