جويل رضـوان
ترجمة عبد العلي اليزمي
إن الاشتغال باللسان هو غالبا إعادة نظر في الخطاب القائم وانفلات للخطاب المكبوت. إنه انتقال في المعنى، و هو ما يميز النص الأدبي عن النص التواصلي ( النفعي). و قد أصبحت الترجمة منذ غوته Goethe أكثر إلحاحا وأكثراستحالة. و كانت الترجمة إلى عهد قريب جدا تخصصا متميزا يشكل بالنسبة للعديد من المهتمين منفذا نحو لسان كوني (انظر و. بنيامين W . Benjamin ). و قد شكل هذا البحث المستمر (هل يطمح العمل الفني الى الكونية و الخلود ؟) عقبة و حافزا في الوقت نفسه. يتوجب على الترجمة الادبية، على عكس اصناف الترجمة الاخرى و باستثناء الترجمة المرتبطة بالاشهار احيانا، اولا و قبل كل شيء ابلاغ ابداع اصيل تتحكم فيه مقاييس جمالية وليس فقط مقاييس وظيفية او لسانية خالصة.ان صعوبة المزج بين الدقة اللسانية و الحرية الفنية بشكل منسجم قد تحفز المترجم كما انها قد تحبطه نتيجة عدم قدرته على احترام العلاقة بين المضمون والشكل.و الحقيقة ان المضمون عادة ما يكون هزيلا، لكن فنية العمل الادبي و طريقة تداخل مختلف مستوياته تمثل جزءا لا يتجزأ من المضمون. إن العلاقة مضمون-شكل ليست علاقة اختلاف بل علاقة تركيب.
ومن اجل ابراز هذه المسألة بشكل واضح، سنتطرق الى طريقة اقتباس رواية مهمة في السينما و الى التعليق الذي انجزه ب- تيفينون(P. Thévenon in L’Express 24-2-84 ). يظهر ان الاقتباس الوفي هزيل، و > ما دامت الوحدة نص-صورة وهما < ف >الاحترام المبالغ في الدقة يحجر الاشياء < و المطلوب هو القيام بتحويل كلي؛ يجب ان نجرأ على > التظاهر بالخيانة للوصول الى نتيجة جيدة <. و الحقيقة ان النص الادبي مثله مثل الصورة منفلت و متعدد: إنه يشمل في الوقت نفسه القول وارادة القول (الصيغة العزيزة على مدرسة باريس ) والمسكوت عنه الذي يريد المسرحيون المعاصرون الايحاء به عبر الصمت خصوصا. بالاضافة الى ذلك فإن المتلقي، كما هو الشأن بالنسبة للمؤلف الرسمي، يخلق العمل الادبي. و يمكن القول كذلك ان التقاليد الاجتماعية و الثقافية المعاصرة لمرحلة الابداع و التلقي تساهم في تبلورالعمل الادبي. واخيرا فان دعاة التناص، مثل كريستيفا، يؤكدون ان النصوص تتكامل فيما بينها و تفسر بعضها البعض، حتى عندما يتعلق الامر بالانتقال من لسان الى اخر. و قد كان غوته يفضل النسخة الفرنسية لفاوست ( شعرية و لكن غير وفية ) التي انجزها نيرفال ( Nerval ) لانها كانت تساعده في فهم ابداعه الخاص. و يعتقد المكسيكي أ. باز( O. Paz ) ان كل النصوص ليست في حقيقة الامر سوى ترجمات للترجمة، وان الابداع من الدرجة الثانية ( الترجمة ) يدخل في اطار الابداع الخالص.
و تستوجب الترجمة الادبية بالضرورة احترام مسألة اختيارالاسلوب ( تناسق الاساليب الفنية و اللسانية ) و ذلك بإعادة خلق الاسلوب في اللسان الهدف. و يعتبر ف ميكو 1970 ] ( F. Miko ) > أن التباين و التناظرو القياس ثم تغييرالتعبير عناصر مهمة بالنسبة للاسلوب الادبي <. و يقترح مسطرة بالغة التجريد من المقولات الثنائية القطب المرتبطة بعلاقات تبادلية مثل الوضوح والالفة و المفاهيمية و الانسجام و التميز و القياس و الانفعالية، و ذلك بهدف تحليل البعد التعبيري للنص الادبي. و يضيف زميله ف – ليفيك 1970 ] ( F. Levik ) بانه يجب اعادة خلق مجموعة مبنينة تميل الى بلورة اثر جمالي و ليس فقط جزئيات متفرقة. و يقارن تقنية المترجم بتقنية المرتجل ( كحال الشاعر المرتجل عند بوشكين ) الذي يتلقى و يوصل انطباعا لحظيا، و بتقنية الرسام الذي ينفخ روحا في البورتريه، و بتقنية الشاعر الذي يعطي قيمةاصيلة للملفوظ .
