الصورة والطفل بالمغرب

Bengrad
2021-06-04T11:38:05+00:00
العدد الثاني عشر
17 أغسطس 2020423 مشاهدة

حميد تباتو

تقديم

يتخذ الحديث عن الصورة والطفل موقعه ضمن مجال محاصر بالخلل والمنزلقات لاعتبارات عديدة منها :

– كوننا نسعى لتركيب حديث عن الطفل بالنيابة عنه، وبإمكان هذا الأمر أن يورطنا في متاهة إعادة إنتاج صورة الأب التي اشتغلت – وتشتغل- بقوة لتثبيت منطقها وإعادة إنتاجه في مجالاتنا الاجتماعية والثقافية والابداعية والتربوية.

– كوننا نسعى للمساهمة في تفعيل نقاش الطفل والصورة” في غياب الفاعلين في مجال إنتاج الصورة (المخرجون السينمائيون والمصورون والتشكيليون وكل الذين يرتبطون بشكل مباشر بإنتاج الصور البصرية). وبإمكان هذا الأمر أن يجعل من حديثنا يراكم إضافة لغوية تثبت منطق الهذر غير المجدي الذي غالبا ما يحكم حياتنا المغربية .- كوننا نخاطرفي نقاشنا لقضية الطفل وقضية الصورة، بنقل التشويش الخلل الذي حكم طفولتنا الخاصة في تمثلها للمسألة الثقافية ولمسألة خطاب الصورة، إلى مجال نقاش قضية الصورة والطفل سواء في هذه المحطة أو في محطات أخرى.

إلا أن هذا القول، وإن كان يدفعنا إلى الحذر والاحتياط، لا يجب أن يعفينا من الخوض في قضية ”الصورة والطفل” لأن هذا بإمكانه، أن يفعِّل لدينا على الأقل، بعض الأسئلة المتعلقة بهذا المجال من مثل :

أ : ماهو موقع الطفل في الخطاب الثقافي والإبداعي والفني المغربي؟

ب : كيف تتحكم صورة الأب في إنتاج صورة الطفل في مجتمعنا؟

ج : كيف يمكن للصورة أن تساهم في تصحيح الرؤية بصدد الممارسة الإبداعية وبصدد قضايا المجتمع والتي من بينها أساسا ”صورة الطفل ؟

إنها مجموعة من الأسئلة الرئيسية التي تفجر بدورها سلسلة أخرى من التساؤلات، يمكن للبحث فيها أن يفضي إلى تصحيح الرؤية الخاصة بصدد بعض الإشكالات الثقافية والإبداعية والمجتمعية التي من محاورها العريضة محور ”الطفل والصورة” كما بإمكانها أن تفضي أيضا إلى المساهمة في تفعيل النقاش بصدد موضوع له من الأولوية ما يجعله يستحق لقاءات وندوات وكتابات متعددة. وسأحاول من جهتي أن أقترح رأيي المتواضع بصدد هذا المحور من خلال مستويات هي :

– خلفيات ممارسة التصوير

– الطفل وثقافة الصورة

– الطفل من داخل خطاب السينما المغربية .

أولا : خلفيات ممارسة التصوير

تشكل الصورة نقطة توحد بين مجموعة من المجالات، انطلاقا من حضورها كموضوع إبداعي وثقافي لمجالات اجتماعية وثقافية وفنية ويمكن أن نحصر مجموعة من تمظهرات الصورة بحسب طبيعة النسق والجنس الذي تنتمي إليه وتتمظهر فيه من مثل :- الصورة الذهنية، – الصورة الفنية ، – الصورة الشعرية ، – الصورة الفوتوغرافية ، – الصورة السينمائية، – الصورة التلفزيونية، – الصورة الإشهارية … إلخ

