سيميائيات التواصل الاجتماعي

Bengrad
2021-06-04T11:39:43+00:00
العدد الثاني عشر
17 أغسطس 20201٬303 مشاهدة

بيير غيرو

ترجمة : محمد العماري

لقد عولجت تحت اسم السنن المنطقية والجمالية لحد الآن علاقة الإنسان بالطبيعة، لكن الإنسان يحيى كذلك داخل المجتمع، ويعيش فيه تجربتين، إحداهما موضوعية والأخرى ذاتية. والواقع أن المجتمع لا يمثل سوى عنصر خاص من العالم الذي نحيى فيه، ومن ثمة فإن كل ما قيل لحد الساعة عن مختلف السنن، ينطبق كذلك على الدلالة والتواصل الاجتماعيين.

غير أن هناك فرقا عظيما بينهما. ذلك أن العلوم والفنون -كما سلف تحديدهما- يقصدان إلى تبليغ تجربة خاصة بالمرسل إلى متلق إنساني غير معني بها مباشرة، في حين يهدف التواصل الاجتماعي إلى الدلالة على علاقة قائمة بين بني الإنسان، ومن ثمة بين المرسل والمتلقي.

فالمجتمع نسق من العلاقات بين الأفراد تتغيى الحفاظ على النسل، وتوفير التبادل والإنتاج… ولتحقيق هذه الغايات، تلزم الدلالة على مواقع الأفراد في الجماعة، وموقع الجماعة داخل المجتمع، وهذا هو دور الشارات والشعارات التي تومئ إلى الانتماء إلى فئة اجتماعية : عشيرة كانت أو مهنة أو جمعية… أما الشعائر والاحتفالات والأعياد والموضات والألعاب فهي أشكال تواصلية يحدد من خلالها الفرد نفسه بالنظر إلى الجماعة، والجماعة بالنظر إلى المجتمع. وهي تبرز في الآن ذاته الدور الذي يضطلع به كل فرد داخل المجتمع والنصيب الذي يأخذ منه.

وإذا كان العلم تنظيما للعالم الطبيعي ودلالة عليه، فإن السنن الاجتماعية تنظيم للمجتمع ودلالة عليه. ودوال هذه السنن هم الأفراد أو الجماعات أو العلائق. غير أن الإنسان هو مادة العلامة وحاملها. فهو الدال والمدلول في الوقت نفسه، أي أنه علامة، من ثمة فهو مواضعة. فالحياة الاجتماعية لعبة يلعب فيها كل فرد دوره الخاص : الأب، العم الوصي، الابن الشاطر، الصديق الوفي… ثم إن العلامة الاجتماعية في الغالب هي علامة دالة على ”المشاركة” بالمعنى الذي حددنا به هذه اللفظة سابقا. فمن خلالها يعبر الفرد عن هويته وانتمائه إلى الجماعة، ومن خلالها كذلك يعلن عن هذا الانتماء ويعينه.

وتتخذ التجربة الاجتماعية -على غرار التجربة العلمية- مظهرا مزدوجا : منطقيا ووجدانيا. فالعلامات التي تشير إلى موقع الفرد أو الجماعة داخل التراتبية السياسية والاقتصادية والمؤسسية وكيفية تنظيمها، تنتمي إلى المنطق، أما العلامات التي تعبر عن العواطف والمشاعر التي يحس بها الفرد أو الجماعة نحو الأفراد الآخرين أو الجماعات الأخرى فتتصل بالوجدان.

هكذا سيكون من المشروع من الوجهة ”الديداكتيكية” تبني التصميم الذي انتهجناه لحد الساعة، وذلك بالتمييز بين العلامات الاجتماعية المنطقية والعلامات الاجتماعية الجمالية (الوجدانية). وهذان النوعان من الدلالة مترابطان علميا أشد ما يكون الترابط. ذلك أن ”العلوم الإنسانية” ما تزال متخلفة وأن معرفتنا في هذا المجال تقوم على فكر متوحش” لا يميز بوضوح بين الفن والعلم. ولا يخفى أن العلاقة بين الإنسان ونظيره أمتن من علاقته بالطبيعة، إلا إذا تعلق الأمر بالطبيعة المؤنسنة السائدة في الديانات والثقافات العتيقة. ونحن إذ نتخلى عن الرغبة في التمييز بين علم الحياة الاجتماعية وفنها، فإننا سنفحص المسألة من زاوية العلامات ثم من زاوية السنن.

ّI – العلامات

إن أول شرط تفرضه الحياة الاجتماعية هو معرفة هوية من نتعامل معهم سواء أكانوا أفرادا أم جماعات. وهذه هي وظيفة الشارات والشعارات.

1 – العلامات الدالة على الهوية : الشارات والشعارات : وهي علامات تشير إلى انتماء الشخص إلى جماعة اجتماعية أو اقتصادية. وتتمثل وظيفتها في الافصاح عن تنظيم المجتمع والعلاقات القائمة بين الأفراد والجماعات فيه.

