عبد الكريم الشيگر
غرابة (غربة) : أخذت التلفزة على عاتقها ما أبت (وتأبى) السينما والفوتوغرافيا إنجازه بسهولة ألا وهو المبدأ النرجسي القائم على المعادلة المثالية التالية : أرى أنك تراني وأنت ترى أنني أراك. فبفضل سعيها غير المنقطع وحضورها المتواصل ”ومباشرتها” المذهلة أحيانا بما لأصدائها من أبعاد كونية آنية، فإن التلفزة تولد لدى المواطن المشاهد إحساسا عارما بالتطابق… إلى حد التنويم الطارد لكل غرابة، ”شرط المعنى” كما يقول جاك ديريدا، أو غربة ما. فليس صدفة أن تصبح التلفزة هذا الوسيط الوحيد عبر التاريخ الذي حقق ”عولمة الزمن” (پ. ف.) بمثابة >هاتف عملاق بمصحة< (س. داني، 88) فمنذ مدة، أخذت تلفزتنا الوطنية تضع رهن إشارة المشاهدين رقم (أرقام) هاتفها (هواتفها) مانحة الدليل على أنها مستعدة تماما، ودائما لتلقي ”الأجوبة” وتبادل ”الآراء” وإبداء ”وجهات النظر” قربها. (أو كما يقال اليوم، وبإلحاح”، تقربها Proximité قرب (تقرب) ممرضة مثالية. فلا غرابة (ولا غرابة في الأفق، فأي مهام ودلالات إذن نمنحها للسينما (أو للفتوغرافيا) في ظل هذا الحضور التام الملغي لكل ظل أو غياب؟ أي مستقبل يحضر للفوتوغرافيا التي تبني موضوعها (ذاتها) صورة وصورة؟ أي مسقبل يحضر للسينما التي ظلت خصوصا من بداياتها تحوم، وبإلحاح مبدع، صبـــور، حول سؤال (وليس جواب، أوامر) >ما قبل وما بعد التواصل” (س. داني، 88)؟
بارد (ساخن) : مهما حاولنا نقد التلفزة الوطنية فانها تظل بقناتيها وشهادة المختصين محط اهتمام جماهيري واسع النطاق خصوصا لدى جاليتنا بالخارج : >…]على الأقل ما زالت تلفزتنا تلتزم بالحشمة قياسا لبعض الخلاعة التي تقدمها برامج الفضائيات الأخرى …] نحن نفضل مثلا مشاهدة مسرحية مغربية ولو كانت هزيلة على ذلك التراكم التلفزي الأجنبي المشاهد يوميا …] (ح. الزياني، 97). تأسيسا على ذلك، من الصعب على المرء أن يتفق مع من يتخوف من ”الهجرة الأثيرية” (م. ع. المساري، 94) لمواطنينا بأقاليم الشمال مثلا حيث القنوات الإسبانية ملتقطة بدون هوائيات. الكل قاعد في (داره) قبالة “أثاثه المفضل ” (م.ع المساري 94) – مرآته المثالية التي >يعتز بها ويرى صورته من خلالها< (ح. الزياني). وما يبدو جليا أكثر هو أن المشاهد أينما كان قد أصبح يعي جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه وهي أن يساعد، و”يسهر” على تدفئة وسيط سماه عن حق ماك لوهان بالوسيط البارد حسب نمذجته الشهيرة. يستخلص من هذه النمذجة أن هناك وسائط باردة (Médias froids) كالهاتف والتلفزة مثلا ووسائط ساخنة (Médias chauds) كالسينما والراديو مثلا، وإذا كانت الأولى >تمتلك القدرة الكافية على إدماج (أو إبهار) متلقيها-مستعمليها بحكم وضعهم داخل البيت أوالغرفة حيث إيقاع الحياة اليومية نادرا ما يهدأ أثناء الأكل والكلام… فإن الثانية، على العكس من ذلك قادرة على تحقيق نوع من التماهي بينها وبين متلقيها-مستعمليها بحكم ظلمة القاعات السينمائية مثلا وكبر الشاشة… الخ. واضح أن الأمر يتعلق بنمذجة تأخذ بعين الاعتبار تأثير وفعالية الوسيط بغض النظر عن قصدية المرسل أو المستعمل… فللوسائط كلمتها فيما نعتقد جازمين أنه من المهام والوظائف المحايثة فقط لمفهوم المؤلف أو المخرج إلخ. ونظن أن الأهمية الجمالية لهذه النمذجة تكمن فيما تفرضه على المرسل من جهة (نموذج المؤلف گودار الذي يقوم بتهجين الوسائط بنوعيها وخلق تفاعلات بينية بينها يسميها رايمون پولور (88) (intemédias) تجعله ينقذ، ينتقد، هذه بتلك، بشكل متواصل لا يتنازل) وعلى المتلقي من جهة ثانية (نموذج الناقد نور الدين الصايل الواعي، وفي نفس السياق الگوداري، بأهمية التحرك، >التيه< كما يقول، ضمن منطق بيني مخترق لكل دائرية أو انغلاق وسيطي ”خالص” مكتف بذاته). بصيغة أخرى : إن التلفزة السائدة في