إذا كانت >الصورة إبداعا خالصا للذهن ينتج انطلاقا من التقريب بين واقعتين متباعدتين قليلا أو كثيرا<(1) فإن الصورة الفوتوغرافية تتحدد باعتبارها أيقونة حسب بورس وهي عبارة عن رسم فوتوغرافي للشيء يحتفظ بعناصر الشيء وعلاقتها وأبعادها ” (2) وليس الفيلم السينمائي أو المنتوج التلفزيوني إلا مجموعة من اللقطات المتألفة بدورها من سلسلة من الصور (24 صورة في الثانية الواحدة). وتعرف الصورة انتشارا واسعا حيث تعترف كل الحضارات ، وبطرق مختلفة بقوتها المقلقة” إلا أن المجتمعات الحالية هي التي تضع الإمكانيات التقنية الهائلة للإنتاج والنشر رهن إشارة الصورة. (3)

إن ممارسة التصوير وإنتاج الصورة يستجيبان لرغبات معلنة ومكبوتة نفسية واجتماعية وجمالية وإيديولوجية كذلك. ويمكن أن نحدد حوافز ممارسة التصوير النفسية لدى أصحابها انطلاقا من اعتبار عملية التصوير تلبي خمس رغبات هي :

– الوقاية ضد الزمن.

– التواصل مع الغير.

– التعبير عن المشاعر ،

– تحقيق الذات

– النخوة الاجتماعية،

بالإضافة إلى الترفيه واللهو، أي لأجل تقوية انسجام المجموعة البشرية من خلال إعادة تأكيد شعورها بصدد ذاتها وبصدد وحدتها ” (4)

أما ما يحرك ممارسة التصوير على المستوى الاجتماعي فهو الوظيفة الاحتفالية للعملية لأنه ”إذا قبلنا قول دوركهايمDurkheim بأن وظيفة الحفل هي إنعاش وإعادة خلق المجموعة، نفهم أن مهمة التصوير هي من هذا القبيل، لأنها توفر الوسيلة الكفيلة للإحتفال بأوج هذه اللحظات من الحياة الاجتماعية، حيث تؤكد المجموعة من جديد انسجامها بشكل احتفالي’ (5)

تتأطر هذه الدلالة الاجتماعية والنفسية لعملية التصوير بالصيغة المشار إليها أساسا في نوع معين من التصوير، نسميه بالتصوير البسيط الذي يمارسه الهواة وكل ممتلك لآلة التصوير الفوتوغرافي أو السينمائي، في الغالب، لأجل التقاط وتثبيت صور عقلية في الحفلات واللقاءات العائلية أو صور ولحظات شخصية كلما أتيحت للفرد فرصة الانفلات من الفضاء الخاص المألوف، خاصة أثناء السفر وأثناء الإلتقاء ببعض الأشخاص في لحظات خارجة عن المألوف .

على العكس من هذا تتأطر الدلالة الجمالية والإيديولوجية لممارسة التصوير ضمن مشروع عام لهذه الممارسة نسميه بالتصوير المعقد، وتسعى ممارسة التصوير بهذا المعنى إلى تحرير التصوير من الوظائف الاجتماعية البسيطة التي ينيطها أغلب الناس بهذا المجال (6) ، وذلك عن طريق التدخل الواعي لأجل تأطير عملية التصوير الفوتوغرافي والسينمائي داخل رؤية جمالية وايديولوجية، هذا بالرغم من أن الصورة الفوتوغرافية والصورة السينمائية، في شكليهما البسيط والمعقد، ليستا أبدا انعكاسا كليا ومتكاملا للواقع لأنهما تمثلات فقط هذا الاختيار أو ذاك من مجموع الصفات الفيزيائية للشيء المصور (7) هذا بالإضافة إلى كون مسألة أخذ الصورة لا تعني الآلة وحدها، بقدر ما تعني الشخص الموجود خلفها والذي يتدخل بشكل مباشر في اختيار اللقطة وفي تأطيرها وفي نسج دلالة الصورة وفي تحديد خلفيتها أيضا. وإذا اعتبرنا الصورة دليلا، فهي محكومة بالبعد الأيديولوجي ، لأن ”كل الأدلة خاضعة لمقاييس التقييم الإيديولوجي (…) يتطابق مجال الإيديولوجيا مع مجال الأدلة ويتوافقان بشكل متبادل. فحيثما كان الدليل كانت الإيديولوجيا أيضا، إن لكل ما هو إيديولوجي قيمة دلالية (سميائية) (8). هذا بالإضافة إلى كون الصورة تساهم في علاقتها بالسياق العام للفيلم (بالنسبة للصورة السينمائية) وفي تداخلها مع باقي اللقطات والوحدات الفيلمية (دائما بالنسبة للصورة السينمائية ) في صياغة منطوق الإبداع الفيلمي وخلفيته ومواقفه أيضا، فيما تصوغ الصورة الفوتوغرافية المعقدة منطوقها وخلفيتها انطلاقا من نسج مكوناتها لمعناها ولدلالتها بشكلها الخاص.