و يقترح إ إتكيند 1967 ] ( E. Etkind ) مقابلة الالسن فيما بينها على ست مستويات و ذلك بهدف بلورة نظرية فعلية للاسلوبية الادبية المقارنة . يتعلق المستوى الاول بالانساق اللسانية : تركيب الجمل و المفردات عن تجربة سياسية – ثقافية ، مثل ” روح ” في الفرنسية ( في 1985 كان الحديث يدور عن مفردات مثل ” اشتراكية ” او ” ثقافية ” ) . و يهم المستوى الثاني الانساق الاسلوبية، اي مختلف العلاقات التي ينسجها كل لسان مع النبرات أواللهجات مع المعيار، و تحولاتها التاريخية (و يشير اتكيند على وجه الخصوص الى تحول الاسلوب الصحفي الالماني في عهد النازية ). و كما يذكر بذلك ج. باري 1961 ] ( J. Paris )، فمن المعروف ان لكل لسان شخصيته الخاصة؛ و هكذا فالانجليزية لسان منفتح، كل مفردة فيه ” تعج بالايحاءات ” في حين ان الفرنسية لسان منغلق ” شديد العناد ” كما يقول فاليري ( Valéry) .و يقارن اتكيند في المستوى الثالث بين الاساليب و الانواع الادبية التقليدية ( الكلاسيكية، الحكاية مثلا ) حتى وان كان يوجد في بعض البلدان، كحال فرنسا، تقليد يشجع على ترجمة الشعرالى نثر. و في المستوى الموالي تتم مقارنة الانساق العروضية في خصوصيتها الوطنية، و يقع التعارض خصوصا بين الانساق النبرية ( الالمانية، الانجليزية ) و المقطعية ( الفرنسية ) و النبرية-المقطعية ( الروسية ) او القياسية ( اليونانية، اللاتينية، العربية ). و في المستوى الخامس تتم مقارنة التقاليد التاريخية و الثقافية، و يلجأ في المستوى الاخير الى مقابلة النسق الجمالي للكاتب بالنسق الجمالي للمترجم.
تنتظم الترجمة الادبية الحديثة في ثلاثة نماذج. و لا يمكن للمترجم في النموذج الثقافي ان يكتفي باستعمال المصطلح الذي يبدو اقرب الى المصطلح الاصل، لان كل لفظة تصاغ بشكل محدد في كل ثقافة وطنية على حدة، حتى و ان كان مصدرهما واحدا. ( انظر ما تقوله مدرسة ليبزيغ في هذا الصدد ). اننا هنا في حالة تذكر بمشكلة الاصدقاء المزيفين. و لتجاوز هذا العائق أصر بيلوك ( H. Bellok) منذ 1931 على عدم ترجمة كلمة بكلمة ؛ ونصح باللجوء الى ترجمة فقرات طويلة نسبيا حتى لا يتم اغفال وظيفة النص و اسلوبه الادبي، ولكي يتم احترام نية الكاتب ( ان بعض التعبيرات التي تنتقل بشكل مباشر تقريبا من لسان الى آخر يمكن ان تكون ذات شحنة مغايرة ) .اما النموذج الثاني الهرمينوطيقي، فهو الذي يتبعه ج – ستاينر 1978 ] ( G. Steiner ) . و تتفرع الجوانب الوجودية و الخلاقة للتواصل اللساني عما يسميه ستاينر غيرية الالسن و عن ” قول هو اولا و قبل كل شيء حلم و غناء، تذكر وخلق ” ( ص 221 ). و قد سبق ان تطرقنا للمراحل الاربع لمساره الهرمينوطيقي؛ اندفاع متفائل، اختراق، صياغة و اعادة انتاج.