أ- الاسلحة والاعلام والطوطمات الخ : وتشير إلى الانتماء إلى عائلة أو عشيرة. وقد تتسع دلالتها لتشمل تجمعات كبرى كالمدينة أو الإقليم أو الأمة.

ب – البذل : وهي أيضا علامات تشير إلى :

– جماعة اجتماعية : نبالة – بورجوازية- سوقة…

– جماعة مؤسسية : جيش – كنيسة- جامعة…

– جماعة مهنية : الجزارون – الطباخون – البناؤون…

– جماعة ثقافية : جمعية رياضية- فرقة موسيقية…

– جماعة عرقية : البروطون، الالزاسيون- الافيرنيون …

ج – الشارات والأوسمة : وهي بقايا رمزية من الأسلحة والبذل، تلعب وظائفها ذاتها، وإن كان ذلك بشكل متدهور. وتعد الأوسمة استمرارا لتقاليد الفروسية، في حين تومئ الشارات إلى الانتماء إلى مختلف الجماعات والجمعيات.

د – الوشام ومظاهر الزينة (الماكياج) وأشكال الحلاقة… الخ وهي كذلك إشارات مسننة في المجتمعات البدائية، بل إنها ما تزال حية في موضاتنا.

هـ – الأسماء والألقاب : وتمثل العلامات الدالة على الهوية الأكثر شيوعا وبساطة. وتكون معللة دائما، إذ تعين الشخص انطلاقا من انتمائه إلى عائلة أو عشيرة، أو مهنة (””سارتر” الخياط،”لوفيفر” الصانع) أو بناء على سمة من سماته الجسدية (الأبيض، الاعور).

وقد قضى التاريخ في مجتمعاتنا العصرية على هذا النسق المعلل، والذي يعاد تعليله بواسطة الكنى والأسماء المستعارة.

فشعارات النبالة (Armoiries) والبذل والشارات والوشام إذن وسائل للتمييز بين شتى الجماعات التي تؤلف المجتمع. وقد تستعمل كذلك لترتيبها وتحديدها. فالامر يتعلق أساسا- كما أثبت ذلك ”ليفي ستراوس بشأن الطوطمات -بتصنيفات اجتماعية. وهي -فضلا على ذلك- تشير داخل كل جماعة محددة إلى تراتبيتها وتنظيمها الداخلي. ويضطلع بهذه الوظيفة القنازع (ريش يوضع في الرأس والقبعة) والتيجان وفرو القاتم والشرائط العسكرية .

و – الشعارات : وتعين أشياء أكثر ما تعين جماعات من الأشخاص، وهي أشياء ذات صبغة اجتماعية.

فقبل ظهور ترقيم المنازل كانت تعرف البنايات انطلاقا من الشعار الموضوع عليها. وما تزال الدور الصناعية تحافظ على هذا التقليد ”فالشعارات معبرة عموما، أي أنها تتخذ طابعا أيقونيا، ذلك بأن الحذاء يدل على صانع الأحذية، وصحن الحلاقة على الحلاق إلخ. وإذا كانت هناك بعض الفنادق التي ما تزال تسمى >الحصان الأبيض< أو ”الأسد الذهبي” فإن الأمر يتعلق بمحطات بريد قديمة، أو أن أصحابها يلعبون بالألفاظ شأن اسم >النوم في السرير<، وشأن تلك الحانات الريفية المساماة بـ >020 بدون سفر< .

ويشكل تقسيم المدن إلى أحياء وأزقة نسقا للتعيين أيضا. ففي كثير من الثقافات تجمع الأحياء طوائف مغلقة أو مهنا، بحيث يختص كل زقاق منها بمهنة : زقاق الحدادة، زقاق النساجة… إلا أن حوادث التاريخ كثيرا ما دمرت هذا النظام في مدننا المعاصرة، وهو أمر يمكن أن يعاد بناؤه اصطناعيا. ففي مدينة (نيس) مثلا، هناك حي يدعى حي ”الموسيقيين” يحمل كل زقاق من أزقته اسم موسيقار شهير، أما مدينة نيويورك فتقوم على نسق معقلن، إذ تتقاطع الشوارع والأزقة فيها بشكل متعامد، ويحمل كل منها رقما.

ز -الوسوم الصناعية : وظيفتها التأشير على مصدر السلعة وضمانها. وقد استعملها الصناع منذ القديم، إذ كان الفخارون والنجارون “يوقعون” مصنوعاتهم. كما كان مربو الماشية يسمون دوابهم إلخ.