حاجة دائما إلى من يرعاها ويدفئها داخليا وخارجيا، إرسالا وتلقيا. وإن المشاهد السائد أيضا لا يفعل سوى الاعتراف بالجميل لوسيط بذل، منذ اختراعه، جهدا لايعوض من أجل إنقاذه من أشباح القاعات السينمائية وظلال (ظلمات) الغرف السوداء الفوتوغرافية. وما تتمناه تلفزتنا، وبقوة، هو أن يصل الشاهد إلى مستوى من الوفاء مما يجعله يحملها على عاتقه – فوق عينيه- وألا يطالبها بالتالي بالبحث عنه. إذ أن هوية مشاهديها لم تكن يوما بالنسبة إليها سؤالا متحركا. تلك هي استراتيجية التقرب (Proximité) كما تفهم تلفزتنا منذ ميلادها دون أن تسميها كذلك إلا مؤخرا -تمشيا مع قواعد المشهد السمعي البصري العالمي. وما يلفت الانتباه حقا هو أن سياسة التقرب قد أعطت أكلها، بشكل ما، إذ أن لقاء الجمهور بها كاد أن يغني اليوم عن جميع اللقاءات والمواعيد. هكذا لاحظ بعض المحللين السياسين أن عدد المشاركين والحاضرين خلال التجمعات الانتخابية لسنة 93 ببلادنا كان جد ضعيف بالمقارنة مع الاستحقاقات السابقة. وكأن الجمهور أخذ يفضل ”مباشرة” من نوع آخر، مباشرة ترجع إلى عهد ما قبل ميلاد هذه ”الفردانية الجماهيرية” (individualisme de masse) (س. داني، 91) القابعة في غرفها قبالة أثاثها المفضل البارد (المبرد).
تبريد (تسخين) : لعل الوظيفة الأساس التي تضطلع بها التلفزة السائدة تتلخص في مهمة إخضاع المشاهد لمبادئ التبسيط والتلخيص والتلقين أو لنقل : التبريد هنا (مهمة القناتين الوطنيتين رغم ما يوجد بينهما، من حين لآخر، من اختلاف دال)، والتهويل أو التضخيم أو لنقل : التسخين هناك (رغم بعض الاستثناءات الفذة على غرار ما تقوم به ولو مرة في اليوم القناة الألمانية-الفرنسية ARTE) كما حدث خلال حرب الخليج. وإن الغرض في كلتا الحالتين هو أن يظل ”القلب الدافئ” (عنوان مسلسل مكسيكي) قبالة شاشته (الصغيرة) مدمنا عليها، مدفئا، مسخنا لها. فبقدر ما تجتهد وبهستيرية في أغلب الحالات، القنوات الأجنبية في مهمتها هذه، بقدرما تعمل تلفزتنا ما في وسعها على إنجاح عملية التبريد وأحيانا التجميد القاتل لكل ما تبثه (أو تنقله كما تقول هي عن نفسها) مباشرة (مثال الرياضات بفعل تعاليق فاقدة لكل خيال وجرأة) أوغير مباشرة (مثال الحوارات التي بفعل احتراس مسيرها تغدو فاترة وغالبا مملة). كان عودة (لهيب) الانتفاضة الفلسطينية مثلا بعد أن قررت حكومة الصهيوني نتنياهو فتح النفق المعلوم بمدينة القدس (شتنبر95) فرصة لإجراء مقارنة حول الكيفية التي يتم التعامل بها، هنا وهناك، مع حدث بهذه الدرجة من (الحرارة). فبالنسبة للقنوات الأجنبية شرق أوسطية كانت أم لا، فإنها قامت بانتقاء الصور والتصريحات التي من شأنها بعث الروح في أوصالها وإيقاظ بعض الحماس في مشاهديها، وأما بالنسبة لنا فإن قناتينا ظلتا، رغم حجم المجزرة التي أعقبت الحدث، مشغولتين بنزع الفتيل وإطفائه صوتا (أو تعليقا رزينا) وصورة (أوتوليفا للقطات منتقاة بعناية) .
ازدادت تلفزتنا الوطنية وعيا بضرورة الحفاظ وإعادة انتاج صفاء خطابها التبريدي المنهجي، وأبرز علامات ذلك هو انطواؤها على ذاتها مكتفية بألوان ديكوراتها (التي ولى عهدها وانقضى) غير عابئة بما يجري خارج عتبات (دارها) أي حيث لا تحضر كؤوس الشاي وتصفف الورود البلاسيتكية (واقعية صرفة) والإنارات الطاردة لكل بصيص ظل (شفافية خالصة) وكأننا، وفي كل مرة، في أحد أروقة الأسواق الكبرى الحديثة حيث لا وجود لأدنى فراغ منفلت من قبضة الكاميرا المراقبة، تتفادى تلفزتنا الذهاب أبعد من عتباتها، وكلما اضطرتها ظروف خاصة لإجراء استطلاعات، لنسميها كذلك تجاوزا، بعيدا عن العاصمة ونواحيها فإنها لا تبح ولا تجد إلا الفضاءات والوجوه التي تشبهها مكذبة دائما من قال بأن الوجود >مرايا ومتاهات< (بورخس)؛ إنها بكلمة لن ترحل إلا في اتجاه المعلوم والمتفق عليه.