إن القول بأن التصوير المعقد محكوم بالوظيفة الجمالية والإيديولوجية لا يعفيه من أن يكون محكوما في العديد من الاحيان بالوظيفة الاجتماعية أو النفسية، ونفس الشيء بالنسبة للتصوير البسيط الذي يبقى حاملا لخطاب ولموقف جمالي كذلك ولو في مستوياته الأكثر ابتذالا والأكثر سذاجة ، كما أنه يبقى محكوما بالبعد الإيديولوجي، خاصة أن التصوير البسيط ذاته يخلق دلائل يرغب من خلالها إيصال دلالات ومعاني معينة، كما يسعى من خلالها إلى خدمة بعض الأغراض الفردية أو الجمالية وهذا كله يستجيب لقول ميخائيل باختنين الذي يرى أن ”الدليل تخلقه وظيفة إيديولوجية من نوع خاص ويبقى مرتبطا بها ” (9)

ثانيا : الطفل المغربي وثقافة الصورة

عرفت ثقافة الصورة تحولا جذريا بإمكانه أن يغذي أهمية ومشروعية البحث عن أرضية يتم من خلالها مصالحة الصورة مع واقعنا المغربي ومصالحة الطفل مع صورة الثقافة التصويرية وصورة الثقافة المحلية كذلك، تلك الصورة التي تمثلت أساسا في التصوير الشعبي الذي يتحدد باعتباره” مجموعة من الخطوط والأشكال والألوان، مرسومة بمواد سهلة وميسرة، غنية بالرموز والدلالات ، وتختصر تاريخ أمة بما لها من تقاليد وعادات، إنه يعبر عن روح الجماعة، ويتماشى مع ذوقها (10). ونمثل لهذا التصوير بالصور التي استهلكناها في صبانا من مثل :

– صورة سيدنا علي مع رأس الغول

– صورة مولاي عبد القادر الجيلالي

– صورة البراق،

– صورة سفينة نوح

– صورة عنترة يضرب عبد زنجير

– صورة الكف .

– صورة أبي زيد الهلالي

– صورة عنترة وشيبوب

هذا بالإضافة إلى الصورة التي شكلتها الفرجات الشعبية لدى أجيال عديدة خاصة بالنسبة لصندوق الفراجة، وخيال الظل، بالإضافة طبعا إلى الصورة التي عملنا على تمثلها انطلاقا من حكايات الجدات ومضامين خرافة الغول وجحا وحديدان وغيرها من الصور التي انمحت الآن أو في طريقها إلى الانمحاء لصالح حكاية (11) الصورة البصرية، وصورة الفيلم السينمائي والمنتوج التلفيزيوني وصورة الفيديو والبارابول التي تشكل في قوتها إمبريالية غازية لكل الفضاءات ولكل الأجساد كذلك.

لقد هيمن الحضور القوي لحكاية الصورة في شكلها البصري مما جعل الطفل في المغرب يتيه في علاقته بصورة التلفزيون وصورة الفيلم وصورة الرسوم المتحركة وصورة الإشهار، وقد زاد من تيهه كون المؤسسة الثقافية بالمغرب، خاصة مؤسسة السمعي البصري، لم تستطع صياغة أرضية للتداول الثقافي ولتداول الصورة أساسا في المجال المغربي لتمكين الإنسان المغربي عامة والطفل خصوصا، من تجنب التأثيـر السلبي لخطـاب الصورة ولطوفانها، ولتمكيــنه أيضا من عملية فرز Décodage لما هو سلبي ومستلب في المنتوج المصور .