وقد أدى تكاثر السلع وتنوعها، وكذا تطور التجارة والاشهار، إلى طرح القضية بكيفية جديدة. ذلك بأن اختيار وسم تجاري أصبح أمرا تتحكم فيه شروط معقدة، بحيث أصبح الصانع يستعين بعلماء السوسيولوجيا والسيكولوجيا، بل حتى بالحاسبات الالية. واكتسى تقديم السلعة وتغليفها قيمة سيميولوجية هامة في التسويق المعاصر. والمحصل أن ما ندرجه هنا تحت اسم الشارات هي الوسوم التي ترمي إلى تعيين مكونات الجسد الاجتماعي وتمييزها، وكذا إلى إبراز التنظيم الاجتماعي، وإظهار الطوبوغرافيا والاقتصاد اللذين يسندانه.

2 – علامات الآداب : تشير علامات الهوية إلى الانتماء إلى جماعة أو وظيفة. لكن الناس يتواصلون فيما بينهم كذلك. وهم يستعملون لهذه الغاية الشارات والشعارات التي تفصح عن هويتهم. غير أن هذه العلاقات القارة تتضاعف بعلاقات عارضة خاصة تتغير بحسب المقامات والظروف. فارتداء بذلة لحضور حفل أو عدم ارتدائها، لا يشير فقط إلى طبيعة الحفل، وانما يشير كذلك إلى طبيعة العلاقة بين المضيف والضيف. و توجد لهذه الغاية علامات خاصة أهمها الصفات الجسدية والإيماء.

لقد سلفت الإشارة إلى مسألة التنغيم والكينزياء وعلم البونية التي يمكن أن نضيف إليها أشكال التحية والشتم والطعام…الخ.

أ- نبرة الصوت : وتعدُّ أحد الوسائل الكونية الدالة على طبيعة العلاقة بين المرسل والمتلقي. فقد تكون >حميمية< أو >موقرة< أو >ساخرة< أو >آمرة< أو >منافقة< الخ…

ب- أشكال التحية وصيغ الآداب : ولهما الوظيفة نفسها، ويتميزان بطابعهما التواضعي الخاص واختلافهما من ثقافة لأخرى.

ج – تشكل الشتائم المقابل السلبي للتحية، وتنهض بأدائها علامات العداء. وبالرغم من أن عددها كبير وغزير، فإنها لا تفلت من المواصعة. ويشكل التحدي أحد صورها المسننة.

د – الكينزياء : ومعناه حرفيا علم الحركة، وهو يعنى بتحليل تعابير الوجه والإيماء والرقص. والواقع أن الإيماء وتعابير الوجه، شأنها في ذلك شأن النبر وتبدلات الصوت، هي أنساق مساعدة للغة. وإذا كان من الثابت أن دراسة الإيماء قديمة، فقد سبق لـ داروين أن نشر بحثا حول >التعبير عن الانفعالات لدى الانسان والحيوان< (1873 م)، فإن المؤسس الفعلي لهذا العلم باعتباره دراسة نسقية لإيماءات الجسد هو >راي بيرد ويستيل< في كتابه الصادر سنة 1952 >مدخل إلى الكينزياء< الذي حدد فيه موضوع علم الكينزياء في معالجة >مظاهر سلوك الجسد المتحرك التواصلية المكتسبة والمنظمة<. ونقدم فيما يلي خصائص العلامات الإيمائية، التي يحددها بيرد ويستيل اعتمادا على النموذج اللساني (1) : >يلاحظ أن هناك عددا كبيرا من المحددات الكينزية مثل المحددات الكينيزية الضميرية المقرونة بالضمائر المنظمة بحسب التقابل، بعد /قرب، وذلك مثل : هو/أنا، هذا /ذاك الخ. ويؤدي تفخيم الإيماءة نفسها إلى نقل المحدد الكينيزي الضميري من المفرد إلى الجمع، لنحصل بذلك على محددات دالة على الجمع من قبيل : نحن /هم الخ… ويمكن أن نميز – على نفس الشاكلة- محددات فعلية مقرونة بمحددات ضميرية لا انقطاع للحركة فيها، وتتخللها محددات الزمن. وتنبغي الإشارة كذلك إلى محددات المجال الفضائي من قبيل : أعلى، أسفل، خلف، أمام، عبر… الخ<.

وقد حللت كذلك مختلف حركات الرقص ودونت. ولمزيد من التفصيل في هذه القضايا التي تتجاوز حدود هذا البحث، نحيل القارئ على العدد العاشر من مجلة >لغات< الصادر في يونيو 1968، والمخصص لـ >الممارسات واللغات الايمائية<.

هـ – علم البونية : لا يقتصر التواصل الإنساني على توظيف الإيماء فحسب، بل يوظف كذلك المكان والزمان، ذلك بأن المسافة التي تفصلنا عن مخاطبنا، والزمن الذي نقضي في استقباله أو الرد عليه يشكلان علامات. وهذه اللغة هي موضوع علم البونية.