اما النموذج الثالث و يسمى ( بكثير من الالتباس ) عبر-ادبي ، فهو ممارس بشكل واسع في فرنسا حاليا . و يركز جهده على ايجاد كلمات الهدف الاكثر اقترابا من اصوات المصدر. و هو اقرب الى الترجمة الحرفية التي دعا اليها العديد من الكتاب امثال بروونين ( Browning) و شاتوبريان ( Chateaubriand) في القرن التاسع عشر، او بروست ( Proust ) و جيد (Gide ) و نابوكوف ( Nabokov) في القرن العشرين. وليس لهذا النموذج نفس غايات الترجمة البيسطرية الخاصة بالنصوص المقدسة، او الترجمة المواجهة للأصل التي نجدها في الطبعات البيلسانية الموجهة لطلبة اللغات. انه يهدف الى تجديد اللسان الهدف عبر تفجيره بطريقة تجعله يدور في فلك اللسان المصدر. و هذا ما ينصح به كاسي 1983] ( G.Kassai ) : ما دامت كلمات كل لسان > تؤخذ في سياق من الاستعمالات < فإنه يتوجب توسيع المعنى و تقريب الشكلين اللسانيين المأخوذين في نفس التجربة و تطويع اللسان الهدف ليتمكن من محاكاة بنيات اللسان المصدر، لا سيما باللجوء الى المميزات المهمة التي توجد في اللسان الهدف لكن بطريقة هامشية بحيث يخلق انطباع بالغرابة دون قطع الطريق بشكل تام على عملية الفهم. انها عملية لاتمركز. يبدو ان هذه التقنية تتلاءم بشكل خاص مع ترجمة الشعر القديم(1). و هذا ما يتبين من خلال محاولات هولدرلين ( Hoderlin) أوالكونت دوليل ( Le Comte de Lisle ) في القرن الماضي ومحاولات بيير كلوسوفسكي( P. Klossowski) حديثا. و لكن هل مازال الأمر يتعلق بعد بترجمة؟ يمكننا ان نشكك في ذلك لان اللسان الجديد المبتكر من طرف المترجم ( لسان وسط ) هو في حقيقة الامر لسان ثالث، و يجب على القارئ ان يمتلك معجم و تركيب هذا اللسان قبل ان يتمكن من فهم النص.
ترجمة الشعر
لقد تم اغفال ترجمة النثر الادبي رغم ان جيد و فاليري لاربو ( Valéry Larbaud ) على سبيل المثال، قاما بدراسة نشاطهما في هذا المجال. و تم تفضيل الاهتمام بترجمة الشعر( انظر مثلا أ . لوفيبير A.Lefevere 1975، والعدد الخاص من ميتا ( Meta )XXIIIعدد 1، 1978) باعتباره نوعا ارقى، ولكون المشاكل الشكلية تطرح بشكل اكثر حدة مما هو عليه الحال بالنسبة للرواية. و يبدو ان بعض الالسن تمتلك قرابة خاصة مع الشعر: الالمانية ( حسب مدام دوستال ( M. de Stael ) و رايلكه ( Rilke )، العربية و الروسية. ان الشعر يتميز عن باقي الانواع الادبية الاخرى بقوته التعزيمية و وظيفته التذكرية المرتبطة بالعصور الاولى التي لازالت عالقة بالاذهان ( انظر مونان 1976 ص 20 ). و رغم ان الشعر يخضع في العديد من الاحيان لقوانين شكلية متحجرة ( مثلا ثلاثيات دانتي او السوني الفرنسي )فانه يتطلب الخيال المزدوج للمؤلف والقارئ، و يفسح مجالا ارحب للالسن الخاصة و للأصداء ولتقنيةالعناصرالمرافقة. و اخيرا فان الشكل هو العنصر المركزي في الارسالية ( انظر العدد الخاص من ميتا ) .
يعتبر العديد من المنظرين، و في مقدمتهم جاكبسون، ان الشعر غير قابل للترجمة. و يعتقد أ فيراري ( 1981 ) A. Ferrari ] أن >الوظيفة الشعرية ترتكز على تعدد المعاني والجناس والوزن والقافية و الصوتية و المصوتيات<؛ ان لكل دال >مستويين في المعنى، واحد ايحائي، غير مفهومي لا يمكن فصله عن الاصوات ( الصوتية، الوزن ، القافية ، الخ ) التي توقظ الانطباعات والاحاسيس ، والآخر تقريري و يعبر عنه بالمفهوم < و يضيف فيراري أنه >> نظرا للتماثل الصوتي الذي يدرك باعتباره قرابة دلالية < فان النقل الخلاق هو وحده الممكن لانه، و حسب ما يوحي به باز ( O. Paz ) ، يمكننا ان >نخلق معنى الكلمة من خلال سحرالقافية <وهكذا إذن نعيد انتاج الوضعية الكلامية عبر المشابهة. ففي حالة الترجمة الشعرية نعرف اننا لا ننطلق من نظرية تترك وراءها بقية فاعلة(كما قال ج. لادميرال ( J. Ladmiral) و هو يتحدث عن الترجمة الفلسفية ) بل نبحث عن امكانية الحصول على ادراك شامل للحقيقة الجمالية، لان الاحساس وسعادة الاختيار الجمالي امران لا يخضعان كلية للعقل.