لقد أدى الانتشار الواسع لخطاب الصورة في شكله السينمائي والتيلفزيوني أساسا إلى تدمير مجموعة من البنيات الثقافية والاجتماعية والتربوية في مجتمعنا، وقد شكل التيلفزيون على حد تعبير دي لوي، ”مدرسة موازية” و ”عامل توحيد للأجيال الصاعدة ”، وفي المدرسة الموازية هذه التي أسسها التيليفزيون ، لم يعد الوالد يمثل النموذج بالنسبة للطفل، بل أصبح بطل المسلسلات التليفزيونية هو المثال] (12) ، مما يجعلنا نتحدث عن شخصية الطفل باعتبارها منتوجا للصورة أيضا، خاصة أن وسائل الاتصال السمعية البصرية تتوجه إلى الأطفال ”كمجموعة من المؤسسات تساهم في التنشئة الاجتماعية للجيل الجديد إلى جانب المدرسة والعائلة والجيران” (13) بالإضافة إلى تقزيم الدور التربوي للمؤسسات التقليدية، ساهمت وسائل الاتصال الجماهيري في تدمير وخلخلة الأسس الثقافية التي كان يرتكز عليها مفهوم التنشئة في مجتمعنا ، بالإضافة إلى محاصرة أشكال تعبيرية عديدة كانت تعمل بصيغها الخاصة، وبتصويرها الخاص على ربط الطفل بقيم أخلاقية وثقافية تراعي خصوصية “المحافظة” المميزة لمجتمعنا، هذا دون أن ننسى مسألة توريث الإستلاب للطفل المغربي وللإنسان المغربي ولأجيال متلاحقة لهذا المجتمع، خاصة أن الصورة التي نتحدث عن غزوها وهيمنتها تأتي من الخارج ومن الغرب أساسا، سواء كانت فيلما أو مسلسلا أو رسوما متحركة أو نموذجا إشهاريا، وتحمل أبعادا وخلفيات تسعى من خلالها إلى فرض نموذجها الثقافي وتعميمه، وإلى برمجة المتلقي لخدمة الأهداف الاستهلاكية والتدجينية التي يروج لها هذا النموذج، وذلك انطلاقا من ضرب الأسس الثقافية المؤسسة لخصوصية المتلقي عامة ولتميزه. وتبدأ الحلقة المهمة الأولى لهذه الرسالة ببرمجة الطفل عبر خطاب الصورة لتقبل وتصريف برنامج ثقافي، وجمالي، واجتماعي يخدم تصورا ايديولوجيا مضبوطا مسبقا بشكل دقيق.

وزاد من تعقيد وضعية برمجة الطفل انطلاقا من خطاب الصورة، عدم انخراط المرتبطين الرسميين بالحقل السمعي البصري بشكل جدي في صياغة ملامح برنامج مضاد يمكن الطفل المغربي من فارز Décodeur داخلي يساعده في تلقيه لخطاب الصورة الذي يحاصره، ويمكن أيضا من وضع الطفل أمام رؤية أخرى مختلفة وأمام نموذج آخـر مختلف يمكن إغناؤه وبناؤه انطلاقا من مكونات ثقافية وجمالية مختلفة، وتأسيسا على أرضية تسعى أولا إلى تفجير الدور القمعي والأبيسي المخصي Castrateur للمؤسسات التربوية التقليدية وللمؤسسات الثقافية والمجتمعية السائدة التي تسعى إلى إنتاج جيل اطفال يخدم مصالحها الثقافية والسياسية والمجتمعية.

إنها مسؤولية الإبداع المغربي أيضا، الذي يجب أن يتحرك لأجل اكتشاف قارة الأطفال الحسية والإنسانية التي لا تزال مجهولة تماما (14). وسنحاول أن نقف على مساهمة الإبداع السينمائي المغربي فيما يخص تأسيس رؤية مختلفة لعلاقة الطفل بالصورة ولقضايا الطفل المغربي عامة في العنصر الثالث :