وتحظى هذه العلامات الاتفاقية -شأنها شأن كل أنساق العلامات- بأهمية خاصة، ما دامت تختلف من ثقافة لأخرى، وتصبح بذلك مصدر الكثير من سوء التفاهم. ويعد كتاب >اللغة الصامتة< (The Silent language) لـ >هال< (E.T. Hall) المؤلف الأساس في هذا الشأن. وإليك المسافات الدالة الثمان التي يمكن أن تفصل بين المتخاطبين الامريكان:

1- شديدة القرب الهمس الخافت سري جدا – (بين 5 و 20 سم)

2- قريبة : همس مسموع سري /حميمي – (بين 20 و 30 سم)

3- محاد: صوت خفيض في الداخل وقوي في الخارج سري / حميمي – (من 30 إلى 50 سم)

4 – محايدة : صوت خفيض وضعيف موضوع شخصي – (من 50 إلى 90سم)

5 – محايدة : صوت قوي موضوع غير شخصي – (من 1.30 م و 1.50م)

6- المسافة العمومية : صوت قوي مفخم قليلا خبر عمومي موجه للآخرين علاوة على المخاطب (م 1.60 إلى 2.40م)

7 – عبر الحجرة : صوت مرتفع مخاطبة جماعة – (بين 2.40م و 6 م)

8 – مجاوزة للحدود : صوت مرتفع تحية من بعيد – انصراف – (من 6م إلى 30م)

ونحن نعتقد أن محددات المكان السمعية تتحكم -بداهة- في هذه المسافة.، والواقع أنها اتفاقية إلى حد بعيد، ذلك بأن الأمريكيين الناطقين بالانجليزية يحرصون على > اتخاذ مسافة محددة بينهم وبين مخاطبيهم< في حين يجنح الامريكيون اللاتينيون إلى تقليصها. وهو ما ينتج عنه شعور الأوائل بالانزعاج، وشعور الأواخر بأن مخاطبيهم فاترون ومتحظون، كما سجل ذلك هال حين قال :>المسافة في أمريكا اللاتينية أصغر مما هي عليه في الولايات المتحدة. ذلك بأن اللاتينيين لا يشعرون بالراحة في مخاطباتهم إلا إذا كانت المسافة بينهم أقرب من تلك التي تثير في أمريكا الشمالية مشاعر الشبق الجنسي أو العدوان. والنتيجة هي أنهم كلما اقتربوا منا تراجعنا إلى الخلف. وبذلك يجدوننا متحفظين أو مقرفين وغير ودودين. أما نحن فنتهمهم دائما بالنفخ في وجوهنا ومحاصرتنا ورشنا بلعابهم<.

>ويلجأ الامريكان الذين عاشوا فترة في أمريكا اللاتينية دون أن يدركوا دلالة هذه المسافات إلى حيل أخرى من قبيل الاحتماء بمكاتبهم، واستعمال الكراسي والطاولات لإجبار الأمريكي اللاتيني على مراعاة المسافة اللائقة في نظرهم. والنتيجة هي أن الأمريكي اللاتيني قد يقفز على الحاجز إلى أن يبلغ المسافة التي يمكن أن يتحدث فيها براحته<.

ولا يقل الزمن الذي يفرض المخاطب على مخاطبه انتظاره دلالة. فمعلوم أن حتى أبسط الموظفين يفرضون على زوارهم فترة انتظار تتناسب مع رتبتهم وأهميتهم الإدارية، والتي بدونها يشعرون أن حقا من حقوقهم قد أهدر.

ويتخذ هذا الزمن بدوره طابعا اتفاقيا، إذ يمكن أن يتخذ أبعادا هامة في بعض الثقافات وبعض المواقف. فقد كان المغول الأكبر يفرض على السفير انتظار ثلاثة أشهر قبل أن يستقبله. وكذلك النساء لا يقبلن ملاطفة المعجب بهن إلا بعد تدريب عسير. ويلعب المكان والزمان دورا دالا في الاحتفالات والاستعراضات والولائم. فالمسافة الفاصلة بين المتخاطبين تشكل علامة دالة على طبيعة العلاقة القائمة بينهم، وهي علاقة يمكن أن تكون ألفة” أو تحفظا.

و- الطعام : ويشكل هو أيضا أحد الملامح التي تعرف بها الجماعة وآدابها. وهو غالبا ما يكون محاطا بالممنوعات. إذ أن إعداد الاكلة وتقديمها يضبطهما نسق من المواضعات الملزمة. فرفض دعوة للشرب ما يزال في بعض الأوساط عندنا يعد إهانة للداعي.

وما تزال وظيفة الطعام السيميائية حية في مآدبنا وولائمنا، وكذلك في عدد من الطابوات والعادات. فالشاي الإنجليزي ما تزال تصاحبه طقوس موروثة من أصوله الشرقية.