تـــوبـة : في إحدى حلقات ذاكرة المدن (97 القناة الأولى) المخصص لمدينة الصويرة وجدنا أنفسنا أمام عدد لا يحصى من الزومات (zoom) الراكضة بل المنتشلة لمن يجرؤ على تتبع حركاتها، ذهابا، وإيابا والأهم من كل ذلك هو صعوبة التواصل مع مقدم، صاحب، مخرج، معد …الخ البرنامج. في كل مرة، تنحصر ذاكرة المدينة في عمليتي التسمية والإحالة : >(هذا) باب … (هذه) زنقة… (هنا) كان … (هناك) كانت… < هكذا نظل محرومين مما جئنا للتعرف والاطلاع عليه. في الميناء، وبمناسبة لقائه ببحار تأكدنا من أن التواصل لم يعد سوى مجرد نقل خاطف لصوت -صورة أعدا سلفا. تعلق الأمر ببحار، قرر، في يوم من أيام الشباب، الإبحار إلى العالم الجديد، غير أنه عاد إلى دياره ، هو ورفيقه المتوفى حاليا، بعد أن تاه بهما القارب في إتجاه جزر الكاريبي. منذ البدء قام صاحب البرنامج بطرح أسئلة (أجوبة) وصياغة تعاليق (أوامر) وضعت (المغامرةّ) في مقامها المناسب، ذلك أن المرء مهما صال وجال فلا مناص له من >العودة …] التوبة …] (ع. العروي 96). ذلك لب ما جاء على لسان صاحب الميكرو المندهش بالغ الاندهاش مما أقدم عليه (الضيف) المستجوب. ويصعب على من يريد الحفر في ذاكرته أن يجد ولو لحظة واحدة مواتية لذلك، ما عليه إلا أن يركن إلى الصمت والانصات بإمعان واحترام. تتماهى ذاكرة المدينة مع وجه (صاحبنا) وأما وجهية visagéité مدينة الصويرة التي لها كباقي المدن، من الأفراح (والأتراح) الماضية والحاضرة ما يستحق الإنصات فعلا، فتماهت مع ما يحيا (ويموت) في ذاكرة (نسيان) عاشقيها الغيورين عليها، حتى ولو أبحروا في اتجاه ما، تحقيقا لرغبة ما. لن يحق إذن لأحد أن يسم، يذوت البرنامج (أو التلفزة) بإيقاع صوته أو تجربته الخاصة. تلك هي بالذات إرادة (سلطة) خطاب التبريد الخالص والممنهج الرامية، شاءت أم أبت، إلى إتلاف ”التجربة وإنهاكها” . (أ. مونجان 94) إرسالية (Message) مرسلا (Messager) ووسيطا (Médium) إتلاف و”انهاك التجربة” معناهما تحويل المشاهد إلى مشاهد -مواطن أعزل أمام تحديات الواقع و/أو المواطنة.
قطط أليفة : تشكل الوظيفة البيئية (س. داني، 88) للتلفزة حاجة أساسية خصوصا وأن المواطن التلفزي يؤدي عنها فاتورة شهرية على غرار ما يطلب منه للحصول على الماء والكهرباء والغاز. غير أن الخوف من مقاربة الواقع وتسجيله (وليس مجرد ”نقله”) صوتا وصورة يحول دون تحقق هذه الحاجة التي بدونها يتعذر على المواطن تكوين ملفاته والمساهمة بفعالية في شؤون حيه ومدينته ووطنه، لا شك أن المواطنة الحديثة تعرف نفسها بضرورة اتقان المواطنين والمواطنات لملفاتهم، كل في قطاعه الخاص. وكلما تراجعت أو تقلصت تلك الوظيفة البيئية تراجع وتقلص دور المواطن التلفزي الذي يصبح عبارة عن ربـ(ة) بيت لا تهتم إلا بأثاث دارها وشؤونها العائلية الصرفة. ربة بيت مثالية (مطلق خالص) لا يمت بصلة، بداهة، إلى واقع ربات البيوت، هنا و الآن. وإن ما يراود ذهن هذه الربة المثالية هو أن تصبح (دارها) في غير حاجة إلى نوافذ تفاديا لكل غبار وضجيج أو بكلمة : تلوث يقلق راحتها و”صفاء” ما يحيط بها… الخ وما يهمنا هنا هو أن هذه الشخصية النموذجية تقارب وتعالج بطريقتها الخاصة اختيارين نظريين وجماليين لصيقين بتاريخ السينما (والتلفزة) : أيهما أنجع الأستوديو (المقرون باسم G.Miloés أوالتوليف) أم الشارع (المقرون باسم L.lumieré أو اللقطة)؟ تنحو ربة بيتنا المنحى الأول مفضلة الإيهام (والتوهيم) أي التوليفات (المقص وإبر ”العبر” أو كثرة الخيوط). طبيعي إذن أن يصبح خطر التلوث السمعي البصري (وغيره)، خطرا قائما بحكم الانشغال المفرط (بالدار) سواء من طرف المرسل (الوسيط) أو المرسل إليه. وإن الخطر الأعظم هو أن ينصاع المواطن التلفزي لهذه القصدية التقريبية الرادعة لكل رغبة في ”التيه” والخروج إلى ما هو أبعد من العتبات حيث يمكن فعلا إغناء ”التجربة” وإيجاد العناصر والمعطيات الضرورية لتطويرها فردا وجماعة. إن الخطر الأعظم هو أن يتحول الجميع إلى >قطط أليفة<.(1)