و من وجهة نظر اتكين ( محاضرة الجزائر مارس 1984) ، يجب اولا و قبل كل شيء احترام الدينامية الداخلية والوظيفة الكلامية الناتجة عن العناصر العروضية. ويستحضر على الخصوص ثلاثيات دانتي ( Dante) و هي عبارة عن تسلسل ثلاثي لا يكتمل ابدا، و يخلق حركة تصاعدية لا منتهية. لكن ،الكوميديا الالهية في الفرنسية لم تترجم قط على شكل ثلاثيات ( سوى في حالة ليتري Littré و بشكل جزئي، الذي حاول البحث عن تناغم اصطناعي عبر استعمال لسان القرن الرابع عشر ) في حين ان هذا الشكل العروضي ممكن كما تظهر ذلك قصيدة للكونت دو ليل. و يفضح إتكين هيمنة النموذج الكلاسيكي الذي غالبا ما يمنع المترجمين الفرنسيين من قول الاشياء كما كان يقولها الاخرون، انه يدحض ايضا موضة ترجمة الشعر على شكل نثر الذي يخلع عن الشعر كل خصوصيته .
ترجمة المسرحيات
ان ترجمة المسرحيات تتقاسم بعض الخصائص مع ترجمة الشعر: الحفاظ اولا وقبل كل شيء على الوزن والبعد الدرامي و العناصر الغنائية ؛ و كما هو الحال في الترجمة التقنية، يجب على ترجمة المسرحيات ان تكون دقيقة و مكثفة(انظر و يلوورث G. wellworth] 1981). فهي التي تظهر بجلاء الصراع الملازم لعملية الترجمة الذي يرغم النص على الانسكاب في قالب معين؛ و كما يضيف كوريغان R.Corrigan] (1961) فالمسرح هو التعبير الدرامي عن صراع ما. و يكتسب هذا الصراع احيانا حدة تجعل المسرحية غير قابلة للترجمة. و يذكرمونان (1968) ان كوميديا ديلارتي ( commedia dell’arte ) لم يكن يسمح بها من طرف لويس الرابع عشر الا عندما تقدم بالايطالية، و ان شيكسبير لم يترجم الى الفرنسية الا بعد ان تسربت الى الفرنسية عبر الرواية عناصر الثقافة الانجليزية، وان النو ( le No ) الياباني لا يترجم ابدا. ولنضف حالة الاوبرا: يتوجب على كل مغنية ان تحفظ دورها باللسان الذي الف فيه العمل الأدبي.
ان الميزة الرئيسية لهذا النوع من الترجمة هو انها تنجز لكي تسمع و ليس لكي تقرأ من طرف جمهور يؤثر فيه الطابع الاجتماعي بشكل كبير. و هو ما يقربها من التأويل . و كذلك الحال عندما يتعلق الامر بضرورة تبسيط الملفوظ ليصبح قابلا للفهم المباشر. و على عكس التأويل فان هذه الترجمة ليست متزامنة بل انها تتم عبر مرحلتين: يجب اولا صياغة النص الهدف كما هو الحال بالنسبة للترجمة الادبية، ثم كمستو ى ثاني تحويل هذا النص الهدف مع اخذ الملاحظات التي يبديها المخرج و الممثلون خلال التدريبات بعين الاعتبار. و على عكس ذلك ، و كما هو الحال في التأويل، فان هذه الترجمة تهدف الى خلق رد فعل عند المتلقي و ابراز الفكرة و هي تتكون و هي تؤثر في الممثلين؛ و كما يؤكد ذلك كوريغان ( 1961) فان ترجمة المؤلفات الدرامية حدثية.