ز – ولكن كيف السبيل إلى حصر هذه القائمة؟ فكل شيء علامة: هدايانا ومساكننا وأثاثنا وحيواناتنا الداجنة….الخ

3 – طبيعة العلامات الاجتماعية : مر بنا أن العلامات تتفاوت من حيث بعدها الاجتماعي، أي من حيث درجة انتظامها ومواضعتها. ففي ثقافتنا المعاصرة تتخذ العلامات الاجتماعية طابعا اجتماعيا أضعف مما هو عليه الأمر في الثقافات القديمة. وينطبق هذا على أسماء الأعلام والشارات والشعارات التي يمكن أن يقابلها الطوطمات وشعارات النسب (blasons) وألبسة الطوائف والحرف والعشائر.

والسمة الأخرى من سمات العلامة هي الاعتباطية أو التعليل. ذلك بأن معظم العلامات الإجتماعية هي من النوع المعلل، إما بواسطة الاستعارة أو بواسطة المجاز، وهو الغالب. فالأمر يتعلق بصور مجازية من قبيل الميزان والسيف الدالين على العدالة، أو الانحناء أو تقبيل اليد الدالين على الولاء والإجلال… لكنها لا تستمر في شكلها الاجتماعي أو في المؤسسات إلا للمحافظة على قيمة رمزية فقدت دلالتها الأصلية.

فهي تحمل دلالة إيحائية تحيل على العظمة والقوة والسلطة، أو -خلافا لذلك- على المهانة. وتستمد هذه القيم في الغالب أصولها من رمزية ضاربة في اللاشعور الجمعي. لهذه الأسباب فهي تتخذ طابعا جماليا أكثر منه منطقيا، وإن كان معظمها -من حيث المبدأ- علامات تصنيفية، لكنها تنتمي بحكم أصلها البدائي إلى أنماط دلالية ما قبعلمية تماثلية أو شبه تماثلية.

ثم إنها شديدة التأثر بتواتر الدال في المدلول. فليس من النادر أن تولِّدَ أشكالُ شعارات النبالة والاسماء والرموز حكايات شبه تاريخية مستمدة في الغالب من الاساطير وأدبيات العصور الغابرة. وقد أبرز ليفي ستراوس) على وجه الخصوص كيف أن أنساق التسميات الطوطمية، ذات المبدإ التصنيفي، تصبح منتجة -بواسطة القياس- للطابوات والمحرمات والعلاقات بين العشائر، المدعومة بخرافات تنضاف إلى العلامات الطبيعية القائمة بين الذئب والثعبان والدب والضفدعة.

وتشبه العلامات الاجتماعية بفعل طابعها الايقوفي العلامات الجمالية. وهو أمر لا يعود للصدفة ما دام المرسل في التواصل الاجتماعي يحمل علامة هو نفسه مرجعها. وليس بإمكان هذا التداخل بين الذات والموضوع الا تيسير التداخل بين الوظيفتين المرجعية والانفعالية.

II السنن

تمثل الالبسة والأطعمة والايماءات والمسافات إلخ… علامات تساهم بقدر متفاوت، وبصيغ مختلفة في تشكيل مختلف انماط التواصل الاجتماعي.

وهي كثيرة : الطقوس والاعياد والاحتفالات والبروتوكولات وسنن الآداب والألعاب. ويمكن التمييز فيها بين أربعة أنواع رئيسية هي :

البروتوكولات التي تهدف إلى إرساء التواصل بين الافراد، والطقوس التي يكون المرسل فيها هو الجماعة، والالعاب -سواء كانت خاصة وفردية أو عمومية وجماعية- التي تشكل تمثيلا لوضع اجتماعي، ثم الموضات التي هي صورة فردية منمقة لسنة من السنين.

1 – البروتوكولات : المجتمع جماعة من الأفراد الذين التفوا للقيام بفعل جماعي، لكل منهم موقعه ووظيفته، ويتحدد كل واحد منهم انطلاقا من العلاقات العائلية والدينية والمهنيةالخ التي تربطه بالآخرين .

ويلزم أن تكون هذه العلاقات ظاهرة ومعترفا بها. وهذه هي وظيفة الاسماء والالقاب والشارات والشعارات والأسلحة، ولا سيما الأزياء كما مر بنا . فعندما يلتقي الافراد لانجاز فعل جماعي، ينبغي أن يكون هناك ما يؤشر على العلاقات بينهم، أي ما يميز الحاكم من المحكوم، المانح من الممنوح والداعي من الزائر الخ.

وتعمل البروتوكولات والمراسيم على ضبط موقع كل مشارك في استعراض أو وليمة. ونحن نعلم كيف حسم >فرسان الطاولة المستديرة< هذه المسألة، وتابعنا كذلك النقاشات الطويلة حول شكل الطاولة في مؤتمر الفيتنام الأخير.