ثالثا : الطفل من داخل الخطاب السينمائي المغربي

يبدأ الفنان على حد تعبير أندريه تاركونفسكي “Andrei Tarkovski ” عندما ينشأ في ذهنه، أو فيلمه، بناءه المجازي المميز ، ونظام تفكيره الخاص حول العالم المحيط به، حيث يطرح نظام تفكيره هذا ويقدمه لحكم الجمهور ويشاطره إياه كحلمه المنشود تماما، وفقط عندما يمتلك المخرج تصوراته الخاصة حول الأشياء، أي عندما يصبح فيلسوفا بمعني ما، يمكن اعتباره فنانا والسينما فنا” (15) فهل استطاع (أو يستطيع ) المخرج المغربي أن يكون فنانا أو فيلسوفا بالصيغة التي أشار إليها تاركوفسكي؟

إنه رهان المبدع السينمائي المغربي الذي عليه أن ينطلق في إخراج أفلامه من تصور واضح للأشياء وللوقائع وللوضعيات الاجتماعية المغربية، هذه التي تتشكل من محاور وأسئلة وقضايا عديدة منها قضية المرأة واليتم الثقافي والبؤس المجتمعي وإفلاس المؤسسات التقليدية والاستلاب والتبعية وهيمنة صورة الآخر، بالإضافة إلى قضية الطفل. في بحثنا عن صورة الطفل المغربي، وعن الاشتغال بخطاب الطفل في المتن الفيلمي المغربي نجد أن البدايات الأولى للسينما المغربية تناولت موضوع الطفل من خلال عمل العربي بن شقرون المعنون ” صديقتنا المدرسة (1956)” الذي يعتبر أول فيلم مغربي وثائقي قصير أنجز بعد فترة الاستعمار، وقد أكد فيه صاحبه أساسا على تثمين دور المدرسة في التربية والتعليم من خلال استغلاله لمغامرة طفل ينتهي به حبه للكسل وعدم الذهاب إلى المدرسة إلى عقاب. مما يجعله يدرك قيمة التواجد مع زملائه في هذه المؤسسة. وقد استمر حضور موضوع الطفل بشكل أو بآخر في العديد من الأفلام المغربية القصيرة منها والطويلة من مثل ”الطفل جوني (1966) لمحمد عبازي و ”وردة الجنوب” و ”وشمة” وأيام من حياة عادية” و”الطفولة المغتصبة” و ”ياريت” و ”شاطئ الأطفال الضائعين” و ”حرب البترول لن تقع” و البحث عن زوج امرأتي” ونماذج فيلمية أخرى عديدة. إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ”هل استحضار الطفل في عنوان الفيلم أو في أحداث الفيلم أو في ملصق الفيلم هو الذي يحدد الحكم للفيلم أو عليه فيما يخص تناول موضوع الطفل سينمائيا، أم هناك أشياء أخرى تتداخل فيما بينها بما فيها رؤية المخرج وطبيعة الطرح وطبيعة الإشتغال بهذا الموضوع هي التي تحدد رأينا وحكمنا بصدد إنتاج الصورة لخطاب الطفل أو لخطاب حول الطفل ؟

إن الإنطلاق من مقولة تاركوفسكي المشار إليها سابقا، تجعلنا نصر على أن طرح قضية الطفل إبداعيا في المجال السينمائي يجب أن تحكمه رؤية دقيقة لما يجب بلورته من أفكار بصدد هذا الأمر. ومنذ البداية نحسم في جانب من قضية السينما والطفل بالمغرب وبتعلق الأمر فيه بكون المبدع المغربي لم يشتغل بشكل قطعي تقريبا، لانتاج أعمال خاصة بالطفل المغربي، أعمال تراعي مستوى هذا الطفل وإحساسه وشعوره وطبيعته وشخصيته، مما يورط هذا المجال الإبداعي في شخص مبدعيه من جهة وفي شخص المسؤولين عنه في كونهم أغفلوا عن عمد تحريك الإنتاج والإخراج المغربيين لخدمة الغايات التربوية والتنشئية والتثقيفية لفئة عريضة من المجتمع المغربي، مما يدفع الطفل إلى ملء هذا الفراغ باستهلاك المنتوج الأجنبي الغربي، أساسا، وهذا لا يخدم الأطفال ولا يخدم المجتمع المغربي وخصوصيته كما لا يخدم أيضا الإبداع السينمائي المغربي الذي سيفرض عليه أن يعيش غريبا ”وممسوخا” بين أهله الذين سوف يحكمون عليه انطلاقا من نموذج مختلف تم استدماجه وتمثله في أعماق شخصية الجمهور المغربي عبر مسار تكون هذه الشخصية من مرحلة الطفولة إلى البلوغ. ويؤكد إهمال الفاعلين السينمائيين لفئة الأطفال في مشاريعهم السينمائية أننا لا ”نعي قليلا أو كثيرا كون الأطفال يمثلون شيئا آخر غير العبء، وأن بإمكانهم (…) أن يكونوا عتلة لإثراء نظرتنا للعالم بممارستنا للعلاقات الاجتماعية، لمشروع تغييرنا الخاص، وتغيير محيطنا من خلال حساسيتهم الأصيلة و خيالهم الشاسع، (و) فتوة تعطشهم المتسائل” (16)