خلود : هناك تصريح لافت للفنان أندى وارول جاء فيه : إن الظهور في قناة تلفزية أمريكية ولو لمدة جد وجيزة معناه الخلود بعينه<. ما يصدر عن تلفزتنا من تصرفــات يسمـــح بالقول بأنهـــــا متيقنة من أن مشاهديها النموذجين أولئك الذين بلغوا حقا سن الرشد و النضج والذين لهم من الاخلاق (أخلاق > حسن الاستقبال )ما يجعلهم يقبلون أن تحل عليهم ضيفة معززة ومكرمة في كل وقت وحين. فزيارات مقدميها و مقدماتها المتواصلة للجمهور (الكريم) جعلت (منها) عضوا غير منفصل البتة عن تاريخ العائلات عبر أرجاء الوطن: نغفر لها كل شيء لأنها منا ونحن منها .
فخلال شهر رمضان (97) مثلا وعبر برنامج الكاميرا الخفية (إخراج: ادريس شويكة) تأكدنا من مخاطر الانصياع التام لسياسة ”التقرب” التي لا تضر، بداهة، أي حد لميلها نحو المزيد من المطالبة بحسن الاستقبال والضيافة؛ تتمنى أن يصبح كل مشاهد، شابا كان أو مسنا، امرأة أو رجلا، لا يحلم ولا ينتظر بلهفة سوى لحظة وصولها ولقائه (بها). هكذا لم يتردد أحد المستجوبين عن القعود وسط الشارع بالعاصمة ظنا منه أنها (هي)، وأن التجربة التي طلبت منه ذلك تقوم بواجبها المعتاد، نزل عند رغبتها المستفزة قصدا، عسى أن يرفض أو ينتفض… لكنه، على غرار الجميع، ينصاع، وبدون تردد! في نفس الشهر وعبر القناة الشرق أوسطية (العولمية : MBC وصلت درجة الاستفزاز إلى أقصاها إذ قام المستجوب (المقنع) بالضحك على أذقان مجموعة من الشباب الباحثين عن شغل ما؛ استغل ظروفهم ووضعهم الدرامي بهدف تسخين برنامجه (أو وسيطه) بانتهازية صلفة؛ انصاع للعبته الجميع؛ ولم يتم التنديد به إلا لاحقا، من طرف مشاهدين لم يقبلوا (ضيافة) وقحة مماثلة. وليس صدفة كذلك أن يستشهد برنامج كواليس الشاشة : (96 القناة الأولى) المخصص لظاهرة الپارابول بتصريح لأحد المشاهدين، بعد أن صال وجال عبر القنوات الأجنبية، جاء فيه : >أدركت في النهاية أنني لا أشاهد برنامجا واحدا …] أن العودة إلى الاصل أصل …]< واضح أن الاتيان بتصريح مماثل يريد لنفسه أن يكون شهادة حية و ”مباشرة” على نجاح استراتيجية التقرب التي تعني أن خطر ”الهجرة الأثيرية” (م . ع المساري) لا يعني تلفزتنا لا من قريب ولا من بعيد؛ إنها واثقة من وفاء (الجميع) ولا أحد يستطيع أن يولي وجهه عن (الخلود) بعينه. أين نحن اليوم من تلك الفرجة (الجدبة) التي عرفتها القاعات السينمائية؟ أتم إحكام طوق قواعد >حسن الاستقبال< من حولنا بشكل تام ونهائي؟
مواطنة : ضمن هذه الأجواء الموسومة بإرادة سلطة التقرب (القرابة) وصلت سنة 89 القناة الثانية (2M ) معتمدة ومستفيدة من موجة الخوصصة السمعية-البصرية وما تضمنته من قوانين مشجعة على : >المبادرة والمنافسة… الخ< واستطاعت منذ البدء أن تجد وتبدع إيقاعات برمجية على طرفي نقيض من تلك التي تميز القناة الأولى (2). فلقد أبدعت (2M) في بدايتها خصوصا بعد وصول مدير البرمجة والإنتاج نور الدين الصايل إلى حد نسينا (أو تناسينا) معه أن المشهد السمعي-البصري الوطني ما زال يتراوح بين منطقي الشفاهية -التلقين والمكتوب- الإملائية، مما أدى إلى تسريحات مست مقدما ومقدمتين عملوا على تحقيق الرغبة في الظهور والحضور. تمشيا مع إحدى القواعد الأكثر بداهة بالنسبة لعهد الفيديو سفير (الصورة) إلا وهي النجومية التلفزية بما لها وما عليها. ولعل السؤال اليوم هو: أتوجد نجومية بلا وجه (صورة) ولا لسان (صوت) ؟ أيوجد حقل سمعي بصري، جمهوره جمهور بلا ظل له سواء داخل أو خارج (الدار)؟ إن أكبر المفارقات بالنسبة لمشهدنا تتجلى في رفض كل ما من شأنه تسخين الوسيط (إرسالا) بدعوى أن تلك وظيفة المرسل إليه (تلقيا)، ذلك المشاهد الضيف الذي يحول إلى مضيف يحسن الاستقبال، من كل الظروف والاحوال. جلي أن ”إنهاك التجربة” أو إتلافها معناه انهاك واتلاف للشروط الزمانية والمكانية أي البيئية بالمعنى الواسع للكلمة. فلا غرابـــة إذن إذا ما أطلت علينا مواطنة بلا ذاكرة ولا لسان ولا عين ”فاقدة لظلها ” (ن د الصايل)، الظل الكاشف للأشياء أي للحضور (الحاضر الدال على وجودها؛ رهان التلفزة رهان المواطنة أيضا .