أما أشكال التحية فترمي إلى ربط الاتصال أو قطعه. وينبغي أن تكون العلاقة بين المتخاطبين هنا كذلك محددة : مساواة-تفوق أو دونية -صداقة- عداء أو حياد، رغبة في التواصل أو احجام عنه.

وتشكل الالقاب -وربما كذلك القذف والقدح- ونبرة الصوت والإيماء والأوضاع الجسدية الخ… مجموعة مسننة تفقد طابعها التواضعي عندما نريد ترجمتها من لغة لأخرى ومن ثقافة لاخرى.

أما عن العادات الحميدة وآداب السلوك، فهي علامات يعبر بواسطتها الشخص عن انتمائه لجماعة محددة. وتجعله معرفته بالأعراف واحترامه اياها انسانا راقيا عارفا بالخبايا. فهي أشبه ما تكون بكلمة السر أو علامة التعرف.

2 – الطقوس الشعائر : وهي شكل من أشكال التواصل بين الجماعات، إذ أن الرسالة/الطقس تبثها الجماعة باسمها، وبذلك فهي المرسل لا الشخص الفرد.

فعن طريق الطقس الديني تتصل الجماعة بالآلهة. ذلك بأن كلمة >ديانة< في اللاتينية تعني من الناحية الاشتقاقية >الصلة< أي الصلة بين المومنين الذين تجمع بينهم العقيدة، والصلة كذلك بين الجماعة والآلهة. أما الشعائر العائلية أو الوطنية، فهي أشكال للاتحاد مع الاجداد أو الوطن أيضا. وهي تستمد جذورها في الغالب من أصول دينية، وتظل موسومة بميسم الدين.

وتمثل المواثيق والاتفاقيات والتحالفات علاقات بين الجماعات التي تتبادل التزامات أو خدمات أو ممتلكات أو نساء الخ. والعلامات الدالة عليها هي الاحتفالات المصاحبة لها. أما طقوس المسارَّة(initiation ) والتتويج والتسقيف (Les Sacres ) وحفلات السر (Sacrement) وطقوس الجنازة، فهي تنشئ علاقة بين الجماعة والشخص الجديد الوافد عليها .

إن المرسل في كل الطقوس هو الجماعة. إما بمجموعها أو في شكل بعض المحتفلين الذين يعهد إليهم باجراء التواصل. غير أن مشاركة الجماعة قائمة دائمة، حتى ولو اقتصرت أحيانا على حضور الحفل. ويعبر الافراد عن مشاركتهم في التواصل بواسطة الاناشيد والصلوات والصمت والتصفيق والهتاف. وقد تتخذ هذه المشاركة صورة أعياد تخلد الحفل الشعائري الذي يكون هو ذاته مسننا. وتمثل الاعياد الرسمية والاعياد التذكارية تذكيرا بالميثاق الأصلي وتثبيتا للعلاقات الناشئة عنه .

إن وظيفة الطقوس هي خلق المشاركة أكثر من تحقيق التواصل. وهي تعبر عن تضامن الافراد وولائهم للالتزامات الدينية والقومية والاجتماعية التي أقرتها الجماعة. وهي -أي الطقوس- أنساق من العلامات البالغة التسنين، بقطع النظر عن أصولها التاريخية أو شبه التاريخية، وعن قيمتها التصويرية.

3 – الموضات : وهي تتصل بكيفية عيش الجماعة، أي بلباسها وغذائها وسكنها …الخ. وتظهر أهميتها أكثر في المجتمعات التي تحررت فيها تلك الحاجات من وظيفتها الأصلية (التي هي الاحتماء والتغذية) بسبب وفرة المواد الاستهلاكية. وبذلك لم تعد ربطات أعناقنا وسياراتنا وأرائكنا (من نوع ”ريجونس ”Regence ” مثلا) سوى علامات دالة على وضع اجتماعي محدد.

وتنشأ الموضة عن حركة مزدوجة : دافعة وجذابة. فالرغبة في التماهي مع جماعة جذابة تدفع إلى تبني العلامات التي تميزها غير أن أفراد تلك الجماعة لا يلبثون أن يهجروا تلك العلامات لأنهم يرفضون ذلك التماهي، وهذا هو ما يجعل الموضة شديدة التبدل والتجديد لا سيما في المجتمعات التي تكون فيها العلامات الاجتماعية واهية التسنين. فالموضة شأنها شأن التسليات، تعويض عن الحرمان واستجابة لرغبات النفوذ والقوة .

4 – الألعاب: كالفنون من حيث كونها محاكاة للواقع، ولا سيما الواقع الاجتماعي. إنها مواقف مصطنعة صيغت لتعيد موقعة الافراد داخل ترسيمة دالة للحياة الاجتماعية.