إذا كان الطفل وولادته بشكل أساسي يشكلان سببا أساسيا في انتعاش حركة التصوير (17) في شكلها البسيط لدينا، فإن طرح رؤية صحيحة بصدد الطفل من داخل خطاب الصورة لم يرق ، باعتباره الوجه الثاني في قضية السينما المغربية والطفل، إلى المستوى المطلوب، خاصة أن السينما المغربية لم تقتحم بشكل فعال قضية الطفل باعتبارها إحدى القضايا الشائكة في الممارسة الاجتماعية وفي الممارسة الإبداعية والفنية كذلك. فمن خلال وقوفنا على العديد من الافلام تبين لنا أن الاشتغال السينمائي بتيمة الطفل مازال بحاجة إلى توظيف قدرات مادية وذهنية وتخييلية وإبداعية من أجل بلورة إجابة فنية تساهم في تشكيل صورة فعلية لما يجب أن تكون عليه وضعية الطفل، وذلك انطلاقا من تسليط الضوء على الميكانيزمات المفعلة لمنطق الخصي Castration والتعقيم الذي يحكم المؤسسات المجتمعية في علاقتها بالطفل.

إلا أن هذا القول لا يعني أن الفيلموغرافيا المغربية لم تشتمل علي بعض الاستثناءات التي قاربت بشكل جيد وفعال وضعية الطفل المغربي في بعض جوانبها، ويكفي أن نشير في هذا المقام إلى نماذج من مثل “وشمة”” و””الطفولة المغتصبة”” و”ياريت””.

لقد عبر حميد بناني في ”وشمة” عن الرفض الشديد لسلطة الأب ولفكرة الأب ذاتها ولصورته في إنتاجها لعقدة الخصاء لدى الطفل، وقد وجه المخرج بشكل بليغ، التهمة للأب التقليدي الذي يريد لسلطته أن تكون لا متناهية الحدود، لأن الأب/المكي في الفيلم هو عبارة عن ممثل لمجتمع الرجال، يسعى إلى تكريس أبيسيته كشيء مطلق وغير قابل للنقاش. فالمكي يحاول من خلال تبنيه للطفل مسعود أن يعوض عن عجزه عن الإنجاب، كما يعمل على تأكيد فحولته بالتسلط علي مسعود وببرمجته لخدمة امتداده الخاص عبر شخصية الطفل. وقد حاول فيلم ياريت أن يقارب من زاوية أخرى وضعية الطفل ومدى تأثير مؤسسة الأسرة على مسار حياة الفرد حتى في بلوغه، وقد بين حسن بن جلون من خلال تسليط الضوء على معاناة سعيد ومعاناة أخته فاطنة أن الام قد أنتجت لدى أبنائها مجموعة من العقد بالإضافة إلى مرض العصاب حينما حاولت التحكم في مسار أولادها بشكل متسلط وعنيف. وحاول حكيم نوري، بدوره، في ”الطفولة المغتصبة” بناء الموقف الفكري لفيلمه بالتركيز على معاناة فئة معينة من الأطفال وعلى البؤس الاجتماعي، مما أظهر أن مصادر معاناة الطفلة / الخادمة تتعدد، حيث تعاني من ابتعادها عن أهلها وتعاني من معاملة أفراد الأسرة التي تشغلها، كما تعاني أيضا من معاملة الخادمة الكبيرة، ومن محاصرة رغبتها في اللعب مع الأطفال والذهاب مثلهم إلى المدرسة والتلذذ بالتهام قطعة الحلوى كما يفعل أبناء الطبقة الميسورة، وقد تمت تزكية مسألة اغتصاب الطفولة بالاشارة إلى قضية كراء وبيع الأطفال التي تشكل أبشع صورة لمصادرة طفولة الطفل المغربي .