دم جديد : أخذت السينما (الافلام) الوطنية منذ بداية الثمانينات، وبعد فترة ظلت خلالها مهددة بالتوقف والشلل، تنتبه، أكثر فأكثر، إلى ما يجري علي صعيد السمعى- البصري وخصوصا الصحافة المكتوبة، مستقلة كانت أم حزبية التي تثير شهيتها بقوة متعاظمة، وكأن السينما، على غرار التلفزة والاشهار… أصبحت هي أيضا في أمس الحاجة إلى إيجاد صيغ وقنوات تساعدها على التقرب أكثر مما تبقى من جمهور القاعات السينمائية (الآيلة إلى السقوط والاندثار). لقد خرجنا من عهد كانت فيه الافلام تتعامل مع السينما باعتبارها >كتابة< تابعة ”للقراءة” أي كتطبيق سينمائي لنظرية حول المجتمع (العلوم الانسانية : مثال الشرگي لمومن السيمحي سنة 75 المستفيد من السيميولوجيا الانتربلولوجيا) أو السينما وتاريخها (الأنواع : مثال الحياة كفاح لمحمد التازي 68 المستفيد من الكوميديا الموسيقية) مما جعل النماذج النظرية تطغى أحيانا، بشكل قد يجعل ”رواية الواقع” (ن.د الصايل 80) تلغي إلى حد ما، ”واقع الرواية” (ن.د.ص) وتجعل أيضا >الاستعانة بالتعليق لإنقاذ الفيلم” (ن د ص) محطة لا بد منها وللحد فيما يبدو من هيمنة القراءة -الكتابة- الكتابة اللتين أبانتا في بعض الحالات، عن طابعها الذهني والمجرد، فان أغلب الافلام الجديدة صوبت نظرها في اتجاه ”الوقائع ” (Faits divens) و ”الاسرار” وما يهم ”المواطن السياسي”. ألم تربط آليا الصحافة فيلم حكيم نوري الطفولة المغتصبة (95) بما حدث لخادمة صغيرة بمدينة مكناس؟ مهما يكن فإن الشريط تغذى من الحدث (أو ما شابهه) ومن ردود الفعل التي سبقته أو رافقته وغذاها هو كذلك من جهته بشكل ما. في استراتيجية التكيف ومسايرة إكراهات المشهد السمعى – البصري مبررا لطرح بعض الاسئلة : ألسنا في حاجة ماسة إلى أفلام تكون بمثابة القاطرات الناجحات جماهيريا للدفع بالسينما الوطنية إلى آفاق أوسع جماليا وأرقى صناعيا؟ أليس من الطبيعي والعادي جدا أن تتفاعل أفلامنا مع مشهدها هذا بما له وما عليه؟ أليست القوة (النسبية) للسيناريوهات الجديدة (طفولة، نساء، صحافة، حب ، صداقة الخ) قادرة على أن تمدها بدم جديد طالما ظلت في أمس الحاجة إليه من فرط بعدها عن الجمهور؟ تلك أسئلة أجوبتها متوقعة ولا تحتاج إلى إثبات .