أما الفنون فتكون فيها المحاكاة لغاية موقعة المتلقي في مواجهة الواقع وجعله يحس -بواسطة الصورة- بالانفعالات والمشاعر التي يثيرها ذلك الواقع .

أما الفرجات فهي ألعاب وفنون في الآن ذاته : ألعاب من منظور المشاركين فيها، وفنون من منظور المتفرجين. وتتناسب الالعاب مع صيغ التجربة الثلاث : الفكرية العلمية والعملية الاجتماعية والعاطفية الجمالية.

ينتمي إلى الصنف الأول كل ألعاب البناء بما فيها الابنية اللفظية كالالغاز والأحاجي والكلمات المتقاطعة، حيث يواجه اللاعب واقعا عديم الشكل، فيحاول أن يمنحه معنى، ولا يختلف عمل طفل يحاول إعادة بناء صورة انطلاقا من أجزائها المبعثرة Puzzle عن عمل عالم نبات يحاول معرفة النباتات وتصنيفها. وينتمي إلى الصنف الثاني الالعاب التي تضع اللاعب في موقف اجتماعي قد يكون الاسرة أو المهنة أو الحرب.. الخ كما هو الشأن بالنسبة للصبية التي تلعب لعبة الام مع دميتها، أو لاعبي الشطرنج أو الكرة المستطيلة الذين يحاكون الحرب…الخ وتجسد الفرجات من منظور المتفرجين النوع الثالث من أنواع اللعب، ذلك بأن انصار الفريق الرياضي يتابعون مفاجآت المقابلة كما يتابع سكان المدينة أبطالهم من أعلى الميدان. وتتداخل هذه الوظائف الثلاث في معظم الالعاب.

وتكمن وظيفة اللعب في التلقين والانتقاء. فالطفلة التي تلعب لعبة الام، والطفل الذي يلعب لعبة الجندي، يتدربان على هذين الدورين. وتسمح الاقصائيات بالتعرف على الأقوى والاصلح للقيادة. أما الألعاب القائمة على الصدفة فترمز لصراع الفرد مع القدر، وان كان ذلك في وضعيات مجردة من مخاطر الواقع.

ثم إن للألعاب وظيفة أخرى هي التسلية. فهي تسمح باشباع بعض الرغبات المكبوتة في الحياة الواقعية، وتعوض عنها مثل الرغبة في السلطة أو القوة أو الرغبة في الربح أو الترقي الاجتماعي الخ… وقد فسر التحليل النفسي وعلم الامراض النفسية المعاصران هذه المسألة، ووسعا مفهوم اللعب ومجاله، إذ أثبتا أن اللعب، شأنه شأن الفن، يعبر عن صور أولية archetypes ثقافية ضاربة بجذورها في اللاشعور الجمعي والفردي على السواء.

لقد اتسع مفهوم اللعب من هذا المنظور -أي باعتباره محاكاة لوضعية اجتماعية- ليشمل مختلف سلوكاتنا. هكذا فإن أغلب الاختلالات النفسية تتناسب مع اضطرابات في التواصل. وقد أثبت علم النفس الحركي أن هذه الاختلالات النفسية تتخذ تجليات عضوية. فلكل سلوكاتنا معنى، لكن ما دامت العلاقة بين دالها ومدلولها لاعقلانية و لاشعورية، فإن هذا المعنى يساء تأويله. فقد أثبت علم النفس التعليمي أن الطفل الهارب والمتمرد والكذوب يحاول أن يقول شيئا بطريقة مرضية وأن ينسج علاقة ما بالوسط الذي يعيش فيه. وهذه وضعية عامة. وقد برهن طبيب أميركي يدعى الدكتور أيريك بورن (Eric berne) في كتاب له بعنوان ”الالعاب التي نلعب””Games people play” (2) أن سلوكاتنا ولا سيما الأسرية منها، هي ”ألعاب”، أي أنساق من العلاقات التي تعيد إنتاج وضعيات عتيقة يجهل لاعبوها مفتاحها، ذلك بأن رب الاسرة المستبد والمرأة الباردة جنيسا والسكير المقامر… كلها أدوار يغيب عنا معناها العميق. وقد قام الدكتور ”بورن” بجرد هذه الوضعيات النمطية مبرزا الكيفية التي يمكن أن تلعب بها.

وإليك موجز الدراما الاميسية الشائعة >لولا وجودك< (If it weren’t for you) يتعلق الأمر هنا بالزوجة الخجولة التي اقترنت برجل “مستبد” وتعاني بشدة من تضييقه على حريتها. فهي تقول له دائما >لولاك لكنت سافرت، ولكان لي شغل، ولمارست الرقص وركوب الخيل..الخ<

والواقع أن التجربة أثبتت أن الزوجة المضطرة عاجزة عن ممارسة حريتها، وبذلك فإن الزوج المستبد يسدي لها خدمة عندما يجنبها المواقف التي تضعها امام قرارات لا تستطيع اتخاذها. ولعل هذا هو ما يجعل هذا النوع من النساء يخترن هذا الصنف من الرجال أزواجا.