إن دور اللسان في المسرح على قدر معين من الخصوصية، انه ينتج عملا ما او حركة ما. انه يكمل الحركة. و اذا كانت هذه الحركة تتم قبل او خلال تلفظ الفكرة التي يرافقها، فان الاثر الناتج يكون دراميا. ويصبح هذا الاثر هزليا، اذا جاءت الحركة بعد عملية التلفظ، خصوصا اذا كان هناك تباعد بين في الزمن أو الوزن . ان النبض ( le ressort ) الرئيسي للمسرحية عادة ما يكون هو الحركة التي يجب ان تتم في وقت معين . هناك اذا بعد زمني في ترجمة المسرحيات. و توجد وجهة نظر ثانية لهذا البعد و تتمثل في ضرورة الاحتفاظ بنفس العدد من الكلمات في كل لقطة حوارية اذا امكن ذلك ، لان المدة الزمنية للكلام تحدد نَفَس الممثل وعملية الالقاء، وبالتالي دوره في التمثيل. وينضاف الى هذا البعد الزمني ، البعد الفضائي، ما دامت العلاقات بين المشاهد تتم في اطار محدد. ان بعض المسرحيين مثل برنار شو (B.Shaw )يعطون اوامر دقيقة للمخرج و لا يتوانوا عن الحاقها بنص أعمالهم الأدبية. و يجب على المترجم ان يعير الانتباه ليس فقط لدخول و خروج الممثلين و لمواقعهم على الخشبة و لمناجاتهم لانفسهم ، بل ايضا للموقع الذي يحتله المشاهدون : اننا لا نترجم ” المسرح الدائري ” كما هو الامربالنسبة للمسرح الكلاسيكي. و اخيرا يجب على اللسان ان يسهل عملية الالقاء.ان هذا الأمر أكثر إلزامية من المقروئية المطلوبة في نصوص أعدت أصلا للقراءة، لان المطلوب ليس هو فقط حذف الصياغات المعقدة او اجزاء الملفوظ الصعبة الفهم بل ايضا الاستفادة من الوقفات والايقاعات و الاستراحات. و كما هو الحال بالنسبة لدبلجة الافلام ، فالمترجم مطالب بالصاق نصه بحركة الفيلم .
إن الهدف الرئيسي هو خلق اثر خطابي معين في سياق تواصلي ذو مستويين: من جهة بين الممثلين فوق الخشبة و من جهة اخرى و بطريقة غير مباشرة بين الممثلين و الجمهور. ان المسرح يضخم الاثر، انه يوحد الاسلوب حتى يتمكن من القفز على الحواجز، انه يؤثر في الصفوف الاخيرة كما في الاولى. و المترجم بدوره يضخم الاثر؛ ويجب عليه القبول ببعض الاختلالات ليتمكن ثانية من خلق الاثرالمرغوب فيه. و قد قام مونان ( 1968) بدراسة مثال مشهور في هذا الاطار: انها حالة الترجمة الفرنسية لمسرحية روسية لغوغول Gogol] (المراجع) التي انجزها ميريميـه ( Mérimée ) في منتصف القرن الماضي .و يؤكد مونان انه بالرغم من كون تلك الترجمة تتضمن العديد من “الاخطاء” و”التشويهات في المعنى ” فان نص ميريميه كان جيدا لانه كان يحرك المتفرجين الفرنسيين بالطريقة نفسها (2) التي حرك بها النص الاصلي المتفرجين الروس. و قد قام ميريميه باقتباس بعض العبارات والوضعيات بادخال اشارات الى احداث باريسية ( مثل تحول ” الهدم ” الى “تشييد ” للتذكير بالبرنامج الحضري الواسع لاوسمان ( Haussman ) الذي كان يقضي بتهديم شوارع باكملها، و مثل ترجمة التعبير الروسي :
cela lui ira comme une selle à une vache
ب
Comme des manchettes à un cochon
و كان الباريسيون في تلك الفترة مولعون بتربية الكلاب المجزوزة و المزينة. و لكي نكون اوفياء للقيمة الدرامية التي تتجاوز حدود النص المكتوب، علينا ايجاد مقاربات و اقتباسات و تعويضات عبر الاستفادة من المجال الاجتماعي -السياسي – الثقافي المالوف لدى المتفرجين ( الذي سيكون بالضرورة مختلافا بالنسبة لجمهور النص المترجم) .
جعفر عاقيل – عبد العلي اليزمي
————————————-
هوامش
*ترجمة الجزء الأول/الفصل الأول من :
-Joelle Redouane LA TRADUCTOLOGIE Science et Philosophie de la Traduction,O.P.U.,Alger,1985,pp.176-191
1) بالنسبة لتدريس الترجمة بشكل عام، يقترح شوو( S.Chau)، 1982، ثلاث نمادج؛ التركيبي (النقل التجريبي للخبر مع اعتبار اللغة سننا نحويا)، الثقافي (لكل كلمة ولكل لسان تاريخهما الخاص، و لا يمكن أن يتم إيصال المعنى إلا إذا تم اعتبار المحيط الاجتماعي) و أخيرا الهرمينوتيقي (سيرورة التمازج والخلق المشترك) .
2) إنها تصلح أيضا بالنسبة للنصوص الإشهارية التي تقدم بضاعة متميزة ثقافيا، وحتى للنصوص التقنية المعقدة، على الأقل في مرحلة أولى، التي تصف طريقة جديدة تماما وغير معروفة بالنسبة للمتلقي كما بالنسبة للمترجم.
المصدر : https://alamat.saidbengrad.net/?p=6686