نيئ طازج : يفضل فيلم المرحلة الراهنة منح الاولوية ، في أغلب الحالات، للفعالية البرغماتية عبر ضبط حلقات الانتاج والتوزيع والاستغلال، ورغم أهمية التحكم في الجوانب الصناعية، فان أسئلة جمالية (أخلاقية) لا تقل أهمية تفرض نفسها. في تصريح للموزع الذي أبان عن دينامية وغيرة عاليتين بصدد الفيلم الوطني (والعربي كذلك) وهو السيد بنكيران بمناسبة الحصيلة السينمائية لسنة 97 (القناة الأولى، ماي 98) جاء فيه : >…ان احترام المدة المخصصة والمبرمجة للتصوير بالنسبة لافلامنا الجديدة مسألة أصبحت اليوم حاسمة ليس فقط لأسباب مالية واضحة بل أيضا للحفاظ على طراوة موضوع الساعة …] الموضة …].< أن ينهل شريط مكتوب لنبيل عيوش (98) من جمالية الاشهار (دارجة نيئة، سرعة، مشاهد سياحية) والرواية البوليسية (قضية العميد ثابت) فذلك أمر متوقع في الظرف الحالي (تضمن الشريط نفسه إحالة على إشهار تلفزي شهير يؤدي دور البطل فيه، رشيد الوالي) يمنحنا مكتوب الدليل على أن هم المخرج، من الآن فصاعدا، هو مد الجسور بين السينما والتلفزة والصحافة والإشهار وذلك حتى نوفر على المتفرج عناء البحث عما لا يوجد داخل ”الثقافة الجماهيرية” الآخذة في الاتساع ولو عبر نسخ نسخها (العولمية). أصدفة أن تظل أغلب أفلامنا، ان لم نقل جميعها، حبيسة السوق الوطني؟ كيف السبيل إلى الخروج من هذه الدائرة المغلقة؟ في احدى مقالاته (النارية) بجريدة الاتحاد الاشتراكي استعمل الكاتب والصحفي ادريس الخوري بصدد الافلام الجديدة كلمة ” وسينما اصلاگط”. ما يبدو جليا في كل مرة هو أن السينما >دخلت عهد السينما الناطقة< (م باكريم 98) بما تعنيه من قطيعة وخوف واحتراس ازاء الصمت والسكون وبكلمة إزاء الصورة. أكيد أن الدارجة (بل الدوارج الاقليمية) النيئة على سبيل المثال أصبحت اليوم وسيلة بالنسبة للافلام و/ أو الاشهارات لما لها من فعالية تقريبية (قرابية) عالية أي لما لها من كلفة جمالية (أخلاقية) ومالية بخسة. متى “تتلعثم” (ولو بعض الشيء) أفلامنا؟(3)
ن. د. ص : خلال مدة تقلده لمهام ومسؤولية إدارة الانتاج والبرمجة بالقناتين (الأولى 84-86 والثانية 89-92 ) قام الاستاذ نور الدين الصايل ببلورة مقاربة لا تخضع تماما لشروط واكراهات المشهد (السوق) السمعي البصري، السائد. وبمناسبة مرور سنة على بداية تلك التجربة تقدم صاحب سيناريو البحث عن زوج امرأتي بملاحظات تضمنت التقييم التالي : >…] ظل التلفزيون المغربي مجرد صندوق صغير للبث …) حاليا، يتعلق الأمر بإحداث تغيير يفضي إلى جعل هذا الصندوق أداة للإنتاج ومن ثم أداة للإنتاج الجيد، لكن لا بد أولا من تحقيق الشرط الأول حاليا، نحن في طور المحاولة : نصنع الجيد الأقل جودة والضعيف ( لا أعرف أي إنتاج في العالم يصنع فقط الروائع ) لكن يتوجب علينا شحذ هذه الشفرة أكثر فأكثر حتى تقدم أشياء تستأثر باهتمام الجمهور ..] فمسألة الجمهور ليست بالامر الهين …] أنا لست منحازا لا للسوفيات وللصينيين ولا للأمريكيين …] إنني مرتبط أساسا بالمشاهد المغربي وهناك حق مطلق يجب ضمانه لهذا المشاهد : حد أقصى من التنويع على مستوى الإنتاجات لكن المغرب باعتباره وسط هذه المتنوعات له حق الانتقاء …] وباعتباره في بيته لإنتاجه حق نصيب الأسد … لكن كي تنتج هذا النصيب الضخم ينبغي التوفر على الأسس الضرورية على مستوى التجهيزات التقنية …] <. ما يمكن استنتاجه من هذه المقاربة التقييمية الشمولية هي رغبتها في تحقيق قطيعة مرنة، تدريجية مع إكراهات (خطورة وأهمية) العرض وما يفوقه (soroffle) بتعبيره، إنها مقاربة تمارس قطيعة مع منطقي التبريد التلقيني الإملائي (دعاية وإشهار) هنا والتسخين الهستيري التنويمي (إشهار في إشهار) هناك. فالتيه إذن بالنسبة إليه معناه التمرد والتحرك بوعي وحذر بين عرض كاسح (وله تناقضاته رغم ذلك: مثال فرنسا المترجمة للمسلسلات والأفلام الأمريكية الموجهة للسوق الفرنكفوني) وطلب متأرجح بين حاجيات آنية مقولبة غالبا، ورغبات في طور التشكل والبحث عن ممرات أو”لفة” للتعيير عن ذاتها، لذلك تساءل أكثر من مرة عن موقع المتفرج وعما يحضره المرسل والوسيط له أي ذاك المتفرج الذي >يشتم الساهرين على التلفزة وهو يتابعها < (ن . د . ص) بلا كلل ولا انقطاع متعاملا معها >كأرض مقدسة يختفي فيها < (ن د ص) طوال الليل والنهار.