لقد اشتغلت السينما المغربية بموضوع الطفل بالصيغة المشار إليها في النماذج السابقة، وأشارت إلى نفس الموضوع من خلال استحضار الطفل في العديد من الأفلام كما عبرت بشكل رمزي عن الآمال المعلقة على الطفل من خلال إنهاء أفلام عديدة بصرخة أو بضحكة مولود جديد كما هو الحال في ”شاطئ الأطفال الضائعين” و ”ريزوس أودم الآخر” و ” نوح” و” الطفولة المغتصبة” ، ”إلا أن ما يمكن أن نخلص إليه بصدد علاقة السينما المغربية بموضوع الطفل هو أننا بحاجة إلى نوع آخر من المقاربة الابداعية وأننا بحاجة إلى تجذر وتعمق من طبيعة الاشتغال المشار إليه في الافلام المغربية وتتأسس على وضوح الرؤية بصدد الممارسة الفنية ، وبصدد الممارسة الثقافية، وبصدد الوضع المغربي بصفة عامة الذي هو بحاجة إالى السينمائي الفنان والفنان الفيلسوف الذي يراهن عليه جمهور الأطفال وجمهور النساء وجمهور الفن المغربي من أجل تأسيس ملامح سينما مغربية نستعير لها تسمية سينما المقهورين “Cinéma des opprimés” التي تم طرح بعض ملامحها في فيلم ”وشمة” لحميد بناني .

———————————

هوامش

1 – Pierre Caminade : Image et métaphore , نقلا عن محمد الولي -الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي -المركز الثقافي – الدار البيضاء 1990 ص 16

2 – نفسه ص 16

3- Mohamed Aziza -L’image et l’islam – Albin Michel -Paris – 1978 P : 12

4- Pierre Bourdieu – Un art moyen – Minuit – Paris, 1965, P : 39

5- نفسه ص 41

6- نفسه ص 26

7- لوي دي جانيتي – فهم السينما- التصوير- ترجمة جعفر علي – عيون ط 2 البيضاء 1986 ص 5.

8 – ميخائيل باختين – الماركسية وفلسفة اللغة – ترجمة يمنى العيد ومحمد البكري – توبقال – المغرب – 1986 ص 19.

9 -نفسه ص 24.

10 – التصوير الشعبي – أكرم قانعو – عالم المعرفة – الكويت عدد 203 نوفمبر – تشرين الثاني 1995 ص 15

11 – إن ما نستهلكه بشكل دائم في حياتنا اليومية حسب بعض الدراسات هو الحكاية أكانت شفوية أم مكتوبة أم سمعية بصرية. بالإضافة إلى أن كل فرد ينتج ويستهلك الكثير من الحكايات التي تشكل أساس بناء مضمون الصورة وخطابها. للتوضيح أكثر يمكن الرجوع إلى -عبد الرزاق الزاهير – السرد الفيلمي – توبقال المغرب 1994 .

12 – 13 مصطفى حجازي مع مجموعة من الاختصاصيين – ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة. منشورات المجلس القومي للثقافة العربية – الرباط 1990 ص 280

14 – عبد اللطيف اللعبي- حرقة الأسئلة – توبقال – المغرب – 1996 ص 71 .

15 – تاركوفسكي – السينما والحياة – ترجمة وإعداد باسل الخطيب – منشورات وزارة الثقافة، المؤسسة العامة للسينا – دمشق 1990 ص 79

16 – عبد اللطيف اللعبي – مذكور – ص 71

17- Pierre Bourdieu – Un art moyen – Cité P : 47