ويشكل هذا ”اللعب” بادواره وشخصياته ومواقفه دراما متكررة ومسكوكة، مع عدد ضئيل من المتغيرات. وبهذا فإن الأعاب بصورها الكثيرة أنساق من العلامات، تتفاوت من حيث درجة مواضعتها، شأنها شأن العلوم والفنون، وان كانت ميزتها الاساسية هي كون المرسل، أي اللعب، هو لحمة العلامة. إن اللعب معناه أن يتحول اللاعب إلى شخص آخر، فالدمية تصبح >طفلا< وتصبح الطفلة أما، وتغدو قطع الشطرنج في هذه اللعبة جيشا. كما يصبح اللاعبان مخططي حرب يتصارعان.

فكل الانشطة تميل إلى أن تصير لعبا عندما تفقد وظيفتها المباشرة كما هو الأمر بالنسبة للقنص أو لعبة الحرب. وينبغي أن تتبوأ الالعاب الدرامية التي تشكل فيها الديكورات والاخراج والممثلون علامات، مكانة خاصة.

وما دامت الالعاب أنساقا من العلامات، فهي مسننة دائما، إما بكيفية تصويرية أو فكرية سيميائية (Idèeosemiques) ويؤدي غياب القواعد إلى نزع كل دلالة عن اللاعب واللعب وأطوار اللعب. وبذلك فإن المصارعة (Catch) والمصارعة الحرة التي لا تحكمها قواعد، ليست رياضات كما أثبت ذلك، رولان بارط (R.Barthes) (3) ولعل هذا هو ما يسمح للمنظمين بترتيب نتيجة المقابلة مسبقا. لكنها بالمقابل، لعبة درامية بادوارها (الخائن-الشرير-الساذج) ووضعياتها (الشرير الذي لم ينل عقابه، الشجاع الذي نال جزاءه).

فكل شيء في الحياة الاجتماعية علامة : البروتوكولات والشعائر والالعاب. ولا سيما الاشخاص المشاركون فيها. ففي الحالة الأولى>نلعب أدوارنا< الأب-الابن الشاطر- الصديق المخلص-الشهيد الذي وهب حياته في سبيل الوطن. وفي الحالة الثانية-أي في الالعاب- >نلعب دورا< . وليس من الهين رسم الحدود بينهما.

إن مسألة الالعاب، شأنها في ذلك شأن الفنون، مسألة مزدوجة : فهي تملك مظهرا صرفيا (مورفولوجيا) يتمثل في اختزال كل لعبة في مكوناتها المباشرة بهدف تحديد وظائفها وتصنيفها، ومظهرا دلاليا (ومظهرا رمزيا) من شأنهما تحديد دلالة >اللعيبات<(ludèmes) ووظيفتها الاجتماعية، وكذا جذورها الاسطورية التي تؤسسها وتحكم ايحاءاتها في ثقافة من الثقافات .

—————————–

الهوامش

*- تمثل هذه المقالة الفصل الخامس من كتاب >السيميائيات < (La sémiologie) المنشور ضمن سلسلة “Que sais je? (من ص 97 إلى ص 115) وعنوان هذا الفصل الأصلي هو : (Les codes Sociaux) .

* – حيوان صغير ثديي لاحم أبيض ذو فرو ناعم، استعمله النبلاء ابتداء من القرن الثاني عشر الميلادي في لباسهم للدلالة على رتبتهم في النبالة. وما يزال رجال القضاء يحملون هذه الشارة إلى اليوم (م)

* – الكينزياء (Kinesique) علم حديث ظهر في الولايات المتحدة الأميريكية في النصف الثاني من هذا القرن على يد العالم الامريكي (Ray Birdwistell) وهو يدرس التواصل الجسدي ولا سيما الإيمائي منه، وينطلق من فرضية مفادها أن التعبير الجسدي يشكل نسقا مسننا، يكتسبه الفرد من المجتمع ويختلف من ثقافة لاخرى (م)

* – علم البونية (Proxemique) علم يدرس الكيفية التي ينظم بها الانسان الفضاء ويستثمره في التواصل مثل المسافات بين (المتخاطبين، المعمار، أعداد المدن… وإمام هذا العلم هو ادوارد هال الامريكي (م)

1 – جوليا كريستفا : الإيماء: ممارسة هو أم تواصل – مجلة >لغات< “Langages” العدد العاشر -عدد خاص باللغات الإيمائية -يونيو 1968 – ديديي /لاروس ص 62

2- E.Berne-Games People play- New York 1964

3- R.Barthes-Mythologies – Paris Seuil -Points 1957, P. 11/12

جرد بأهم المصطلحات الواردة في النص