سينما (الحياة ) : في إطار برنامج ورقة بيضاء Carte blanche (مارس 93) بالقناة الثانية الذي أعده بنفسه ، قام الرئيس السابق للجامعة الوطنية للاندية السينمائية بمحاورة مضيفي (برهان علوية، توفيق صالح، عبد الرحمان التازي، مصطفى الدرقاوي الخ) لمدة ساعتين تقريبا بصدد اشكالية العلاقة بين السينما والتلفزة ونوعية التناقضات والتكاملات والتفاعلات القائمة بينهما. وعند ختام البرنامج قام بتقديم فيلم مايكل كورتسيح وهو Casablanca (1943) من اقتراحه. ولا شك أن المشاهد تساءل آنذاك : أكانت تلك الخاتمة وليدة الصدفة؟ ألا يتعلق الأمر بتوليف يرمي إلى مجاورة (الدار) وما يجري عند عتباتها – محاكمة العميد ثابت؟(4) (بشاعة قصة ”واقعية” نثر) بحياة السينما ( جمال قصة حب خيالية، شعر)؟ ألم تكن تلك البرمجة دعوة هادئة وحاذقة لمقابلة سينما الحياة إن ورقة بيضاء محطة من محطات مقاومة عملت عبر اختيارات برمجية تلفزية وإذاعية متنوعة .
حبذا : لو استبعدنا ولو بعض شظايا (هالة) تلك التجربة النجمة المتألقة كمستقبل ماضي حي تجاورت فيه أشياء عديدة منها أسماء لا بأس أن نذكر هنا بعضا منها : المرحوم احمد بن شريف ( وحلم تلفزته – قناته الثالثة) وجون فورد (صحبة جيمس ستيورت ولي مرفين وجون واين) وعبد القادر لقطع والقاسمي والشعيبية (وتقاسيم موليم العروسي) وعبد الله العروي (وما يكنه من احترام وإعجاب لفن الفنون) وحكيم النوري (وپرتريهاته) وشادي عبد السلام (وموميائته البهية) وعبد الهادي بلخياط (وحمرة قمره) وأوزو ( وقمره الغائم) وناس الغيوان (وصيحاتهم) وگودار (وفوضاه المبدعة)… تلك اسماء شكلت هي وأخرى لحظات أساسية ضمن برمجة تلفزية تحيد بمنهجية و ذكاء عن التفريط (في) و / أو المحافظة (على) الجمهور، تحيد أساسا عما أصبح اليوم يسمى بالتقرب العقيم والمبلد. ظل الصايل (وما يزال) يرفض الاختيارات الاجبارية والمزدوجة المؤدية إلى فرض قطب دون آخر: الجمهور ”الكريم” بدل المشاهد الذي ينقصنا ، التلفزة بدل السينما، ”رياض” الثقافة و”عناوين مؤلفاتها” بدل الفن ومتاهاته، الاشهار والدعاية بدل الاعلام والإخبار و (ليس الاخبار)… الخ. لم يكن يقبل إذن المساواة المضحكة بين >(…) الضحية والجلاد، شهريار وشهرزاد الشمال والجنوب.. < أي كل ما يساهم في وضع أسس عالم سيوده قانون الغاب، لا أقل ولا أكثر.
قواعد : كانت (وما زالت) تجربة أو مقاربة مؤلف رواية Lombre du chroniqueur (90) واعية بالبعد التعاقدي، الحضاري، للوسيط التلفزي ولكل الوسائط. فلئن كانت الشاشة الصغيرة، التي ليست >بملاك ولا شيطان< (ندص 96) خاضعة لقواعد متفق عليها مهنيا وسياسيا، فانها تصبح وسيلة الدفع بتجربة المواطنة نحو آفاق أعمق وأرقى، قرر الصايل في روايته المشار إليها أعلاه عدم استعمال الحرف الأول للأبجدية الفرنسية من أول النص إلى آخره، مانحا بذلك الدليل على أن إبداع عالم متخيل أو محتمل أو ممكن أو متمنى… الخ لا يتم 1- انطلاقا من فراغ، عدم، ولا وفق ، 2 – قواعد لا تجرؤ على تسمية ما تقدم عليه بلا مؤاربة؛ ولا وفق 3 – قواعد تدعى لنفسها الكمال والاكتمال. يصعب على من يمارس فن الكتابة ( و/أو الرؤية) اعتمادا علي مبادئ جمالية (أخلاقية) مدرسة الأوليپو L’Oulipon لجورج بيريك وآخرين أن يتحرك بسهولة وعطاء ضمن حقل سمعي-بصري يرهن إمكانيات وفرص تطوره بقواعد اللاقواعد بيد أن الصايل المتسائل، لم يكن، رغم كل العوائق يرى أن المرحلة ميؤوس منها تماما، هناك بالنسبة إليه امكانيات (ورغبات)، أحد وجوهها قد يكون احترام وتقدير المشاهد ”لاثاثه المفضل” ووفرة العرض التي جعلت من فرصة الاطلاع على أخبار ومعلومات فرصة نادرة وفريدة في تاريخ مجتمعنا لانجاز استثمارات كمية وكيفية، مالية وبشرية في قطاع الوسائط بجميع أنواعها . هناك لامحالة امكانيات (رغبات) ”للتيه” ولو >بالإتكاء على هزالات< (ن.د.ص 96) .
————————————-
الهوامش
1- ذكر الصحفي والباحث بن عبد القادر أن جمهور المناطق الشمالية ببلادنا استطاع أن يحول التلفزة الإسبانية إلى >قطة أليفة< في الأسرة المغربية لا تستفز ولا تخدش الحياء. وإن التلفزة الاسبانية مكون أساسي مجال ثقافي في البلاد …] (انظر م.ع المساري) >مهاجرو الأثير؟ الاتحاد الاشتراكي (يونيو 94) . من جهتنا نظن أن المسألة الأساسية تتحدد في قدرة الوسيط البارد على تحويلنا نحن سواء هنا أو هناك إلى ”قطة أليفة” ذلك أن عملية تقعيد المشاهد وضبط سلوكه، منذ أن طرد (طرد نفسه؟) من القاعات ، أخذه في الاتساع واتقان آلياتها، (المخيخ هو ما يشتغل فينا يكتب جيل دولوز ( ) وليس ”المخ” أو ”الدماغ” بمعنى أن التزرير (Zapping) قد لا ينفع تماما؛ قد يأتي يوم سنجد أنفسنا داخل دائرة برمجية متشابهة أينما كنا. إن الرهان الأساسي فيما نرى هو إيجاد الممرات و ”الثقوب” (ن.د. الصايل) للانفلات من هذه الدائرية المطلقة) .
2-للبرمجة ايقاعات (وتوزيعات ) لا تقل أهمية عن ايقاعات (زمنية) شريط أو وثائقي فما معني أن تبرمج نشرة أخبار وسط شريط لهتشكوك مثلا؟ ألسنا أمام ارادة تبريد، إلغاء وإنهاك، لكل ما من شأنه التذكير بوجود ”تجربة” ما؟ محق گودار عندما ثير إلى أن ذلك دليل على أن التفزة لا تبحث ولا تستعمل إلا النسخ أي أنها تهاب هالة النسخة – الأصل وما قد تولده من أزمنة وإيقت عصية على ”التبريد” أو الاتلاف.
3- بالنسبة للغة تلفزتنا فإن اختياراتها تتراوح بين منحيين لا ثالث لهما : تارة تقرر برزانة واثقة تماما من ذاتها البقاء في برج لغة الخاصة عربية كانت أو فرنسية (نخبوية) بعيدة عن لغة ”اصلاكط” كما نسميها ادريس الخوري : >..] أشلاهبية لكبار.. المخرجين < (لغة ”الذئاب في الدائرة” عنوان سلسلة رمضان 97 ) وتارة أخرى تقترب منها (منهم) كثيرا، على غرار هذا المسلسل في كلتا الحالتين تظل اللغة أو خطابها بالذات مرادفا لوهم (الايهام) بقول ”كل شيء” ببلاغة (طازجة جدا) و / أو بصراحة (نيئة جدا) .ليس هناك إذن مجال لابداع بينية لغوية متعلثمة (بتعبير ج دولوز بصدد لغة گودار في اعماله التلفزيونية) تبحث عن ذاتها – واقعها
4- تهم هذه القضية رجلا أراد أو قرر أن يرى ( ويفعل ) كل شيء مستعينا بكاميرا فيديو مندسة في زاوية من زوايا ( داره ) المؤثثة خصيصالتحقيق مآربه.. لاغيا وذلك هو بيت القصد، كل غيرية منفلتة من قبضته: تربص وانقض أكثر من مرة بعنف قل نظيره حسب شهادة المحامين الذين شاهدوا التسجيلات، على المرأة، غير أنه لم يجد ويكشف سوى ”نساء ونساء” لم يعترف بوجود أدنى تباعد أواختلاف بينه وبينها (هن) تقرب (هو أيضا) كثيرا من ضحاياه هو الواعي بمزايا ومردودية الرؤية الكلية(hypervisibilité) المميزة للثقافة السمعية البصرية السائدة اللاغنية لكل استثناء مندس كظلام أو فراغ بينه وبينها (هن) كلما تجاورت السلطة المطلقة و ”الرؤية للكلية” فإن خطرا ”إحراق” surexpostion إتلاف ”ظل” (ن.د. الصايل) الآخر وغربته يصبح أمرا واقا كيف التحرك إذن و”التيه” (ن.د.ص) خارج هذه الدائرة القاهرة القائمة على قطبين متناقضين متازرين (الرؤية الكلية و /أو غيابها تعميمها ) ؟ أيوجد طريق ثالث بينية تقينا شر هذه اطلاقية (الحارفة) ؟ كيف الحفاظ على ”فضاءات الداخل ؟ (هـ ميشو علي ادكاء بؤر التوتر” : خصومة الصور (خصوبتها) المناقضة لعقم التقربات (القرابات) والتوافقات الفاترة .
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6994